التشريعيات الفرنسية: مشاركة ضعيفة وتوقعات بفوز حزب ماكرون

الانتخابات التشريعية الفرنسية: مشاركة ضعيفة وتوقعات بفوز كاسح لحزب ماكرون

باريس

عبد الإله الصالحي

avata
عبد الإله الصالحي
18 يونيو 2017
+ الخط -
بلغت نسبة المشاركة في الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية الفرنسية عند منتصف النهار 17.75، وهي نسبة متدنية جداً بالمقارنة مع نسبة المشاركة في الدورة الثانية من انتخابات عام 2012 في نفس التوقيت من النهار، والتي كانت قد بلغت 21.06 في المائة. كما أن هذه النسبة التي أعلنتها وزارة الداخلية الفرنسية تسجل تراجعاً عن نسبة المشاركة في الدورة الأولى بنسبة 1.5 بالمائة.


وعكست هذه النسبة صحةَ توقعات استطلاعات الرأي الأخيرة التي رجّحت حصول مشاركة ضعيفة جداً بسبب الملل الانتخابي الذي تعبّر عنه مواقف الناخبين الذين يعتبرون في غالبيتهم أن نتائج هذه الانتخابات محسومة سلفاً لصالح حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، كذلك بسبب أحوال الطقس الحار التي تدفع بالناخبين إلى تفضيل الاستجمام على الذهاب إلى مكاتب الاقتراع.

وكان الناخبون قد بدأوا منذ صباح اليوم الأحد عند الثامنة بالتوقيت الفرنسي بالإدلاء بأصواتهم، وسط توقعات بنسبة مشاركة ضعيفة وبفوز حزب ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" وحليفه الحزب الوسطي "موديم" بغالبية ساحقة.

وقام ماكرون بالإدلاء بصوته في مدينة لوتوكيه شمال فرنسا، في دائرة انتخابية تدور فيها منافسة حامية بين مرشح "الجمهورية إلى الأمام" تيبو غولي، ومرشح حزب "الجمهوريون" الذي يشغل أيضاً منصب رئيس بلدية المدينة دانيا فاكيل.

وصوّت رئيس الوزراء إداور فيليب في لوهافر، وهي المدينة التي كان يترأس بلديتها قبل أن يعينه ماكرون رئيساً للحكومة.

وبسبب فارق التوقيت صوّت الناخبون في بعض الأراضي الفرنسية ما وراء البحار من أميركا الوسطى والجنوبية إلى جزر الأنتيل الفرنسية في بحر الكاريبي يوم أمس السبت. وتمخض التصويت عن فوز كبير لمرشحي حزب الرئيس والمساندين للغالبية الرئاسية. ونجحت وزيرة أقاليم ما وراء البحار أنيك جيراردو بفارق 136 صوتاً فقط عن منافسها ستيفان لينورمان في دائرة سان بيار إي ميكلون، وهي أرخبيل فرنسي في البحر الأطلسي مقابل الساحل الكندي. وفي دائرة غويان فاز لونايك آدم، مرشح حزب ماكرون. أما دائرة سان بارتيليمي وسان مارتان فعادت إلى مرشح "الجمهوريون" كلير جافوا بنسبة 54,73 في المائة.

وتمخض التصويت في دائرة جزيرة غوادلوب عن فوز أربعة نواب جدد ثلاثة منهم ينتمون للغالبية الرئاسية المساندة لماكرون والرابع اشتراكي.

ودُعي أكثر من 47 مليون ناخب للتصويت في الاقتراع من أجل انتخاب 573 نائباً من بين 1147 مرشحاً من مختلف الأطياف السياسية، من بينهم 40 في المائة من النساء، لولاية تشريعية تدوم خمس سنوات. وتشير التوقعات إلى احتمال تسجيل نسبة عزوف كبيرة قد تفوق تلك التي سُجلت خلال الدورة الأولى الأحد الماضي، والتي كانت قد بلغت نسبة قياسية وناهزت نسبة 51.3 في المائة.

ومن المنتظر أن يكتسح حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون "الجمهورية إلى الأمام" نتائج الدورة الثانية للانتخابات التشريعية، ويدخل البرلمان المقبل متمتعاً بغالبية كاسحة من المتوقع أن تتجاوز بكثير سقف الغالبية المطلقة المحدد في 289 مقعداً.

وبحسب آخر التقديرات، فإن نوّاب حزب "الجمهورية إلى الأمام" وحليفهم الوسطي اليميني حزب "موديم"، سيحصلون على ما بين 400 إلى 455 مقعداً، من مجموع 577 مقعداً يتألف منها البرلمان.

وإذا صحّت التقديرات فإن هذه النتيجة ستعزز موقع الرئيس ماكرون، والذي صار موعوداً بولاية رئاسية من خمس سنوات، يحكم فيها من موقع قوة مطلقة، وبإمكانه تطبيق مجمل إصلاحاته، حتى تلك الأكثر إثارة للجدل، في مختلف المجالات، من دون أية عرقلة برلمانية، بعد أن يصير ممسكاً بزمام السلطتين التنفيذية والتشريعية.

أما تحالف اليمين الذي يضم حزبي "الجمهوريون" و"اتحاد الديمقراطيين والمستقلين"، فترجح التقديرات حصوله على ما بين 50 و110 مقاعد في البرلمان المقبل من مجموع 577.

وكيفما كان عدد المقاعد التي سيتمكن اليمين من انتزاعها، فلن يتمتع أبدًا بالثقل الذي كان يشكله في البرلمان السابق، حين كان يشكّل معارضة تزن 226 مقعدًا.

وبالنسبة للحزب الاشتراكي، والذي كان يتوفر على نصف مقاعد البرلمان السابق، فلا تمنحه التقديرات سوى ما بين 15 إلى 40 مقعدًا، وهو ما قد يمكنه من تشكيل فريق نيابي إن هو حصل على 15 مقعدًا على الأقل. ويشهد الحزب الاشتراكي أزمة خانقة هي الكبرى في تاريخه تهدد باختفائه الوشيك من ساحة السياسة الفرنسية.

ويخوض حزب "فرنسا غير الخاضعة" وزعيمه جان لوك ميلانشون هذه الدورة الثانية بمعنويات مرتفعة، وبإمكانه، حسب التقديرات، أن يحصل على ما بين 10 إلى 23 مقعدًا، مع احتساب نواب الحزب الشيوعي، ما يؤهله لتشكيل فريق نيابي ولعب دور المعارضة اليسارية ضد الغالبية الرئاسية، بعد الاندحار الكبير الذي عرفه الحزب الاشتراكي.


في المقابل، تبدو حظوظ حزب "الجبهة الوطنية" اليميني المتطرف ضعيفة في الوصول إلى سقف 15 مقعداً لتشكيل فريق برلماني، على الرغم من أن زعيمته مارين لوبان تتوفر على حظوظ كبيرة بالفوز اليوم في دائرة هينان بومون. وتشير التوقعات إلى أن حزب لوبان لن يكون بمقدوره أن يحصل على أكثر من أربعة مقاعد.

ويتوقع كذلك أن يحدث تجديد غير مسبوق في طبيعة البرلمان المقبل، بفضل موجة التغيير التي أحدثها ماكرون في المشهد السياسي الفرنسي، والتي فتحت الأبواب أمام مئات النواب الجدد، غالبيتهم حديثو عهد في السياسة.

ويخوض اقتراع اليوم 39 مرشحاً من أصول مغاربية غالبيتهم نساء، وهو حدث غير مسبوق في تاريخ الانتخابات الفرنسية.

وفي الانتخابات التشريعية السابقة تمخضت النتائج عن فوز مرشحيْن فقط من الحزب الاشتراكي من أصول جزائرية، هما مالك بوتيح ورازي حمادي.

 ومن المتوقع أن يفوز نصف هؤلاء على الأقل بمقاعد في البرلمان المقبل لتصدّرهم نتائج الدورة الأولى، الأحد الماضي.

 وعدا الوزيرتين السابقتين في الحكومة الاشتراكية، مريم الخمري ونجاة بلقاسم، واللتين من المتوقع ألا تنجحا في الفوز، فالبقية أسماء مجهولة تنحدر من منظمات المجتمع المدني، ولم يسبق لها أن مارست العمل السياسي.      

ومن المفترض أن يدشن البرلمان أعماله في 27 يونيو/ حزيران بتشكيل مكتبه وانتخاب رئيسه. وبعد ذلك سيُدعى النواب إلى التصويت على منح الثقة إلى الحكومة المنبثقة عن الانتخابات، والتي قد تكون نفس الحكومة التي يقودها حالياً ادوار فيليب أو حكومة معدلة بشكل طفيف. 

ويجري التصويت في اقتراع اليوم وسط تدابير أمنية مشددة، وفي ظل استمرار حالة الطوارئ، والتي تم تمديدها مؤخراً. 

 ووصلت إجراءات الأمن القصوى في باريس وضواحيها إلى تعبئة 12 ألف شرطي، فيما يبلغ عدد أفراد الشرطة والدرك والجيش في مجموع التراب الوطني 50 ألفاً. 

ويأتي تشديد هذه الإجراءات مع استمرار التهديدات الإرهابية لفرنسا، وآخرها اعتداء ارتكبه طالب جزائري بمطرقة تجاه أفراد دورية للشرطة في ساحة كاتدرائية نوتردام في قلب العاصمة باريس، في 6 يونيو/ حزيران.