تعديل القانون الانتخابي في تونس: رغبات الشاهد وإقصاء المعارضة

تعديل القانون الانتخابي في تونس: رغبات الشاهد وإقصاء المعارضة

08 أكتوبر 2018
اتهامات للشاهد بمحاولة تصفية منافسيه (أمين الأندلسي/ الأناضول)
+ الخط -

شرع البرلمان التونسي أخيراً في مناقشة مبادرة جديدة للحكومة تتعلّق بتنقيح القانون الانتخابي لترفيع "العتبة الانتخابية" لنسبة الحسم إلى 5 في المائة، وسط رفض من الأحزاب المعارضة واتهامات لرئيس الحكومة يوسف الشاهد بتصفية منافسيه وإقصائهم مسبقاً. ويقتصر مشروع الحكومة، الذي انطلقت لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية بالبرلمان في دراسته، على تنقيح يتيم، يبدو تقنياً في ظاهره، لترفيع نسبة الحسم الانتخابية نقطتين، لتصعد من 3 في المائة التي اعتمدت في الانتخابات التشريعية والرئاسية والبلدية السابقة إلى 5 في المائة.

وتعتبر حكومة الشاهد أنّ هذا المقترح سيمكّن من الحفاظ على المال العام الذي يصرف لدعم القوائم الانتخابية إذا ما حصلت على نسبة الحسم المقررة، كذلك سيضمن تقليص عدد القوائم المرشّحة عن كل دائرة انتخابية، وكذلك سيجعل من المشهد البرلماني أقلّ تشتتاً، ويقلّص بذلك حجم المحاصصة الحزبية لمنظومة الحكم ويحقّق الاستقرار السياسي والحكومي.

ومن الجانب النظري، لن تتمكّن الأحزاب الصغيرة والمتوسّطة في هذه الحالة، من دخول غمار الانتخابات التشريعية المقبلة، لاعتبار عدم قدرتها على تمويل حملاتها بمفردها في غياب دعم الدولة، إذ ستحرمها العتبة الانتخابية المرتفعة من ولوج البرلمان والحصول على موطئ قدم.

وإذا تمكّنت الحكومة من تمرير هذا القانون، فيرجّح أن يقتصر المشهد البرلماني المقبل على أربعة أحزاب كحدّ أقصى، كما يمكن أن تقود كتلة بمفردها الحكومة المقبلة بأغلبية مريحة، في غياب أحزاب المعارضة الصغيرة والمشتتة. علماً أنّ البرلمان يضمّ اليوم أكثر من 17 حزباً، بعضها تكوّن بعد الانتخابات 2014.

وفي هذا الإطار، قال القيادي في "حركة الشعب" المعارضة، رضا الدلاعي، وهو رئيس لجنة النظام الداخلي والقوانين الانتخابية في البرلمان، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّه "فضلاً عن أنّ مقترح الحكومة الذي تستعجل الأخيرة المصادقة عليه، تضمّن رفع نسبة العتبة من 3 في المائة إلى 5 في المائة، فهناك آراء داخل البرلمان تقترح ترفيعها إلى 7 في المائة".

ورأى الدلاعي أنّ هذه المقترحات "ستؤدّي إلى إشكال كبير في القانون الانتخابي، لأنها أداة لإقصاء العديد من الأحزاب من المشهد السياسي ومن المشاركة الديمقراطية تحت قبة البرلمان"، مشيراً إلى أنّها "محاولة لإخفاء فشل منظومة الحكم اقتصادياً واجتماعياً، بالترويج إلى أنّ تنوّع المشهد الديمقراطي هو تشتت سياسي ويعطّل عمل الحكومة".

وأوضح الدلاعي أنّ هذا القانون "جاء في توقيت مريب، كما حُدد بآجال زمنية قصيرة، إذ يفترض أن تتم المصادقة عليه خلال سنة قبل الموعد الانتخابي المقبل، أي قبل نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول الحالي".

من جانبه، اعتبر النائب في الكتلة الديمقراطية المعارضة والأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي"، غازي الشواشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "النظام الحالي للاقتراع ليس منظومة مثالية، وإنّما اجتهاد، وإثر التجربة اكتشفت اختلالاته"، مضيفاً أنّ "أيّ تعديل اليوم على النظام الانتخابي، من المفترض ألا يكون في ربع الساعة الأخير، أي قبل الانتخابات ببضعة أشهر، وفي نهاية المدة البرلمانية. وبالتالي، فإنّ هذا القانون لا يخدم إلا الأحزاب الكبرى على حساب الأحزاب المتوسطة والصغيرة".

وتابع الشواشي قائلاً "موقفنا ضدّ ترفيع العتبة، وإبقاء النسبة الحالية كما هي، لأن الديمقراطية لم تنضج بعد، وما زال المسار مهدداً. كما يجب إعطاء فرصة للأحزاب الصغيرة كي تكبر وتمارس دورها في السلطة أو المعارضة". ولفت إلى أنّ "نظاماً انتخابياً يفرز حزبين أو ثلاثة لا يخدم ديمقراطية ناشئة، ونحن في نظام برلماني معدّل، والتمثيل في البرلمان يعني الوجود الفعلي في الساحة السياسية"، مضيفاً أنّ "الأحزاب هي أساس الديمقراطية، وتؤطر الشعب والقواعد والمناضلين... ومن المفترض أن يتم دعم الأحزاب في هذه المرحلة لا وضع العوائق في طريقها. فلن يكون هناك مشهد سياسي تعددي بعد إقصاء الأحزاب التقدمية والوطنية والوسطية التي لا يزال عودها طرياً لم يشتدّ، في وقت يريد البعض منعها من التطور".

وأكّد الأمين العام لحزب "التيار الديمقراطي" أنّ هذا التنقيح "سيخدم حركة النهضة وسيساهم في تغوّلها، في ظلّ الأزمة التي يعيشها حزب نداء تونس. كما أنّ يوسف الشاهد غير قادر في سنة واحدة على تكوين حزب كبير قادر على منافسة النهضة، وبالتالي ما زال متردداً ويريد أن تصبح كتلة الائتلاف الوطني الجديدة هي الكتلة الأم وأن يقوم بتفكيك أصول نداء تونس".

ويرى مراقبون أنّ إرسال الشاهد لتنقيح القانون الانتخابي بهذا الشكل وفي هذا التوقيت بالذات، يخفي رغبة حزب النهضة في حسم المشهد السياسي والقضاء على التشتت مستقبلاً، كما يخفي أيضاً طموح الشاهد في حزب كبير يكتسح الساحة ويحصد أغلبية مريحة تمكنه من قيادة المرحلة.

وإن كان الشاهد لم يعلن صراحة عن مشروعه الحزبي، فإنّ كتلة "الائتلاف الوطني" تسير بخطى ثابتة نحو تكوين تنسيقيات. كما أنّ تصريح رئيس الكتلة، مصطفى بن حمد، بالتفكير في بناء مشروع سياسي وحزبي خارج أسوار البرلمان، يجمع قيادات ونواباً، يعزز فكرة قيادة الشاهد لهذا "المشروع الكبير" القادر على تجاوز عتبة الـ5 في المائة.

إلى ذلك، انتقد قيادي "الجبهة الشعبية" والأمين العام لحزب "الوطنيين الديمقراطيين الموحّد"، زياد الأخضر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، ما اعتبره "تصفية انتخابية للمعارضين، وخصوصاً لإقصاء الجبهة الشعبية من الدخول للبرلمان". وشدد الأخضر على رفض "الجبهة الشعبية" ترفيع نسبة العتبة الانتخابية، في ظلّ الواقع السياسي الحالي، مشيراً إلى أنّ ذلك "سيمكّن الأحزاب المدعومة من المال السياسي والمرتبطة بأجندات أجنبية وبتدفق أموال مشبوهة تساعدها، من اكتساح الساحة، وهو ما ترفضه بشدّة الأحزاب الديمقراطية".

ورأى الأخضر أنّ هذا التنقيح "تحكمه رغبات وطموح للسيطرة على المشهد السياسي، والتمكّن من جميع مفاصل الحكم، وإخماد أصوات المعارضة وأي محاولة لتعديل وخلق توازن داخل البرلمان".

ومن المرجّح أن تكون مناقشات هذا التنقيح حادة، وقد تقلب ما بقي من توازن واستقرار تحت قبة البرلمان التونسي المقبل، ولا سيما في يتعلّق بمناقشة موازنة البلاد للسنة 2019، في غياب أغلبية حكومية واضحة بعد تعمّق الأزمة السياسية داخل ائتلاف الحكم.

وحتى إن تمكّنت كتلة "النهضة" مع كتلة "الائتلاف الوطني" الداعمة للشاهد، من تمرير هذا القانون لامتلاكهما معاً الأغلبية المطلقة للأصوات داخل البرلمان (تقدر بـ109 أصوات)، فإنّ اصطفاف المعارضين للتنقيح في الجهة الأخرى، قد يعسّر عملية المصادقة عليه، كما يمكن أن يسقط بإعلان "نداء تونس" معارضة المشاريع المقدمة من الشاهد.

المساهمون