فالس ينضمّ لماكرون بانتخابات فرنسا: آخِرُ الخناجر بخاصرة هامون

فالس ينضمّ لماكرون بانتخابات فرنسا: آخِرُ الخناجر بخاصرة هامون

29 مارس 2017
لم ينتظر هامون مساعدة فالس (جيوفري فان ديرهاسلت/فرانس برس)
+ الخط -
لم يَعُد المرشح الاشتراكي لانتخابات الرئاسة الفرنسية بونوا هامون، قادراً ربما على إحصاء الخناجر التي تطعنه من الخلف، وآخرها أتى من رئيس الحكومة السابق مانويل فالس، الاشتراكي نفسه، والذي أعلن، اليوم الأربعاء، أنّه سيصوّت لصالح المرشح الوسطي إيمانويل ماكرون، بدلاً من المرشح الاشتراكي، في الانتخابات.

أعلن فالس صراحةً عن دعمه لماكرون، في الجولة الأولى للانتخابات المقررة في 23 إبريل/ نيسان المقبل، "من أجل مواجهة مرشحة اليمين المتطرّف"، مارين لوبان.

وقال فالس، لقناة "بي إف إم" التلفزيونية، "لن أصوّت لصالح بونوا هامون، وسأصوّت لإيمانويل ماكرون".

موقفه هذا كان لا بدّ أن يبرّره، من يَعتبِرُ نفسَه "رجل دولة"، وهو الذي لَطَالَمَا قارَن نفسَه بمرشَّحي الانتخابات الفرعية بالقول، "إنَّ فرنسا تحتاج إلى رجال دولة"، ساخراً من المرشحين الآخرين، الذين ليس لديهم تجربة تضاهي تجربته السياسية، فقال فالس "لن أخاطر بأي شيء من أجل الجمهورية".

وأوضح فالس أنّ مبرّر انضمامه للمرشح الوسطي، هو "خطر الشعبوية، وخطر اليمين المتطرف، والجبهة الوطنية (تترأسها لوبان)"، معتبراً أنّ "التصويت المفيد"، هو التصويت لصالح ماكرون.

والغريب أنّ كثيراً من المراقبين، راهنوا على أنّ دعم فالس لماكرون ليس متوقعاً، على الرغم من بعض التشابه في رؤيتيهما الليبرالية للاقتصاد، فالعلاقات بينهما في الحكومة كانت متوترة على الدوام، وكان فالس الممتلئ طموحاً، يرى في ماكرون (الوزير السابق) فتى أكثرَ طموحاً منه.

وكان آخر فصول التنافس بين الرجلين، قرار ماكرون بالاستقالة من الحكومة، وتأسيس حركته "ماضون، قدماً"، ثم إعلانه عن الترشّح لانتخابات الرئاسة، وهو ما اعتبره فالس إخلالاً بمبدأ "الوفاء" للرئيس فرانسوا هولاند، لن يُقدِمَ هو عليه.

ولكن طموحاته السياسية، التي يطلق عليها فالس شعار"نداء الجمهورية"، جعله في غمرة اندفاعه ينسى وفاءه للرئيس، فيعلن في لقاء مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، أنّه "جاهزٌ" وسيترشح لرئاسة الجمهورية، وهو ما اعتبره هولاند في حينه، "أكبر خنجر في خاصرته" بل "أكبر حتى من خيانة إيمانويل ماكرون".

وإذا كانت مواقف فالس المرشح الرئاسي السابق، بعد هزيمته القاسية في الانتخابات الفرعية، ليست بمستوى تحمّس منافسين آخرين، عرضوا خدماتهم على المرشح الاشتراكي، وشاركوا في بعض حملاته الانتخابية، فإنّ فالس فضَّل الانزواء، معترِفاً بوجود "قواعد متفق عليها"، لكن مع تأكيد أنّه لن "يُدافِع عن برنامج بونوا هامون".

ثم بدأ، قبل أسبوعين، حملة منظمة من الانتقادات المبطنة حيناً، والمباشرة أحياناً أخرى، ضد المرشح الاشتراكي، في انتهاك سافر للاتفاق الذي أبرم بَين المتنافسين الاشتراكيين، حيث وعد فالس بأنّه سيبقى "وفيّاً له".

فالس: "التصويت المفيد" هو التصويت لصالح ماكرون/فاروق بطيش/فرانس برس 




كان هامون، على يقين بأنّ فالس لن يقدّم له أي مساعدة، ولكنّه لم يكن يتصوّر ربما أن ينضم حليفه بالحزب الاشتراكي، إلى "الجبهة المعادية".

والأمر الغريب، الذي يُغضبُ مناصري الحزب الاشتراكي، أنّ الحزب لم يَقم بطرد أو تجميد عضوية أي من هؤلاء الجنود الكبار، الذين انضموا إلى معسكر "الأعداء" في غمرة المعارك الرئاسية.

ولأنّ "مصائب قوم عند قوم فوائد"، فإضافة إلى المستفيد الأكبر ماكرون من هذه الروافد، التي عزّزت حَجم قوته، فإنّ مرشح اليسار الآخر، جان لوك ميلانشون، هو المستفيد الثاني من هذه "الخيانات" التي تعصف بالبيت الاشتراكي.

كان يروق لفالس أن يقول، إنّ الحزب الاشتراكي يتضمن "يسَارَيْن اثنَيْن غيرَ قابلَيْن للتصالح"، وكأنّ هذه المقولة، تكشف مواقفه اللاحقة المقصودة منها.

والخيانات ليست نادرة في تاريخ الحزب الاشتراكي، وآخرها ما شهدته المرشحة الرئاسية سيغولين روايال في العام 2007، والتي تخلّى عنها القيادي شتراوس كاهن أولاً، ثم مجموعة من قياديي الحزب الذين انضموا آنذاك إلى نيكولا ساركوزي.

وليس غريباً في مثل هذه الظروف، أنّ المرشح الراديكالي ميلانشون تجاوَز منافسه الاشتراكي، هامون، في استطلاعات الرأي، باعتباره مرشح اليسار الأول.

كما أنّ بمقدور ميلانشون أن يتساءل أمام من يهمه الأمر، "ما الفائدة من تنظيم انتخابات فرعية لليسار، إذا كان ثلاثة من المتنافسين لم يحترموا نتائجَها وانضمّوا لمرشّح من الخارج؟".

كان كثيرون يتهمون ميلانشون بأنّه هو من يُكسّر وحدة اليسار، ويهدّد بإعادة تجربة سنة 2002 المؤلمة حين فشل ليونيل جوسبان، مرشح اليسار، في الدورة الأولى، ولكنّ الحقيقة أنّ الحزب الاشتراكي، وبعد سنوات من حكمه الصعب لفرنسا، أصبح غيرَ قادرٍ على خوض انتخابات رئاسية وتشريعية.

ولم يكن لموقف فالس أن يمرّ من دون مواقف منددة ومستهجنة، لأسباب كثيرة، منها أنّه كان رئيساً للحكومة، وأنّه شارك في انتخابات فرعية، وتعهَّدَ بقبول نتائجها ودعم الفائز فيها.

ومن بين الردود التي تفاوتت بين النقد والغضب وبين اتهام فالس بأنّه "شخص بلا شرف"، قال النائب في البرلمان باتريك مينوشي، في تغريدة على "تويتر"، "صببتَ علينا العارَ"، في حين وصفت النائبة كارين بيرجي، موقف فالس بأنّه "حقير"، وجدّدت مطالبة قيادة الحزب الاشتراكي بتجميد عضوية المنضمين لمرشحين آخرين.

ولم يتردد نائب آخر، هو يَانْ غالوت بالقول، إنّ "فالس عمل إلى آخر رمق على قَبْر اليسار، من خلال تحميل المسؤولية للآخَرين"، ولم يفت المرشح أرنو مونتبورغ أن يعلّق على موقف فالس، ساخراً بالقول "الكل يعلم، من الآن فصاعداً، أنّ قيمة الالتزام الذي وقَّعه مانويل فالس على شرفه: لا شيء. هذه هي قيمة رجل عديم الشرف".

ولم يَحْظَ موقفُ فالس سوى بقبول المعني بالأمر، أي ماكرون، الذي عبّر عن شكره لرئيس الحكومة السابق، من دون دعوته للانضمام إلى طاقمه، الذي يريده أن يكون جديداً، وكذلك برسالة تعاطف من مرشح آخَر، في انتخابات اليسار الفرعية، سبق فالس إلى خيانة تعهداته واللحاق بماكرون، وهو فرانسوا دي روغي، إذ رأى في موقف فالس: "انسجاماً" و"روحَ مسؤولية".




المساهمون