تصعيد إسرائيلي ضد "الجهاد" و"حماس" لتكريس ميزان الردع

تصعيد إسرائيلي ضد "الجهاد" و"حماس" لتكريس ميزان الردع

14 نوفمبر 2017
المعادلات الإسرائيلية في مواجهة غزة بدأت تأخذ منحى جديداً(الأناضول)
+ الخط -

اعتقلت قوات الاحتلال، ليل الأحد الإثنين، القيادي في حركة "الجهاد الإسلامي" في الضفة الغربية، طارق قعدان، في بلدة عرابة جنوب جنين، كترجمة فعلية للتهديدات التي أطلقها منسق أعمال حكومة الاحتلال الجنرال يوآف مردخاي، نهاية الأسبوع الماضي، في شريط مصوّر على مواقع التواصل الاجتماعي. ولم يكن هذا التهديد الوحيد في الأيام الماضية.

ويُستدلُّ مما ينشر في الصحف الإسرائيلية ومن تواتر تهديدات الاحتلال، أو بدء الحديث، كما فعلت الصحف الإسرائيلية أمس الإثنين، عن ارتفاع منسوب التوتر على الجبهة الجنوبية، بما يتجاوز التصعيد الخطابي في حالة التصعيد مع "حزب الله" وإيران، أن الاحتلال الإسرائيلي الذي بات مقتنعاً بأن حركة "الجهاد الإسلامي" مصمّمة على الرد على عملية تفجير نفق للجهاد قبل أسبوعين، يحاول في المرحلة الحالية تسريب معلومات وتقديرات بأن الجبهة الجنوبية على حافة الاشتعال، وهو يحاول الاستفادة مما يبدو أنه تباطؤ في مركبة المصالحة الفلسطينية، واستباقاً لنزوع حماس إلى تخفيف أو تقليل نشاطها في تثبيت وقف إطلاق النار ومنع إطلاق قذائف وصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة، عبر الضغط أيضاً على "الجهاد الإسلامي" بعدم الرد على عملية تفجير النفق.

وقد تفسّر هذه المحاولة، ما نشرته الصحف الإسرائيلية، أمس الإثنين، من تقديرات عن ارتفاع احتمالات اندلاع مواجهة عسكرية في قطاع غزة، وشنّ عدوان ضد "الجهاد الإسلامي". وقد تحدّث مراسل "هآرتس"، عاموس هرئيل، عن رفع حالة الجهوزية والاستنفار العسكري من الجانب الإسرائيلي عند الحدود مع غزة، مستنداً بذلك على توجيهات إسرائيلية رسمية للمزارعين في المستوطنات المحيطة بغزة، بعدم العمل في الحقول المحاذية للسياج الحدودي.

وإذا كان مردخاي قد اكتفى بتهديد "الجهاد الإسلامي" و"حماس" بصيغة عامة، فإنّ محلل الشؤون العسكرية في "يسرائيل هيوم" يوآف ليمور سارع إلى ترجمة هذه التهديدات بوصفها "رسالة إسرائيلية إلى غزة بتبني سياسة جديدة في الردّ على أي عملية تخرج من القطاع"، وإن كان اعتقال قعدان في الضفة يؤشّر أيضاً إلى أنّ المخاوف الإسرائيلية لا تسقط من احتمالاتها أن يأتي الانتقام من الضفة الغربية تحديداً، وهو ما يعفي "حماس" وسلطتها في غزة من أية مسؤولية أعلن الاحتلال أنه سيحملها للحركة في حال نفّذ "الجهاد الإسلامي" تهديده بالانتقام من عملية تفجير النفق.


وحدّد ليمور اسمين من قادة الجهاد الإسلامي في لبنان على نحو خاص يطاولهما التهديد الإسرائيلي في دائرة الردّ على أي عملية انتقامية، هما رمضان شلح وزياد نخالة، معتبراً أن رسالة الوعيد التي عممها مردخاي "حدّدت بشكل واضح أنه في حال تنفيذ عملية انتقام، فهناك مسؤولون ستتم محاسبتهم"، وأن الرد الإسرائيلي "سيكون قاسياً ليس فقط ضد الجهاد الإسلامي وإنما أيضاً ضد حماس".

من الواضح أن الاحتلال يوجه رسائله هذه عبر التصعيد الخطابي، على الرغم من أنه مصحوب برفع حالة التأهّب العسكري على الحدود مع غزة، بقصد تكريس معادلة ردع إسرائيلية ضدّ التنظيمات في غزة، لمنع أي خرق لحالة وقف إطلاق النار حالياً، ولكن أيضاً مع تهديد مبطّن بالسعي لنسف المصالحة الفلسطينية وإعادة إشغال "حماس" بمعضلة الاختيار بين مواصلة سياسة ضبط الفصائل الناشطة في غزة والضغط على الحركة لكبح "جماح" حركة "الجهاد"، وبين الانضمام أو السماح للأخيرة بتنفيذ وعيدها بالانتقام.

ويبدو أن ما عزّز ثقة الاحتلال بتوجيه هذا الإنذار لكل من "الجهاد الإسلامي" و"حماس"، هو ما ترصده دولة الاحتلال من ضغوط سعودية على السلطة الفلسطينية ورئيسها، محمود عباس، لجهة العمل على الضغط على "حماس" في كل ما يتعلق بملف "سلاح المقاومة" وتثبيت مبدأ "سلطة واحدة سلاح واحد"، ومطالبته (أي عباس)، وفق ما نشره محلل الشؤون العسكرية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان أمس، بوقف كل خطوات المصالحة طالما واصلت "حماس" مغازلة إيران. ويعني هذا، بحسب فيشمان، تراجع رغبة "حماس" في كبح جماح باقي التنظيمات في غزة.

وبالعودة إلى تقديرات وتصريحات إسرائيلية سابقة للتحولات الجارية في السعودية، ولضغوط الأخيرة على عباس، وفق وسائل إعلامية إسرائيلية مختلفة، فإنه من الواضح أن التصعيد الإسرائيلي المكثّف في الأيام الأخيرة ضد "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، يناقض حقيقة التقديرات الإسرائيلية المعلنة بأن الطرفين، أي "حماس" وإسرائيل، غير معنيين بجولة جديدة من المواجهة العسكرية، خصوصاً وأن إسرائيل لم تُتم بعد بناء العائق الجديد الذي شرعت فيه أخيراً، والذي يهدف لمنع اختراق الأنفاق الهجومية الفلسطينية للحدود مع إسرائيل، من خلال إقامة جدار إسمنتي في باطن الأرض لعشرات الأمتار، ونصب منظومات استشعار متطورة للكشف عن أنفاق جديدة.

ويعني هذا، في نهاية المطاف، أن التصعيد الإسرائيلي الحالي، وإن كان يفوق حالات تصعيد خطابية سابقة، إلا أنّه لا يُقصد منه فعلاً خوض مواجهة عسكرية جديدة مع "حماس"، على الأقل ليس في الفترة الحالية التي تشهد توتراً على الحدود الشمالية أيضاً مع سورية، وليس في أوج مرحلة انتظار طرح مبادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي كثر الحديث عنها.


هو تصعيد إذاً يهدف بالأساس إلى تكريس معادلة ردع جديدة ضد "حماس"، ولكن أيضاً وربما للمرة الأولى في السنوات الأخيرة ضمن حركة "الجهاد الإسلامي" تحديداً بعد أن كانت مجمل التهديدات الإسرائيلية توجه للحركة، مما يعزّز الانطباع بأن المعادلات الإسرائيلية في مواجهة غزة بدأت تأخذ منحى جديداً يأخذ حركة "الجهاد الإسلامي" بالحسبان كعامل قوة مركزي إضافي في القطاع، وفي الضفة الغربية أيضاً، ويسعى إلى تكريس معادلة ردع ضدها.

المساهمون