روسيا تخترق الحصون الأميركية في باكستان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً

روسيا تخترق الحصون الأميركية في باكستان سياسياً واقتصادياً وعسكرياً

08 مارس 2018
وزيرا خارجية روسيا وباكستان أثناء لقائهما بموسكو(فاسيلي ماكسيموف/فرانس برس)
+ الخط -
تحوّلت باكستان إلى ساحة صراع متجدد، بين روسيا والولايات المتحدة، على خلفية خلاف إسلام آباد مع واشنطن من جهة، وسعي موسكو لكسب أرض جديدة في وسط آسيا، مجاورة لأفغانستان. ومن المتوقع أن يؤدي التقارب الروسي الباكستاني إلى تغيير جذري في السياسة الجيوبوليتيكية في المنطقة، من دون المساس بعلاقات روسيا مع الهند "العدو التاريخي" لباكستان، على اعتبار أن لموسكو تجربة في الخليج، بين إيران والسعودية، فتمكنت من بناء شبكة مصالح مع البلدين، كل على حدة. وهو الأمر الذي تعمل على تحقيقه في الموضوع الباكستاني. فتكسب باكستان ولا تخسر الهند وتُبقي على تأثيرها في أفغانستان. ومن شأن التقارب بين البلدين أن يؤدي لفتح سوق للغاز تنمو سريعاً أمام شركات الطاقة الروسية.

مع العلم أن احتضان روسيا لباكستان جاء في وقت صارت العلاقات بين الأخيرة والولايات المتحدة آخذة في التدهور بسبب الحرب في أفغانستان، كما مثّل التقارب تحولاً كبيراً، عما كان عليه الوضع في الثمانينيات من القرن الماضي، حين كانت باكستان مؤيدة في تهريب السلاح والجواسيس الأميركيين عبر الحدود لدعم المقاتلين الأفغان في حربهم ضد القوات السوفييتية.

وعلى الرغم من أن التقارب بين موسكو وإسلام آباد ما زال في بداياته وأن الصين ملأت الفراغ المتنامي الذي خلفته الولايات المتحدة في باكستان، فإن سلسلة من الصفقات في مجال الطاقة والتعاون العسكري بشرت ببث الحياة في العلاقات الروسية الباكستانية التي خمدت لعشرات السنين.

ولطالما ركّزت روسيا على العلاقات مع أفغانستان، بفعل علاقتها مع حركة طالبان، صاحبة العلاقات التاريخية مع باكستان، مع تكرار موسكو أنها "تعمل على تشجيع مفاوضات السلام". كذلك شعرت روسيا وباكستان بالانزعاج لوجود تنظيم "داعش" داخل أفغانستان، في ظلّ خشية الروس من انتشار مقاتلي التنظيم صوب آسيا الوسطى بالقرب من عقر دارها.

كما أن للعلاقات بين البلدين علاقة بقطاع الغاز، مع كشف مسؤولين في قطاع الطاقة في إسلام آباد أن "روسيا وباكستان تتفاوضان على صفقات غاز محتملة تتجاوز قيمتها عشرة مليارات دولار". وقال وزير الخارجية الباكستاني خواجة آصف، إن "ما بين أربعة وخمسة مشروعات ضخمة في مجال الكهرباء ستعزز علاقتنا بشكل أكبر".

وفي الشهر الماضي عيّنت روسيا مجلساً شرفياً في إقليم خيبر بختونخوا الشمالي في باكستان، في ظلّ إجراء شركاتها محادثات لبناء مصفاة لتكرير النفط ومحطة كهرباء. غير أن أكبر الصفقات تركزت على إمدادات الغاز والبنية التحتية، في باكستان المعروفة بكونها واحدة من أسرع أسواق استيراد الغاز الطبيعي المُسال نمواً في العالم. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي وقّعت باكستان وروسيا اتفاقاً بين الحكومتين في مجال الطاقة مهّد السبيل لشركة "غازبروم" الروسية العملاقة للدخول في مفاوضات لتوريد غاز مسال إلى باكستان.

ومن المتوقع استكمال المحادثات خلال ثلاثة أشهر، وقال مسؤول باكستاني إن "غازبروم تعتبر من الشركات المرشحة لاقتناص صفقة طويلة الأجل لتوريد الغاز". وأضاف أن "قيمة الصفقة قد تبلغ حوالي 9 مليارات دولار على مدار 15 عاماً، على أساس شحنتين كل شهر من الغاز الطبيعي المسال". كذلك فإن الثقة ارتفعت في شأن المضي قدماً في مدّ خط لأنابيب الغاز بجهود روسية لمسافة 1100 كيلومتر من لاهور إلى مدينة كراتشي على البحر. وقد عطلته عقوبات أميركية على شركة "روستيك" الروسية العملاقة التابعة للدولة وكذلك نزاع على رسوم النقل بخط أنابيب بين الشمال بالجنوب. وهو المشروع الذي بلغت استثماراته ملياري دولار والذي تمّ الاتفاق عليه في عام 2015.

وخلال رحلة إلى موسكو قام بها الشهر الماضي، كشف آصف أن "البلدين خططا لإنشاء لجنة للتعاون العسكري للتصدي لخطر تنظيم داعش في المنطقة. كما اتفقا على الاستمرار في تدريبات عسكرية سنوية بدأت في عام 2016 وتبعها بيع أربع طائرات هليكوبتر هجومية روسية لباكستان، بالإضافة إلى شراء محركات روسية لمقاتلات سلاح الجو الباكستاني من طراز جيه إف-17 التي يتولى الجيش الباكستاني تجميعها على الأرض الباكستانية". حتى أنه قال إن "بلاده ارتكبت خطأً تاريخياً بالميل 100 في المائة نحو الغرب، وإنها تحرص الآن على بناء التحالفات مع قوى أقرب إليها جغرافياً مثل الصين وروسيا وتركيا". وأضاف "نحن نريد إصلاح الاختلال في سياستنا الخارجية على مدار 70 عاماً. نحن لا نتخلص من تلك العلاقة (مع الغرب)، بل نريد توازناً في علاقاتنا ونريد أن نكون أقرب إلى أصدقائنا في منطقتنا".

وقال رئيس الوزراء الباكستاني شاهد خاقان عباسي أيضاً إنه "توجد أرضية مشتركة بيننا في أغلب القضايا على المستويات الدبلوماسية. هذه علاقة ستنمو نمواً كبيراً في المستقبل". كما اعتبر وزير الدفاع الباكستاني خورام داستجير خان، أن العلاقات بين البلدين "فرصة، وعلى البلدين تجاوز الماضي من أجل فتح باب المستقبل".

وشعرت الهند بالارتياب، فهي جارة باكستان وخصمها اللدود وكانت في المعسكر السوفييتي خلال عصر الحرب الباردة (1947 ـ 1991). وفي العقدين الأخيرين دعمت صفقات سلاح ضخمة العلاقة بين روسيا ودولة تعتبرها موسكو "شريكاً استراتيجياً".

وقال الخبير البارز في علاقات الهند مع باكستان وأفغانستان، سوشانت سارين، لمؤسسة أوبزرفر للأبحاث في نيودلهي، إنه "إذا بدأ الروس دعم باكستان بشكل كبير على المستوى السياسي فسيخلق هذا مشكلة لنا"، وذلك في غياب أي رد رسمي من وزارة الخارجية الهندية على طلب للتعليق على علاقات روسيا مع باكستان، لكنها سبق أن قالت إن "علاقاتها مع موسكو في أفضل أوقاتها، وإن البلدين يدعمان العلاقات في مجالي الدفاع والطاقة، بما في ذلك التعاون في المفاعلات النووية في الهند".

التحول شرقاً مفيد لباكستان، الواقعة في حالة اشتباك مع الأميركيين حالياً، خصوصاً بعدما أفضى الضغط الأميركي وبدعم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا، إلى إعادة "مجموعة العمل المالي الرقابية" باكستان إلى قائمة المراقبة لـ"الدول التي لا توجد لديها وسائل رقابة كافية على تمويل الإرهاب". الأمر الذي قد يلحق الضرر بالاقتصاد الباكستاني الهش. وجاءت الخطوة الأميركية التي بلغ الغضب الباكستاني حد وصفها بمحاولة لإحراجها في أعقاب إعلان واشنطن في يناير/كانون الثاني الماضي تعليق مساعدات عسكرية قيمتها مليارا دولار".

الجيش الباكستاني الذي اعتمد تاريخياً اعتماداً كبيراً على الأسلحة والطائرات الأميركية، قد لا يكون أمامه خيار سوى زيادة المشتريات من دول مثل روسيا. ويعمل الفتور المتنامي في العلاقة مع واشنطن على دفع إسلام آباد لتوثيق علاقتها مع الصين التي تستثمر نحو 60 مليار دولار في البنية التحتية في باكستان. غير أن محللين قالوا إن "باكستان تخشى الإفراط في اعتمادها دبلوماسياً على بكين".
(العربي الجديد، رويترز)


المساهمون