قرارات ترامب تخلط الأوراق في إيران

قرارات ترامب تخلط الأوراق في إيران

30 يناير 2017
الغضب من الحظر شمل الجالية الإيرانية في أميركا(ستيفان لام/Getty)
+ الخط -
لاقى توقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على قرار منع دخول مواطنين من إيران وست دول أخرى إلى الولايات المتحدة انتقادات حادة في الداخل الإيراني. واتفق الجميع، بمختلف تياراتهم السياسية، على وصف القرار بالعنصري واعتباره مخالفاً للقوانين والمواثيق الدولية. وفي ظل وجود عداء طويل بين طهران وواشنطن، وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ انتصار "الثورة الإسلامية" في البلاد عام 1979، شكل قرار ترامب فرصة لتوجيه ضربة لمن يشجع على التقارب مع الولايات المتحدة في الداخل الإيراني، لكنه لم يمنع المحسوبين على التيارين المعتدل والإصلاحي من اتخاذ خطوات عملية لإدانة القرار.

ولم تستطع الخارجية الإيرانية إلا أن تتخذ خطوات عملية رداً على قرار ترامب لاحتواء الغضب الداخلي، السياسي والشعبي، علماً أنها خاضت مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة خلال السنوات القليلة الأخيرة، وحصدت في النهاية اتفاقاً نووياً رفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد. وقررت الخارجية التعامل بالمثل، وأوقفت منح تأشيرات للمواطنين الأميركيين الراغبين في زيارة إيران إلى حين إلغاء قرار ترامب، مع تأكيدها على أن منْ حصل على تأشيرة سابقاً سيدخل الأراضي الإيرانية ولن يطرد كما تصرفت السلطات الأميركية بحق إيرانيين، بحسب وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، والذي جدّد التأكيد على أن ما حدث يبرهن أن العداوة بين الطرفين غير منتهية. 
كذلك استدعت وزارة الخارجية الإيرانية، أمس الأحد، السفير السويسري في طهران، جوليو هاس، أمس الأحد، لإبلاغه احتجاج البلاد على قرار ترامب. وأتى الاحتجاج الدبلوماسي الإيراني على هذا النحو كون السفارة السويسرية تتولّى رعاية المصالح الأميركية في إيران.

ومنذ أن وصل الرئيس المعتدل، حسن روحاني، إلأى سدة الرئاسة في إيران قبل ما يقل عن أربع سنوات، ساد جو من الهدوء في الداخل. وفتحت الأبواب أمام الغرب عموماً، سواء للاستثمار أو للسياحة، وكان للأميركيين نصيب أيضاً. وبحسب تصريحات رسمية صادرة عن مؤسسة السياحة، زار إيران عام 2015 ما يزيد عن خمسة آلاف سائح أميركي، وفي العام الذي سبقه كان عددهم ثلاثة آلاف. وقبل ذلك أي في 2014، دخل 1900 أميركي الأراضي الإيرانية. لكن بعد دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ العملي في يناير/كانون الثاني الماضي، ارتفعت الأعداد كثيراً ووصلت إلى عشرة آلاف زائر أميركي حتى نهاية عام 2016.

على الضفة الثانية، ومنذ الإعلان عن قرار ترامب، طالب عدد من المسؤولين والمحسوبين على التيار المحافظ، حكومة الاعتدال باتخاذ خطوات حاسمة. واعتبر كثر منهم أن ما حصل يثبت للواثقين بالولايات المتحدة أنهم على خطأ، حسب وصفهم. وقال المتحدث السابق باسم لجنة الأمن القومي والسياسات الخارجية، إسماعيل كوثري، لوكالة "فارس" المقربة من المحافظين، إن الرئيس روحاني وعد الإيرانيين برفع مكانة جواز سفرهم في كل العالم، ووعد برفع شأن إيران دولياً، وهو ما لم يتحقق أصلاً بل ضعف أكثر، حسب تعبيره. ووصف قرارات ترامب بـ"الخبيثة"، و"التي تبرهن على الروح الاستعمارية لدى الولايات المتحدة". وأضاف أن المحددات التي فرضها على المسلمين لن تنقص من شأنهم كونهم لا يحتاجون أصلاً دخول أراضي بلاده. وفي الوقت نفسه، اعتبر أن السياسات الحكومية الراهنة في إيران هي التي تسببت برفع مستوى الغرور الأميركي إزاء الإيرانيين، على حد وصفه.



من جهته، كتب الصحافي، عليرضا كريمي، مقالاً نشرته وكالة "فارس"، ذكر فيه أنه كان من المفترض أن يوسع الاتفاق النووي مساحة الثقة بين واشنطن وطهران بحسب رغبة بعض المسؤولين، مشيراً إلى أن حكومة الاعتدال كانت تراهن على الأمر، لكن مع قدوم ترامب إلى البيت الأبيض اختلفت الأمور بالكامل، بحسب قوله. ووصف نظرة ترامب للمسلمين بالسلبية والعنصرية، معتبراً أن واشنطن لم تلتزم بتنفيذ ما يتوجب عليها في الاتفاق النووي، بل ومددت قانون العقوبات المفروض على إيران سابقاً عشر سنوات أخرى، بحسب ما جاء في المقال. وأشار كريمي إلى أنه لا مكان للتصرف بحسن نية مع بلد يمنع حتى الطلاب الإيرانيين من الدخول إليه، وفق تعبيره.

وعرض موقع "تسنيم" المحافظ تقريراً، أمس الأحد، عدّد فيه ما لم يتحقق من وعود روحاني خلال أكثر من ثلاث سنوات من رئاسته. وذكر التقرير أن جواز السفر الإيراني بات مشكلة أكثر من السابق، ولم يتحقق وعد الرئيس، لا بل إنه غير قادر على الرد بقوة على الدول التي تستفز إيران، مع الإشارة لقطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية، ورفضها استقبال الحجاج الإيرانيين إلا بشروط، فضلاً عن الظروف الاقتصادية التي لم تتحسن حتى بوجود الاتفاق النووي، بحسب موقع "تسنيم".

انطلاقاً من كل ذلك، يمكن القول إن قرارات ترامب بدأت تؤثر على معادلة التنافس والصراع بين التيارات السياسية الإيرانية، والتي تستعد لتقديم أسماء مرشحيها لخوض الانتخابات الرئاسية المرتقبة في مايو/أيار المقبل.

ويسعى المعتدلون المدعومون من الإصلاحيين للاستفادة مما يحدث لتجنب تراجع نسبة التأييد الشعبي لهم في الداخل، على الرغم من انتقادات المحافظين. وفي مواجهة قرار ترامب منع منح التأشيرات قد تكسب إيران تضامناً دولياً، وهذا التضامن سيزداد في حال قرر الرئيس الأميركي الجديد مس الاتفاق النووي وتمزيقه، على الرغم من تأكيد إيران بأنه ليس اتفاقاً ثنائياً وإنما بات نصاً نال ثقة دولية وتحول لقرار أممي بعد عرضه على مجلس الأمن.


المساهمون