هل تنجح حركة النهضة في توسيع الحكومة التونسية؟

هل تنجح حركة النهضة في توسيع الحكومة التونسية؟

10 يونيو 2020
يرغب الغنوشي في تكريس التضامن الحكومي(فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
أثارت دعوة رئيس "حركة النهضة"، رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، الخاصة بتوسيع الحكومة، جدلاً كبيراً، بسبب التعقيدات في ظل حالة التشظي التي يشهدها البرلمان منذ انتخابه في الخريف الماضي. وكان الغنوشي قد شرح أسباب دعوته في حوار لقناة "نسمة" الخاصة (يملكها رئيس حزب قلب تونس نبيل القروي)، أول من مساء أمس الاثنين، بقوله إن "المشهد السياسي مفتت بعد الانتخابات، والغالبية الحكومية ليست غالبية برلمانية، مثلما حصل بين النهضة ونداء تونس بعد انتخابات 2014، لكن الحزب الثاني اليوم (قلب تونس) ليس في الحكومة، لذلك ينبغي توسيع الائتلاف الحكومي. ومن المنتظر أن تحصل تطورات في وضع الحكم، كي نصل إلى التوازن في المشهد وتحقيق تضامن حقيقي بين الأطراف الحكومية وليس صورياً، لأن هذا الوضع غير قابل للاستمرار".

وعلى الرغم من أن الدعوة إلى توسيع الائتلاف ليست جديدة، إلا أن حركة النهضة حسمت قرارها بعد الجلسة البرلمانية حول ليبيا يومي الأربعاء والخميس الماضيين، التي صوّت فيها حزب تحيا تونس وحركة الشعب (داخل الحكومة) مع الحزب الدستوري الحر (المعارضة) لمصلحة لائحة برلمانية تقدمت بها كتلة الحزب الدستوري الحرّ لرفض التدخل الأجنبي في ليبيا، وهو ما اعتبرته "حركة النهضة لحظة فاصلة يستحيل فيها تواصل هذا التحالف".

واعتبر الغنوشي أن "المشهد لم يكن طبيعياً في تلك الجلسة، إذ كيف تلتقي حركة الشعب مع عبير موسي (رئيسة الحزب الدستوري الحر)، أي مع القوى التي قامت ضدها الثورة؟ ولكن حصول ذلك يؤكد أننا في أوضاع انتقالية ولسنا في وضع طبيعي". وبسبب تداعيات تلك الجلسة، رفضت حركة النهضة يوم الجمعة الماضي، التوقيع على وثيقة التضامن الحكومي، وقال الغنوشي في هذا الصدد: "لا شك أن الثقة اهتزت بين مكونات الائتلاف الحاكم، وقد أطلقت الدعوة إلى التغيير والذهاب إلى وضع طبيعي يكون فيه اللقاء بين أحزاب متشابهة، قائمة على برنامج ويدعم بعضها بعضاً". وأوضح "رفضُنا التوقيع على ميثاق التضامن الحكومي، سببه عدم وجود تضامن بين أطراف الائتلاف الحكومي قبل يوم من عرض الوثيقة على التوقيع، فكيف نجلس من الغد إلى طاولة واحدة مع تلك الأطراف، ثم نوقّع على ميثاق التضامن الحكومي؟ نحن بذلك نكون نسخر من وعي الناس ونسعى إلى مغالطتهم". وأكد أن الوضع الطبيعي هو "أن تكون الأحزاب الفائزة في الانتخابات بالمراتب الأربع الأولى، في الحكم، طالما تجتمع حول برنامج مشترك توقّع عليه وتتعهّد بتنفيذه".

وتزامنت دعوة الغنوشي مع تقييم مماثل لنبيل القروي، اعتبر فيه أن القانون الانتخابي في تونس يفرز نتيجة تحتّم على الحزب الأول الحكم مع الحزب الثاني، وأن الاستقرار السياسي لا يتم إلا في حالة التوافق بين الحزبين الأول والثاني في البرلمان واصفاً ذلك بـ ''قانون اللعبة'' مثلما حدث في انتخابات سنة 2014. ورأى أنه عندما اتفق الحزب الأول مع الثاني (حركة النهضة وقلب تونس) على رئاسة البرلمان، نجح راشد الغنوشي في الفوز برئاسته، ونال "قلب تونس" نيابة رئيس البرلمان وعندما اختلفا سقط قانون الزكاة وحكومة الحبيب الجملي.

وفي تعليقه على هذه الدعوات، اعتبر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب في حديث لـ"العربي الجديد" أن عودة الحديث عن التعديل الوزاري، يمكن تصنيفها كمناورة سياسية ذكية من زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، الذي تمكن بسرعة من تحويل الأزمة من بيته إلى القصبة، مقر الحكومة، بدرجة أولى وإلى قصر الرئاسة بقرطاج بدرجة ثانية، بعد أن اشتدت الهجمة ضده وضد حزبه بشكل ممنهج وغير مسبوق. وأوضح المؤدب أن الغنوشي نجح في تحويل اهتمام الرأي العام والمتابعين نحو الحكومة، وذكّر الشُركاء قبل الخصوم بوزنه السياسي ومكانة حزبه الأول عددياً والذي يعدّ رقماً صعباً في معادلة تشكيل الحكومة.

وشدّد المؤدب على أن الغنوشي لا يزال ممسكاً بمفاتيح اللعبة، وعلى أساس موازين القوى العددية يفاوض ويناور، لمعرفته بصعوبة تشكيل أي حكومة من دون "النهضة" التي يبلغ عدد نوابها 54 عضواً، وتشكّل مع حليفها المفترض ائتلاف الكرامة، صاحب الـ19 مقعداً، الثلث المعطّل بـ73 نائباً. وأضاف أن التحالف الحكومي الأصلي يقوم على أربعة كيانات سياسية رئيسية، "النهضة" (54 نائباً) والتيار الديمقراطي (22 نائباً) وحركة الشعب (15 نائباً) وحركة تحيا تونس (13 نائباً)، ومكونين برلمانيين غير متجانسين، هما كتلتا الإصلاح (16 نائباً) والمستقبل (8 نواب).

ورأى المؤدب أن هذه التوليفة الضيقة، طُرحت في سياق إنقاذ المركب البرلماني من الغرق، بعد فشل تشكيل حكومة الحبيب الجملي وطرح حكومة الرئيس كخيار بديل يُخرج الأحزاب من المشهد الحاكم، بشكل يجعل من قبولها إكراهاً لـ"النهضة" ولحلفائها، للحيلولة دون سيناريو حل البرلمان. واعتبر أن هذه التوليفة لا تفي بالحاجة، وتضع "النهضة" في كل مناسبة تحت رحمة حركة الشعب والتيار الديمقراطي لتمرير القوانين بـ 73 صوتاً، بما يجعل الدفع نحو توسيع الحكومة حلاً لتقليص نفوذ شركاء الحكم وتوسيع مجال التحرك البرلماني والحكومي.

واعتبر المؤدب أنه في صورة رفض "الشعب" و"تحيا تونس" دخول "قلب تونس" الحكومة لتوسيع الائتلاف، يمكن لـ"النهضة" تعويضهما بإدراج الكتلة الوطنية (11 نائباً) مع "قلب تونس" (27 نائباً)، في وقت لا يمكن الحديث بجدية عن إشراك كتلة ائتلاف الكرامة باعتباره غير مقبول من الجميع وبدرجات متفاوتة. ولفت إلى أنه يمكن لـ"النهضة" الضغط على رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ودفعه نحو التعديل الوزاري، مشيراً إلى أن سيناريو إضعاف "الشعب" و"تحيا تونس" بإدخال شركاء آخرين، من شأنه أن يكون رسالة مزدوجة للفخفاخ وللرئيس قيس سعيّد الرافض لـ"قلب تونس"، ورداً على شركاء الحكم الذين غدروا به لمصلحة عبير موسي في جلسة البرلمان الأسبوع الماضي.

ولفت إلى أنه يصعب الحديث عن حكومة من دون "النهضة"، فالكتل والأحزاب التي تسمي نفسها قوى مدنية، غير قادرة على العمل معاً، وتجمّعها للتصويت على اللائحة الأسبوع الماضي لا يمكن اعتباره تحالفاً ممكناً. وشدّد المؤدب على أن "النهضة ستبقى محور الحكومة ومحور التعديل الحكومي".

بدورها ردّت "حركة الشعب"، عبر القيادي سالم لبيض، في تدوينة على صفحته على "فيسبوك"، بالقول إن "حكومة الفخفاخ لا تسقط بقرار رئيس حركة النهضة الانسحاب منها أو سحب تأييد نوابها للحكومة، وأن حكومة الرئيس تسقط في حالة واحدة هي أن تسحب منها الثقة من قبل 109 نواب". وأضاف "لا أعلم ما هو قرار حزب تحيا تونس، لكني أعلم علم اليقين أن حركة الشعب لن تنسحب من الحكومة. تونس أمانة وليست لعبة يتسلى بها من أراد ذلك، والمصلحة الوطنية تتعالى على مصالح وأنانيات بعض الأحزاب ونزواتهم السياسية".