أسرار عهد ثاتشر: بداية "بريكست" قبل ولادة الاتحاد

الأرشيف البريطاني يكشف أسرار عهد ثاتشر: بداية "بريكست" قبل ولادة الاتحاد الأوروبي

29 ديسمبر 2017
الوثائق تعود لثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي (طوني هاريس/فرانس برس)
+ الخط -
كشف الأرشيف الوطني البريطاني عن عدد من الوثائق الحكومية، التي تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، والتي تلقي الضوء على عدد من القضايا التي شغلت بريطانيا في تلك الفترة. 

وتشمل هذه المواضيع العلاقة بين رئيسة الوزراء السابقة، مارغريت ثاتشر، وخليفتها جون ميجور، إضافة إلى رد الفعل البريطاني على كارثة تشيرنوبل، وعدد من القضايا المتعلقة بالأسرة الحاكمة. 

الأربعاء الأسود

وبيّنت الملفات انتقاد مارغريت ثاتشر لخليفتها في رئاسة الوزراء جون ميجور فيما يتعلق بسياساته الاقتصادية، إذ حذرته من ارتكاب خطأ جسيم في سياسات أسعار الصرف، والتي قد تدفع الاقتصاد البريطاني نحو الركود. 

وجاءت هذه التحذيرات قبل نحو 20 شهرا من الأربعاء الأسود، وتحديدا 16 سبتمبر/ أيلول 1992، والذي خسرت فيه بريطانيا ما يقرب من 3.4 مليارات جنيه استرليني، نتيجة عدم قدرتها على الحفاظ على الحد الأدنى لسعر صرف الجنيه في الآلية الأوروبية، وهو ما أدى إلى ارتفاع نسبة الفائدة إلى 12 في المائة، واضطر ميجور إلى سحب الجنيه من الآلية الأوروبية. 

كما كشفت الوثائق عن تسبب هذه الكارثة الاقتصادية في تصاعد المواقف المشككة في الاتحاد الأوروبي في صفوف حزب المحافظين، والتي عزّزت من المعارضة لمعاهدة ماستريخت، التي وضعت الأسس لمزيد من التكامل بين دول الاتحاد الأوروبي ومهدت الطريق نحو اليورو.

وتشير الملاحظات، التي تعود إلى الجلسات الحكومية بعد أسبوعين من الأربعاء الأسود، إلى وجود نحو 100 نائب محافظ معارضين للمعاهدة، وهو ما وضع الحكومة في موقف تخاطر فيه بانقسام حزب المحافظين حول الموضوع. وتشكل تلك الحادثة نقطة أساسية في نمو المعارضة للاتحاد الأوروبي في صفوف حزب المحافظين ومؤيديه، ولعلّها نصبت دعائم تصويت البريكست في عام 2016. 

تشيرنوبل

وألقت وثائق أخرى الضوء على رد فعل الحكومة البريطانية تجاه أزمة تشيرنوبل النووية، التي تلت انفجار المفاعل النووي السوفييتي في 26 إبريل/ نيسان 1986. 

وتعكس الوثائق رد فعل مرتبك وعشوائي في مقر الحكومة البريطانية، حيث كانت رئيسة الوزراء ثاتشر في زيارة رسمية إلى اليابان، وكانت البلاد في عطلة بداية الصيف، عندما وصلت الإشعاعات النووية إلى الأجواء البريطانية بعد أسبوع من الانفجار في أوكرانيا.

وتروي الوثائق الرسمية ضغطاً شديداً على خطوط الهاتف، وأن دعوة الحكومة إلى التهدئة من مخاوف البريطانيين فاقمت من سوء الوضع، حيث تبدي للمسؤولين حينها عدم وجود خطة عاجلة للتعامل مع حادث يشمل انفجاراً نووياً خارج البلاد. 

وتكشف التقارير عن أن غياب رئيسة الوزراء ووزير خارجيتها، برنارد إنغهام، عن البلاد حينها، أسفر عن غياب القيادة المطلوبة للتعامل مع تلك الأزمة، وأدى إلى الفوضى الحكومية. 

انهيار الاتحاد السوفياتي

وتكشف وثائق أخرى عن مطالبة جون ميجور بإعفاء الاتحاد السوفياتي من الديون البريطانية مقابل العودة إلى برنامج تفكيك الأسلحة النووية السوفياتية. 

وتقدم المصرف الأوروبي للتنمية وإعادة الإعمار بهذا العرض لرئيس الوزراء البريطاني خلال الفترة التي أعلنت فيها الجمهوريات السوفياتية استقلالها عن الاتحاد السوفياتي. 

كما تروي وثيقة أخرى تفاصيل مكالمة هاتفية جرت بين ميجور ورئيس البرلمان الاتحادي الروسي، بوريس يلتسن، خلال حصار الأخير أثناء محاولة الانقلاب التي قادها معارضو تفكيك الاتحاد السوفياتي. 

وهاتف ميجور يلتسن، يوم 20 أغسطس/آب 1991، ليشرح له الجهود التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي لدعم التحول الديمقراطي. 

وقاطعه يلتسن حينها ليقول إن الدبابات تتحرك باتجاه المبنى المحاصر. وينقل نص المكالمة أنه "كان لدى يلتسن 5 دقائق أو نحوها. عبر عن شكره لرئيس الوزراء لدعمه... وأن هناك جهودا عنيفة تحاول السيطرة على المبنى الذي يقبع فيه وزملاؤه تحت الحصار لليوم الثاني على التوالي". 

ولم ينف يلتسن إمكانية سقوط المبنى بيد الانقلابيين، ولكنه قال إن "هناك مئات الآلاف من أنصاره" في الشوارع. وبالفعل فقد أحبط الانقلاب بعد أربعة أيام.

استقبال نيكسون

وكشفت وثيقة أخرى عن تلقي ثاتشر تحذيراً من عدد من الدبلوماسيين كي لا تستقبل الرئيس الأميركي المستقيل، ريتشارد نيكسون، في مقر رئاسة الوزراء، وأن استقباله سيؤدي إلى إزعاج البيت الأبيض. 

وتعود الوثيقة إلى إبريل/ نيسان 1980 بعد ستة أيام من تقدم نيكسون باستقالته بعد فضيحة ووترغيت. 

العائلة المالكة

وتتطرق الوثائق أيضاً إلى الأزمة التي تلت الحريق الذي نشب في مقر العائلة الحاكمة في قصر وندسور، والذي وصلت تقديرات ترميمه إلى مليون جنيه استرليني من ضرائب الناخبين. 

وتسبب الحريق في ويندسور، بالإضافة إلى انهيار زواج ولي العهد تشارلز والأميرة ديانا، إلى تركيز وسائل الإعلام بشكل كبير على تفاصيل حياة العائلة المالكة، وانتقادها لعدم دفعها الضرائب كبقية البريطانيين. 

وخرج ميجور في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني ليؤكد على أن الملكة غير ملزمة بدفع الضرائب، إلا أنها تقدمت ببادرة حسن نية بأن تدفع ما يعادل ضريبة الدخل الخاصة بها من مدخولها الخاص. 

وتقوم الحكومة البريطانية حديثاً بنشر الوثائق التي تمتلكها بعد مرور عشرين عاما على إصدارها، بعد أن كانت تكشف عنها بعد مرور ثلاثين عاما. وتنشر هذه الوثائق عبر الأرشيف الوطني مرتين في العام في يوليو/ تموز وديسمبر/ كانون الأول. 

وثائق للحجب

في المقابل، حجبت الحكومة عدداً من الوثائق ذات الصلة بالعلاقة مع الاتحاد الأوروبي في بداية التسعينيات، ما جلب عدداً من الانتقادات عليها بسبب هذا القرار، في وقت تضطرب في العلاقة مع الاتحاد الأوروبي مرة أخرى تحت حكم المحافظين.

وقامت الحكومة البريطانية بالاحتفاظ بنحو 13 ملفاً مرتبطاً بالاتحاد الأوروبي من أصل 45 تم نشرها في الأرشيف الوطني البريطاني في كيو في العاصمة لندن، ويتطرق أحد هذه الملفات المحجوبة إلى تشكيل العملة الأوروبية الموحدة اليورو. 

ودفع حجب هذه الملفات برئيس حزب الديمقراطيين الأحرار، فنس كابل، إلى اتهام المحافظين بالاحتفاظ بهذه الوثائق لتجنب الانتقادات، ما يجعل من الأمر مثيراً للشكوك "كما لو أنهم يحاولون إخفاء معلومات قد تحرجهم خلال مفاوضات البريكست".

وتذرع متحدث باسم الحكومة البريطانية أن حجب هذه الملفات يأتي لدواعي التدقيق فيها وتحضيرها قبل نشرها لتجنب الانتقاد من وسائل الإعلام، و"كي لا تتسبب بضرر بالأمن القومي أو العلاقات مع الدول الأخرى، أو أن تكشف معلومات حساسة عن بعض الأفراد الذين لا يزالون قيد الحياة".