هدوء ليبيا مهدد من الشرق والغرب

هدوء ليبيا مهدد من الشرق والغرب

08 ابريل 2016
دعا كوبلر للتعجيل بتسليم السلطة لحكومة الوفاق(طه جواشي/فرانس برس)
+ الخط -
تسير حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السرّاج باتجاه بسط سيطرتها بشكل كامل على طرابلس قبل الانتقال إلى طبرق، فيما جاءت المواقف من طبرق لتعيد التخوّف من سجال بين شرق ليبيا وغربها، ما قد يهدد الهدوء الحذر في البلاد منذ دخول حكومة السرّاج، وسط دفع أممي متواصل لهذه الحكومة وتحذيرات من سقوط اتفاق الصخيرات الهش.
ولا يبدو أن السرّاج قد نجح حتى الآن في تذليل كل العقبات أمامه في طرابلس، مع إعلان رئيس حكومة الإنقاذ في طرابلس خليفة الغويل، أنه لم يسلّم السلطة لحكومة السراج، ما اعتبرته بعض المصادر في العاصمة الليبية لـ"العربي الجديد"، فشلاً للمفاوضات السرية بين الطرفين، بعدما ظن الجميع أن جهود الوساطة قد أحرزت تقدّماً في هذا الاتجاه. وتؤكد هذه المصادر أن "الغويل شعر بالعزلة بعدما أعلن عدد من وزرائه عن نيتهم تسليم وزاراتهم، وبعضهم سلّم فعلاً"، لافتة إلى أن "الحوارات الجانبية لم تتوصل إلى توضيح موقف المجلس الرئاسي من مصير الغويل الشخصي، ولم تطمئن الموالين له من الكتائب والقبائل بشكل واضح، وجاء موقفه الأخير ليدعم مواقف بعض أعضاء المؤتمر العام، الذين بقوا وحيدين في الأيام الثلاثة الأخيرة".
من جهته، يكشف سياسي ليبي مقرّب من رئاسة حكومة الوفاق لوكالة "فرانس برس"، أن "حكومة طرابلس أفلست، وبات بعض أعضاء الجماعات المسلحة بلا رواتب وأموال، بينما أصبح آخرون يخشون أن يلقوا المصير ذاته". وأضاف أن "هؤلاء العناصر يسيرون مع الجهة التي تملك الأموال، وليس مع الطرف المفلس. وبما أن حكومة طرابلس وجدت نفسها أمام أزمة مالية كبرى، وباتت عاجزة عن دفع الرواتب، اندفعت الجماعات المسلحة لتأييد حكومة الوفاق". لكنه حذر من أن "خطر وقوع أعمال عنف لا يزال قائماً، إذ إن هذه الجماعات قررت أن تنتظر لترى ما الذي يمكن أن تقدّمه حكومة الوفاق وما هي قدراتها المالية"، مضيفاً "الوضع في ركود حالياً، وقد يتغيّر في أية لحظة".
إزاء هذا الوضع، جاء كلام رئيس المجلس الأعلى للدولة في ليبيا عبد الرحمن السويحلي، الذي انتخب أول من أمس الأربعاء، لتهدئة الأجواء بعد ردود الفعل في الشرق الليبي حول إجراءات المجلس. ودعا السويحلي إلى تضميد الجراح والمصالحة والتنازل المتبادل للشروع في بناء الدولة، كما دعا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق ومجلس نواب طبرق للعمل لتحقيق المصالحة الوطنية وتوسيع دائرة التوافق.
وبدا كلام السويحلي موجهاً أساساً إلى الشرق الليبي، الذي انتفض عدد من نوابه وأعيانه حول التعديل الدستوري الذي أقرّه المجلس الأعلى للدولة، معتبرين أنه غير شرعي، وهو ما أعاد إلى الواجهة الخلاف المكتوم بين الشرق والغرب، وسط دعوات وصلت إلى حد المطالبة بحلول انفصالية.
وكانت أولى ردود الفعل من عضو المجلس الرئاسي المقاطع، علي القطراني، الذي أكد خلال اجتماع مع أعضاء من مؤسسات المجتمع المدني والشباب أن "ما حصل حتى الآن يدل على عدم احترام إرادة إقليم برقة (الشرق) المتمثلة في دعم المؤسسة العسكرية، ما سيؤدي إلى فك الترابط بين إقليم برقة وإقليم طرابلس الذي يستعمل سياسة التجويع"، بحسب قوله.


وفي السياق نفسه، وجّه رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل، رسالة إلى المبعوث الأممي مارتن كوبلر نبّه فيها ممّا قال إنه "التداعيات السلبية الخطيرة التي قد تنجم عن الخرق الفاضح والمتعمّد للاتفاق السياسي من قبل مجموعة من أعضاء المؤتمر الوطني المنتخبين في يوليو/ تموز 2012 بإعلانهم تشكيل مجلس للدولة وتعديلهم للإعلان الدستوري وتضمين الاتفاق السياسي له ثم انتخاب رئيس ونائبين لهذا الجسم الذي ولد قبل وقته ومارس واغتصب ما ليس من اختصاصه".
واعتبر جبريل أن "اعتداء هذه المجموعة على صلاحيات السلطة التشريعية، الشرعية الوحيدة كما نصّ الاتفاق، يُعدّ مؤشراً واضحاً على استمرار سياسة فرض الأمر الواقع، والتي إن لم يتم التصدي لها بالسرعة اللازمة قد تمثّل سابقة وحافزاً لبقية المؤسسات التي أفرزها الاتفاق السياسي لانتهاج هكذا سياسة". وأضاف أن "مباشرة بعض أعضاء الحكومة المقترحة مهامهم قبل نيل ثقة مجلس النواب، يُمثّل أيضاً استفزازاً واستهتاراً ببنود الاتفاق"، مطالباً كوبلر "بدعوة لجنة الحوار السياسي إلى اجتماع عاجل وطارئ لاتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة هذا الخرق الفاضح، وتدارك المزيد من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن ذلك".
وتعكس هذه التوترات هشاشة الوضع الليبي، الذي يبقى مهدداً بالانفجار في أية لحظة، على الرغم من التقدّم الهام والسريع الذي تحرزه حكومة السرّاج، التي تلقّت دعماً جديداً من المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر، الداعي إلى "التعجيل بتسليم السلطة بشكل كامل إلى حكومة الوفاق"، ومحذراً من أن "اتفاق السلام الهش القائم في طرابلس قد لا يصمد إذا لم تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق إنجازات".
ودعا كوبلر، في حديث مع وكالة "رويترز"، برلمان طبرق إلى إجراء تصويت حول منح الثقة لحكومة الوفاق، معتبراً أن البرلمان "يخاطر بأن يتم تهميشه إذا امتنع عن فعل ذلك"، فيما كان لافتاً إعلان المبعوث الأميركي إلى ليبيا، جوناثان وينر، أن البرلمان الليبي سيصوّت الإثنين المقبل للمصادقة على حكومة الوفاق الوطني وعلى الدستور، مشيراً إلى أنه أُبلغ بذلك من قبل عضو في البرلمان الليبي، لكن من دون أن تصدر أي تصريحات أخرى تعزز من دقة هذا الموعد.
كما تطرق كوبلر إلى مسألة تسليم وتسلّم الوزرات بقوله لـ"رويترز": "نعرف وزراء راغبين في تسليم السلطات، ولكن ينبغي تغيير الوزراء. وينبغي أن يسلّموا سلطاتهم بصورة سلمية وإعطاء الإدارة الجديدة لحكومة الوفاق الوطني". واعتبر أن حكومة الوفاق بحاجة للتمكّن من تحسين الظروف الاقتصادية بسرعة، وكذلك الخدمات الصحية المتداعية، مضيفاً: "الوضع هادئ الآن، لكن إذا لم تحقق الحكومة نتائج، لن يظل الوضع هادئاً".
في سياق متصل، جاءت تصريحات نائب رئيس المجلس الأعلى للدولة صالح المخزوم، من أن المجلس الرئاسي، باعتباره القائد الأعلى، "سيعيّن عمّا قريب الشخصية الملائمة لتولّي قيادة الجيش، بالتوافق مع مجلس النواب (طبرق) ومجلس الدولة"، لتطرح أسئلة كثيرة حول هذه الشخصية، خصوصاً أنها تتعلق بالموضوع الشائك في الملف الليبي، الجيش وقياداته. وأكد المخزوم "قرب انتهاء الجدل القانوني والسياسي المثار حول القيادة العسكرية"، موضحاً في تصريح لوكالة أنباء ليبية، أنهم في تواصل مستمر مع أعضاء المؤتمر الوطني العام الذين لم ينضموا بعد لمجلس الدولة، لافتاً إلى أن هؤلاء لا يعارضون الاتفاق السياسي، وإنما يطالبون بضمانات تحقق التوازن التشريعي وتحمي مبادئ الثورة، وتحدد الموقف الواضح مما يحدث في بنغازي.
وأعلن المخزوم أنه "في تواصل دائم مع رئيس المؤتمر الوطني نوري بوسهمين، والمفتي الصادق الغرياني"، وأن "مجلس الدولة سيدافع عن أعضائه، وعن المفتي، وسيطالب الاتحاد الأوروبي بالعدول عن مسألة فرض العقوبات التي أقرها". واعتبر أن "الضمانة الحقيقية للاتفاق السياسي تتمثّل في ما يحصل الآن على أرض الواقع من تواجد المجلس الرئاسي‬ ومجلس الدولة في العاصمة طرابلس، وحكومة الوفاق عما قريب ستعمل أيضاً من طرابلس".
ويخشى مراقبون للشأن الليبي من سقوط الوضع الهش القائم، وسيطرة حالة من الانفلات قد تدفع حكومة الوفاق لطلب حمايتها إذا ما تحوّلت المواجهة السياسية إلى عسكرية بين الفصائل المتنازعة، بما يهدد الحكومة والمدنيين. ويزيد من هشاشة الوضع الأمني الليبي خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، وسط محاولات لمنعه من توسيع دائرة نشاطاته، مع الكشف عن انتشار قوات ليبية شُكّلت في الآونة الأخيرة لمكافحة المتشددين، في كل أنحاء طرابلس. وبحسب وكالة "رويترز"، تتألف قوة الردع الخاصة من لواء يضم أكثر من 600 عنصر. وقال المتحدث باسم الوحدة معاذ خليل، للوكالة، إن "قوة الردع الخاصة تحارب داعش بشتى الطرق، وهو يسعى إلى زعزعة الأمن في جميع المدن الليبية والسيطرة على بعض المناطق القريبة من سرت"، كاشفاً أنه "في الأسابيع الأخيرة تم تفكيك أكثر من 15 خلية تابعة للتنظيم في طرابلس".

المساهمون