الجزائر تعبّد طريقها لمحور دمشق موسكو طهران

الجزائر تعبّد طريقها لمحور دمشق موسكو طهران

26 ابريل 2016
عبّر مساهل عن "تضامنه مع النظام السوري" (فرانس برس)
+ الخط -

لا تبدو السياسة الجزائرية "وسطية"، كما أوحت السلطات في السابق، إذ تُظهر جداول الزيارات الرسمية لمسؤولين جزائريين، نوعاً من التوجّه السياسي إلى محور محدّد. والبداية من سورية، التي وصلها مساعد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، يوم الأحد، وذلك قبل وصول رئيس الحكومة عبد المالك سلال، اليوم الثلاثاء، إلى العاصمة الروسية موسكو. وتأتي الزيارتان قبل زيارة قريبة لوزير الخارجية رمضان لعمامرة إلى إيران. ثلاث زيارات في اتجاه محور سياسي، تطرح الكثير من التساؤلات عن دوافع الاندفاع الجزائري وملابساته باتجاه هذا المحور.

في موسكو، من المتوقع أن يجري سلال سلسلة من المشاورات السياسية مع المسؤولين الروس، والتوقيع على اتفاقيات اقتصادية عدة بين الجزائر وروسيا. ويرافق سلال في زيارته عدد من الوزراء ورجال أعمال وممثلون لهيئات أرباب العمل والغرف التجارية، وذلك في سياق تعزيز علاقات التشاور السياسي والتعاون الاقتصادي بين الجزائر وروسيا.

وتكشف مصادر جزائرية، لـ"العربي الجديد"، أنه "إضافة إلى الملفات السياسية التي ستكون على رأس المباحثات التي سيجريها سلال مع المسؤولين الروس، وعلى رأسها قضية الأمن ومكافحة الارهاب وملفات سورية وليبيا، فإنه سيتم خلال هذه الزيارة التوقيع على عدة اتفاقيات".

وتضيف المصادر أن "الاتفاقيات متعلقة بإنشاء مشاريع صناعية، كمشروع الشراكة بين مجموعات روسية وأخرى جزائرية، في مجال تطوير الفوسفات وتحويله، وإنتاج الأسمدة واتفاقيات الشراكة، في قطاعات الصناعة الغذائية والفلاحة والبنى التحتية والنقل والمحروقات، وتعزيز التعاون القائم بين مجمّع سوناطراك وغازبروم". كما تطالب المصادر بـ"تكثيف المبادلات التجارية، تمهيداً للتوقيع على الاتفاق التفاضلي على المستوى التجاري"، إذ تسعى الجزائر لفتح منفذ لبعض المنتجات الفلاحية الجزائرية لتزويد الأسواق الروسية.

مع العلم أن التبادل التجاري بين الجزائر وروسيا بلغ 530 مليون دولار في عام 2014، وارتفع إلى 800 مليون دولار في عام 2015، من بينها 790 مليون دولار عبارة عن صادرات روسية. وقد سبق أن زار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الجزائر في 29 فبراير/شباط الماضي، والتقى خلالها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وقال لافروف حينها إن "هناك آفاق تعاون اقتصادي وتجاري جيدة بيننا، وعلينا تكثيف أعمال اللجنة الحكومية المشتركة حول التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين".

وتتزامن زيارة سلال مع زيارة مساهل إلى دمشق، التي أكد خلالها على "تضامن الجزائر مع سورية في محنتها التي تمرّ بها". ورأى في تصريحات صحافية عقب لقائه مسؤولين بالنظام السوري، أن "الجزائر سبق وإن عانت الإرهاب وعاشت المآسي بسببه، إلا أننا بقينا صامدين شعباً وحكومة ضد هذه الآفة. لقد عشنا الإرهاب لكننا عشنا أيضاً المصالحة الوطنية والحوار".

ودعا مساهل إلى الحوار لحلّ الأزمة السورية، قائلاً "نحن في الجزائر كنا سبّاقين ولا زلنا دائماً مع الحلّ السياسي، مهما كانت الأزمات". كما استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، مساهل، الذي أبلغه "مساندة الجزائر للشعب السوري في مكافحة الإرهاب والتصدي له، والتأكيد على الحلّ السياسي للأزمات التي يعيشها العالم العربي".

لكن هذه الزيارات إلى سورية وروسيا التي تأخذ عنواناً اقتصادياً، لا تنفصل عن سياق سياسي تعيشه الجزائر على صعيد علاقاتها الإقليمية والعربية، إذ تبدو الجزائر وكأنها قد حسمت موقعها السياسي للتنسيق مع محور دمشق وطهران وموسكو، في ظلّ حرب مواقف سياسية تخوضها ضد دول الخليج، تحديداً السعودية.

وكانت الجزائر قد عارضت عددا من المبادرات التي قامت بها السعودية، كالتحالف العربي والتحالف الاسلامي، وعارضت أيضاً كل القرارات التي اتُخذت في إطار الجامعة العربية بشأن سورية واليمن وغيرها. وهو ما خلق أزمة سياسية بين الجزائر والسعودية، ودفع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى إرسال مبعوثه الخاص، الطيب بلعيز، قبل أسبوع إلى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، لطلب تسوية الخلافات وفضّ الأزمة السياسية.

كما يبرز الموقف الأخير الذي عبّرت عنه السعودية ومجلس التعاون الخليج بشأن قضية الصحراء، وإعلان الملك سلمان في افتتاح قمة التعاون الخليجي التي عقدت في الرياض، يوم الأربعاء، مخاطباً الملك المغربي محمد السادس، الذي حضر القمة، عن "تضامننا جميعاً مع كل القضايا السياسية والأمنية التي تهم بلدكم الشقيق وفي مقدمتها الصحراء المغربية".

وفي هذا السياق، أكد البيان الختامي للقمة على أن "قضية الصحراء المغربية هي أيضاً قضية دول مجلس التعاون"، مبدياً دعمه "لمغربية الصحراء، ومساندته لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب، كأساس لأي حل".

وقد رأت الجزائر في تلك المواقف تهجّماً سياسياً ضدها، ما قد يكون سبباً رئيسياً في الاندفاع السياسي الذي تبديه الجزائر في الفترة الأخيرة باتجاه محور روسيا ـ إيران ـ سورية.

في هذا السياق، يرى المحلل السياسي رياض هويلي، في التوجه الجزائري، أن "الجزائر وبعد التوتر النسبي مع فرنسا حول قضايا داخلية، وأيضاً خارجية، ومنها الصحراء الغربية وليبيا، وحربها الباردة مع السعودية فضلاً عن ملفي سورية واليمن، تسعى للتموضع أكثر في حلف روسيا ـ إيران". كما يلفت إلى أن "هذا التوجّه يستهدف إحداث نوع من التوازن مع الاتكال على روسيا في مجلس الأمن، والتنسيق مع الإيرانيين في الطاقة ومواضيع أخرى، خصوصاً أن السعوديين أفشلوا اتفاق النفط".

لا تبدو الجزائر مستعدة لتقديم تنازلات سياسية بشأن مواقفها التقليدية، على الرغم من بعض ظروف الأزمة التي تعيشها داخلياً على الصعيد السياسي، بفعل غموض المشهد في رأس السلطة بسبب مرض بوتفليقة، والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد وموجة الاحتجاجات الاجتماعية فيها. وتراهن السلطة في الجزائر على "حسّ قومي داخلي" لتركيز مواقفها المندفعة باتجاه محور موسكو دمشق وطهران.

المساهمون