ألمانيا تتودد للأحزاب المؤيدة لأوروبا لنيل المناصب العليا ببروكسل

سعي ألماني للتقارب مع الأحزاب المؤيدة لأوروبا لنيل المناصب العليا ببروكسل

28 مايو 2019
نتائج الانتخابات تعقد المشهد الأوروبي (غويدو كيرشنر/ فرانس برس)
+ الخط -

تحضيرا لاستحقاقات المناصب العليا في بروكسل، استنفرت ألمانيا، القاطرة الرئيسية للاتحاد الأوروبي، كل طاقاتها السياسية لجمع الأحزاب المؤيدة لأوروبا بعد النتائج التي أسفرت عنها الانتخابات الأوروبية، والتي شكلت خسارة تاريخية للأحزاب التقليدية التي سيطرت على البرلمان الأوروبي لأكثر من 40 عاما، مع تقدم الخضر والليبراليين والأحزاب اليمينية الشعبوية.


وفي السياق، حثت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أمس من برلين، الأحزاب المحافظة على رص الصفوف من أجل اتخاذ قرار سريع بشأن المناصب العليا في الاتحاد الأوروبي مع تأكيدها على مفهوم المرشح الأعلى. وأكدت أن المحادثات بين الاشتراكيين والمحافظين في كيفية المضي قدما بعد الانتخابات تتم في أجواء جيدة، لافتة إلى أنه يجب على الاتحاد أن يظل قادرا على التصرف.
يأتي ذلك في ظل سعي حزب "الشعب الأوروبي" لبدء مفاوضات جدية للحصول على أغلبية تسمح بوصول مرشحه مانفريد ويبر، الذي يلقى دعم المستشارة، إلى رئاسة المفوضية الأوروبية خلفا لجان كلود يونكر، علما أن لقاءً سيجمع اليوم الكتل البرلمانية مع رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني، والجميع يعمل لتشكيل تحالفات، في وقت تتعزز فيه فكرة أن انتخاب خليفة ليونكر، الباقي في منصبه حتى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، سيستغرق أشهرا.
في المقابل، هناك تصور عام لدى العديد من الخبراء في الشؤون السياسية الأوروبية أنه ينبغي على قادة وزعماء الدول المؤيدة للمشروع الأوروبي العمل على درء المخاطر التي قد تنجم عن توحيد المواقف بين الكتل القومية والشعبوية اليمينية، وبالتالي النظر بكثير من الإيجابية لما تم تحقيقه الأحد الماضي من قبل الأحزاب المؤيدة لأوروبا.
ويرى هؤلاء أن الأحزاب المشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي فشلت في تحويل برلمان استراسبورغ إلى اليمين، ولم تتمكن التكتلات القومية والشعبوية اليمينية الثلاثة مجتمعة سوى من الحصول على 173 مقعدا من أصل 751، أي بزيادة 18 مقعدا فقط عن برلمان 2014، وتأثيرها سيكون طفيفا في تشريعات البرلمان الأوروبي، وستكون مداخلاتهم أشبه بعرض مسرحي في بعض الجلسات العامة. إلا أن ذلك لا يمنع من التقليل من أهمية ما حققه اليمين الشعبوي في إيطاليا وحزب "فيدس" بزعامة فيكتور أوربان في المجر، وهنا سيبقى التأثير نسبيا على مستوى قرارات الزعماء ورؤساء الحكومات في المجلس الأوروبي، إنما لا يجب الحديث عن موجة شعبوية في أوروبا والدليل فشلهم في هولندا وتراجعهم في النمسا وألمانيا، فيما بقيت الأحزاب الموالية لأوروبا على حالها تقريبا.
إلى ذلك، وبغياب الثنائية الحزبية التي سيطرت على البرلمان الأوروبي لعقود، يجب على الطرفين خلق نوع من التفاضل والتكامل مع اللاعبين الجدد في برلمان ستراسبوغ، أي حزب الخضر والليبراليون الذين حققوا نتائج أكثر من جيدة، وباتوا يشكلون بيضة القبان في قرارات بروكسل وسيكون لهم تأثير مباشر على العملية التشريعية بأكملها في أوروبا. ولن يستكين هؤلاء وبالأخص الخضر، الذين انتقلوا من القوة السادسة في البرلمان ليحل تكتلهم رابعا، إلا بعد أن تؤخذ مطالبهم وطروحاتهم بعين الاعتبار، وأولها مثلا فرض ضريبة على انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.
من جهة ثانية، بات واضحا أن السياسة الأوروبية ستنتهج خطا جديدا في الطروحات المتعلقة بالبيئة والمناخ وسيكون هناك تأثير موضوعي وحزم في إدارة ومتابعة وتنفيذ القرارات. أما الليبراليون والذين أصبحوا ثالث أكبر كتلة، فسيكون دافعهم الأكبر تسريع عمليات الابتكار والأبحاث، وإبرام اتفاقيات تجارية جديدة موجهة نحو السوق وإلغاء الضوابط التنظيمية لأسواق الخدمات. وهناك تخوف من أن يقود الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الليبراليين وبالتالي مواجهة برلين في بعض طروحاتها، بعد أن تبين أخيرا أنه ليس على تناغم تام مع المستشارة ميركل في خطواته الإصلاحية للبيت الأوروبي.


في المحصلة، يبقى الخوف من التشرذم السياسي في بروكسل، بما أن عمليات صنع القرار أصبحت أكثر تعقيدا وسيزداد الضغط بين البرلمان الأوروبي وحكومات دول الاتحاد، سيما وان عدد منها بزعامة قادة شعوبيين، وخصوصا فيما يتعلق بالمحادثات التجارية مع الدول الكبرى بينها الولايات المتحدة الأميركية. كذلك فإن التباعد بين المحافظين والاشتراكيين والخضر والليبراليين، وهم الفئة المؤيدة للمشروع الأوروبي، سيكون المستفيد الأكبر منه الأحزاب اليمينية الشعبوية والقومية الأوروبية التي تمني النفس بتقييد سياسة بروكسل وإظهار ضعف الاتحاد أمام المواطن الأوروبي للتأكيد على مواقفها بشأن فشل سياسات الاتحاد.