حراك بيروت... القتل برصاصة الانتخابات

حراك بيروت... القتل برصاصة الانتخابات

09 سبتمبر 2015
من إحدى تظاهرات الحراك الشعبي (حسين بيضون)
+ الخط -
يستمر الحراك الشعبي في لبنان بالتفاعل على الرغم من العقبات الكثيرة التي تقف في وجهه واجتماع زعماء الطوائف، من دون استثناء، ضد الحراك الذي أظهر كتلة بشرية كبيرة عابرة للطوائف، ضد الطبقة السياسية الحالية بما هي اتحاد طائفي ــ سلطوي لم تظهر قبل اليوم معارضة بهذا الحجم في وجهه. تعرّض هذا الحراك لاتهامات مختلفة من وسائل إعلام السلطة، التي حاولت فرض شروط عليه، عجزت هذه القوى عن تحقيقها. لا يختلف فريقا 8 و14 آذار في النظرة الاستراتيجيّة للحراك، لكن يختلف الأداء التكتيكي. قد تكون دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه بري، إلى طاولة حوار، ومسارعة معظم القوى إلى تلبيتها (باستثناء حزب القوات اللبنانيّة)، نموذجاً عن هذا التكامل.

من سخرية القدر أن المتحاورين المفترضين، ممثلون في حكومة الرئيس تمام سلام، في الوقت الذي امتنعت فيه "القوات اللبنانية" عن المشاركة في هذه الحكومة، وفي الحوار. السؤال الأبرز الذي يسأله القواتيون، عن جدوى هذا الحوار، في الوقت الذي فشلت هذه القوى في الاتفاق على حضور جلسات الحكومة. أما الناشطون في الحراك، فقد عبّروا بوضوح عن رفضهم للحوار، ودعوا إلى التظاهر ضدّه، لأنه يأتي خارج إطار المؤسسات الدستورية، ويُمعن في إفراغ هذه المؤسسات من دورها لحساب توافقات زعماء الطوائف.

لا يُشكّل الحوار بحدّ ذاته تحدياً أساسياً للحراك. لكن التحدّيات الأبرز، تأتي حول أولويات هذا الحراك ودوره. هذا الأمر يفتح سؤالاً جدياً، عن موقع هذا الحراك ودوره في الحياة السياسيّة والاجتماعيّة اللبنانيّة. فقد ذهب عدد من الكتاب اللبنانيين، إلى وضع الحراك في إطار صراع الأجيال بين جيل الحرب، وجيل ما بعدها. وهذا بحدّ ذاته يفتح أبوابا كثيرة، لكن النقاش حوله لا يزال مبكراً، بانتظار تبلور هذا الحراك.

البحث حول دور الحراك، يفتح الباب واسعاً أمام محاولات استغلاله من فريقي 8 و14 آذار. ففريق الثامن من آذار، الذي فشل في تحقيق خرق سياسي لصالحه، ينتظر من هذا الحراك، أن يُنتج هذا الخرق. يُطالب هذا الفريق، وعلى رأسه التيار الوطني الحرّ، بأن تتصدر الانتخابات النيابيّة أولوية هذا الحراك، لا بل يذهب باتجاه تحديد قانون الانتخاب الذي من المفترض أن يتبناه الحراك. هو قانون نسبي، تُقسّم دوائره على قياس مصالح هذا الفريق. في المقابل، يطلب فريق 14 آذار، أن تكون انتخابات رئاسة الجمهوريّة أولويّة الحراك، معطوفاً عليها سلاح حزب الله.

يُسارع من خرج محبطاً من تجربة فريق 14 آذار، ويشارك في الحراك الشعبي اليوم، إلى رفض هذا المطلب، كونه لا يرى فيه أي أفق. أما فيما يخص سلاح حزب الله، فإن تيار المستقبل تحديداً، يطلب من الحراك أن يرفع لواء ما فشل في تحقيقه، أي نزع سلاح حزب الله. ويتهكّم بعض من كان على ضفاف تيار المستقبل، بالقول إن تيّارهم، هو من شرّع هذا السلاح، إنْ عبر البيان الوزاري لحكومة سلام، أو عبر دعوة وزير الداخلية، نهاد المشنوق (تيار المستقبل)، لمسؤول وحدة التنسيق والارتباط في حزب الله، وفيق صفا إلى اجتماع أمني في الوزارة، يُشارك فيه عادة رؤساء الأجهزة العسكرية والأمنيّة في لبنان.

في المقابل، لا يُبدي من هم على ضفاف 8 آذار، حماسة في رفض الانتخابات النيابيّة. لا بل، إنّ بعضهم يُصرّ على فرضها أولويّة على هذا الحراك، على الرغم من أنّ الجميع يُدرك أن الحراك الشعبي لم يستطع بعد بلورة إطار جامع، ولا حتى توجيه ضربات قاسية لمنظومة الفساد، بل قام بكشف بعض هيكليّة هذه المنظومة وحصّل إنجازات آنية، يُمكن أن يجري الانقلاب عليها في ليلة مظلمة.

اقرأ أيضاً: 10 وجوه من حراك بيروت

بند الانتخابات، بشقّيْه الرئاسي والنيابي، يكاد يكون مقتل هذا الحراك. التجربة خير برهان، والتجارب العربية المختلفة خير دليل على ذلك. فمن يفوز في الانتخابات، هو الفريق الأكثر تنظيماً وقدرة مالية، حتى وإن كان فاسداً، كما هو حال الطبقة السياسيّة في لبنان. الانتخابات، هي عمليّة تجديد شباب هذا النظام، وإعادة الروح إلى العمليّة الدستوريّة التي عطّلها أركان هذا النظام، يوم وجدوا ذلك ضرورياً، وتحريكها اليوم، يصبّ في مصلحة النظام.

ثم تطرح السلطة أمام الحراك، سؤال التنظيم وعدم امتلاك خطاب موحد، وذلك إمّا في إطار الذمّ، أو في إطار عدم فهمهم لطبيعة هذا الحراك وتنوعه. فهو، أي الحراك، وإن كان الطابع الشبابي غالباً عليه، ليس ممثلاً لشريحة اجتماعية دون غيرها. والأكيد، أنه ليس حزباً يملك أيديولوجيا واحدة. وعلى الرغم من هذا، يُطالب البعض بهيئات تنسيق تكاد تكون نسخة غير محدّثة، عن الحركة الوطنية أو الجبهة اللبنانيّة قبل وخلال الحرب الأهلية.

متابعو الحراك، يُدركون جيداً، أنّ النظام اللبناني بمكوّناته المختلفة، بات يستشعر خطر هذا الحراك عليه. من هنا، تكاثرت الاتهامات وتنوّعت، وأصبح دعم مجلس الأمن للحكومة اللبنانيّة، التي يُعارضها الحراك، نقطة سوداء للحراك لا للحكومة. وتحوّل مطلب مكافحة جميع الفاسدين، إلى خطاب تعميمي يضرّ بالحراك، بحسب ما كرّر معظم رموز هذه السلطة. ونفى كل فريق تهمة الفساد عن نفسه، إذ يبدو أن الفساد في لبنان، محصور بقلّة من الناشطين. وبعد نفي تهم الفساد، حاولت القوى السياسيّة تبني هذا الحراك، ونسبه إليها وإلى خطابها ومشروعها. وصل الأمر بأحد رموز النظام اللبناني إلى اتهام الناشطين بسرقة شعاراته.

كما يُدرك المتابعون، أن أبرز تحوّل يعيشه هذا الحراك اليوم، هو تمدّده الأفقي على الخارطة اللبنانيّة. هكذا، ومن دون أي وسطاء، بات أبناء المناطق اللبنانيّة من الشمال إلى الجنوب ومن بيروت إلى البقاع، يلتقون حول عناوين مشتركة، ويتظاهرون سوياً لتحقيقها. والأمر لم يعد مقتصراً على نخبة شبابيّة تلتقي في أحد شوارع بيروت، بل بات منتشراً في المناطق، ويرفع شعارات مناطقية إلى جانب الشعارات العامة.

استطاع الحراك الشعبي في لبنان، تجاوز مطبات أساسيّة، وخصوصاً لجهة التنظيم، وإدخال أساليب جديدة إلى قاموس الاعتراض الشعبي في لبنان، مثل الاعتصام داخل وزارة البيئة، ثم الإضراب عن الطعام أمامها. لكن التحديات الأبرز اليوم يُمكن اختصارها بالتالي: أولاً تجاوز مطلب الانتخابات النيابيّة أو الرئاسية، لكونه يُجدد شباب النظام ويضرب الحراك الشعبي. ثانياً، بلورة وسائل تواصل جديدة، بين المعترضين في بيروت والحراك الناشئ في المناطق. وستشكّل عودة الدراسة في الجامعات والمدارس عاملاً مسهّلاً ومختبراً لهذا الحراك.

ثالثاً، العمل على الاستفادة من الجامعات، والدفع باتجاه عودة الحياة السياسية والانتخابات إليها، لإعادة انتاج حراك طلابي متين، يترك أثره على الحياة السياسية والاجتماعية في لبنان. رابعاً، فتح ملفات فساد هذه الطبقة الحاكمة تدريجياً، من الكهرباء إلى النقل العام والأملاك البحرية والنهرية والجمارك والتعليم والأجور، وغيرها من ملفات. لكن فتح هذه الملفات، لا يجب أن يُبعد عن أذهان الناشطين، هوية المحرّك الأول للحياة السياسية والاقتصادية في لبنان، المصارف والتجار الكبار في البلد.

اقرأ أيضاً لبنان: الحراك الشعبي يرفض طاولة "الحوار" ويدعو إلى التظاهر

دلالات

المساهمون