عودة مفاجئة لأحاديث "مبادرة السلام" العربية من واشنطن

عودة مفاجئة لأحاديث "مبادرة السلام" العربية من واشنطن

10 فبراير 2016
يريد الأميركيون حلاً بين "حليفيهما" (جعفر أشتية/فرانس برس)
+ الخط -
للمرة الأولى بعد جمود استمر سنوات طويلة، يعود الحديث في واشنطن بصورة لافتة عن استئناف جهود حل القضية الفلسطينية وإحياء المبادرة العربية للسلام التي اقترحها عام 1981 ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبد العزيز، وتبنّاها عام 2002، ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز، قبل أن تصدر رسمياً عن مؤتمر القمة العربية في بيروت في شهر مارس/آذار من العام ذاته. استفاقة يربطها البعض بالموجة التي انطلقت في باريس أخيراً حول نية فرنسا تنظيم مؤتمر دولي جديد لـ"السلام" رحبت به السلطة الفلسطينية وهاجمته بشدة حكومة بنيامين نتنياهو، وظلّت واشنطن كأنها مترددة إزاءه، على الرغم من إعلان السلطات الفرنسية تنسيقها المسبق مع نظيرتها الأميركية حوله، من دون أن ترشح تفاصيل حول ماهية المؤتمر العتيد.

في السياق، كشف وزير الخارجية الأميركي جون كيري، عقب محادثات أجراها مع نظيره السعودي عادل الجبير، في مقرّ الخارجية الأميركية، يوم الاثنين، أن "المباحثات السعودية ـ الأميركية تطرّقت إلى سبل استئناف عملية السلام في الشرق الأوسط مع الضيف السعودي". وشدد على أنه "لمس خلال حديثه مع الوزير السعودي استعداد المملكة لإحياء مبادرة السلام العربية وتحديثها، بما يتناسب مع التطورات اللاحقة لها". أما الجبير، فقد لمّح إلى أن "السعودية وبقية دول مجلس التعاون الخليجي اتفقت على اتخاذ العديد من الخطوات الحاسمة جداً لتحقيق الأمن الدائم في المنطقة"، لكنه لم يفصح عن ماهية تلك الخطوات.

يُفهم من كلام كيري أن واشنطن ترغب بإدخال تعديلات على المبادرة العربية، بما يضمن قبولها لدى الجانب الإسرائيلي، وهو ما يعني على الأرجح إعادة طرح حلّ الدولتين، بعد تضمينه تعديلات في الحدود وتبادلاً للأراضي، حسبما كان يُطرح سابقاً.

كما يتردد حالياً في واشنطن بين السياسيين الجمهوريين والديمقراطيين على حدّ سواء، بأن الإدارة الديمقراطية الحالية، التي دخلت سنتها الأخيرة في البيت الأبيض، تلقّت نصائح من بعض راسمي الاستراتيجيات، بضرورة "استثمار المخاوف العربية والإسرائيلية المشتركة"، مما تسميه هذه الأوساط بـ"الخطر الإيراني المشترك"، لإحياء عملية السلام بما قد يؤدي إلى إحداث تغيير راديكالي في خارطة التحالفات بالمنطقة.

يرفض الدبلوماسيون العرب في واشنطن المقارنة بين إيران واسرائيل في خطورتهما على الأمن العربي، أو الاستعانة بإحداهما ضد الأخرى. ويسخر بعضهم من ذلك قائلين إن من يعوّل على إيران لمواجهة إسرائيل، مثله كمثل من يعوّل على "القاعدة" في مواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، ومن يعوّل على إسرائيل في مواجهة إيران مثله كمثل من يعوّل على "داعش" في مواجهة "القاعدة".

اقرأ أيضاً تقدير موقف إسرائيلي: ترك سياسة المتفرِّج إقليمياً ضرورة حتميّة

أما بالنسبة للأميركيين، فإنهم يجدون أنفسهم أمام معضلة كبيرة في أسلوب التعامل مع عدوين لواشنطن، يحاربان بعضهما البعض على نمط الحرب القائمة بين "داعش" ونظام الرئيس السوري بشار الأسد. ويعبّر عن هذه المعضلة، مرشح الرئاسة الجمهوري البارز دونالد ترامب، الذي يردّد دوماً أن "ضرب داعش ليس سوى خدمة لنظام الأسد، وضرب نظام الأسد لن يكون سوى خدمة لداعش". ثم يتساءل: "لماذا نخدم هذا أو ذاك؟ دعوهم يتقاتلون".

ويرغب المرشح الجمهوري بالتعامل مع الأسد "وداعش" بالأسلوب ذاته الذي جرى فيه التعامل في عقد الثمانينيات من القرن الماضي مع قائد الثورة الإيرانية الخميني، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين، اللذين تُركا يتحاربان ثماني سنوات، لأن كليهما خصمان للمصالح الأميركية وخطر عليها. لكن ما لا يريد ترامب أن يتذكره، هو أن صدام حسين لم يصدّ الخطر الإيراني على المصالح الأميركية في المنطقة إلا بصورة مؤقتة، مثلما أن إيران لم تشغل صدام عن الإضرار بالمصالح الأميركية إلا مؤقتاً، وكان على واشنطن في نهاية المطاف أن تتعامل مع صدام بمجرد أن تجاوز الخط الأحمر باحتلال الكويت. ما يطرح في واشنطن حالياً بكل بساطة، هو "إسرائيل حليفنا، والعرب حلفاؤنا، فلماذا لا يتقارب حليفانا؟". وقد طرح هذه المسألة أكثر الساسة الأميركيين خبرة.

بعد انتهاء فترة الرئيس الاميركي الديمقراطي الأسبق جيمي كارتر، في يناير/كانون الثاني 1981، ومجيء إدارة جمهورية، أرسل الرئيس المنتخب حديثاً رونالد ريغن، وزير خارجيته ألكسندر هيغ، إلى المنطقة العربية فوجدها مشغولة بمخاوف من الخطر الإيراني المتصاعد، لا يختلف كثيراً عن مخاوف اليوم.

في تلك الجولة، أعرب هيغ عن إحباط واشنطن من أثر الصراع العربي الإسرائيلي على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، بتصريح جاء فيه: "إن أوثق أصدقائنا منقسمون على أنفسهم (يقصد العرب وإسرائيل) ومصالحنا في خطر، فإذا كان أصدقاؤنا العرب على استعداد للسلام مع إسرائيل، فإن التعاون في مجال الأمن سيكون سهلاً، لردع أي تدخل روسي أو إيراني".

لم تمضِ سوى أشهر قليلة إلا وقد جاء الرد من الرياض بمبادرة الأمير فهد بمبادئها الثمانية وهي: انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلت في عام 1967 بما فيها القدس العربية، وإزالة المستوطنات التي أقامتها إسرائيل في الأراضي العربية بعد عام 1967، وضمان حرية العبادة وممارسة الشعائر الدينية لجميع الأديان في الأماكن المقدسة، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتعويض من لا يرغب في العودة، وخضوع الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية تحت إشراف الأمم المتحدة، لمدة لا تزيد عن بضعة أشهر، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس، وتأكيد حق دول المنطقة في العيش بسلام. على أن تقوم الأمم المتحدة أو بعض الدول الأعضاء فيها، بضمان تنفيذ تلك المبادئ. لكن المبادرة فشلت بفعل اعتبار إسرائيل بأن المبادرة مجرد خطة لتدميرها، بينما أهملت الولايات المتحدة الاستفادة من زخمها.

وبعد مرور أكثر من عشرين عاماً على مبادرة الأمير فهد، تبنّاها الأمير عبدالله بن عبد العزيز، وطرحها في القمة العربية الـ14 التي انعقدت في بيروت في 2002، بعد أن أدخل القادة العرب تعديلات عليها، لا تخرجها من جوهرها، وأقرّتها القمة وحملت منذ ذلك الحين اسم "مبادرة السلام العربية"، وتضمنّت التأكيد على أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية، يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً من إسرائيل.

كما تدعو المبادرة إلى انسحاب إسرائيل الكامل من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ 1967، تنفيذاً لقراري مجلس الأمن (242 و338)، اللذين عززتهما قرارات مؤتمر مدريد عام 1991 ومبدأ الأرض مقابل السلام، وإلى قبولها قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية. وذلك مقابل قيام الدول العربية بإنشاء علاقات طبيعية في إطار سلام شامل مع إسرائيل. وجاء في بيان الإعلان عن المبادرة أنها جاءت انطلاقاً من اقتناع الدول العربية بأن الحل العسكري للنزاع لم يحقق السلام أو الأمن لأي من الأطراف، ولخص الحل في بنود عدة، وهي: يتوجب على إسرائيل إعادة النظر في سياساتها، وأن تجنح للسلم معلنة أن السلام العادل هو خيارها الاستراتيجي، مثلما أعلن العرب أنه خيارهم. وينصّ البند الثاني على الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خط الرابع من يونيو/حزيران 1967، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان.

كما يدعو البند الثاني إلى التوصل لحلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. كما تدعو إحدى نقاط البند الثاني إلى قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ الرابع من يونيو في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتكون عاصمتها القدس الشرقية.

في المقابل، ينصّ البند الثالث على أن تعتبر الدول العربية أن النزاع العربي الإسرائيلي منتهٍ، وتدخل في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. بالإضافة إلى إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار السلام الشامل.

ويدعو البند الرابع إلى ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة. فيما يدعو البند الخامس حكومة إسرائيل والإسرائيليين جميعاً إلى قبول هذه المبادرة حماية لفرص السلام وحقناً للدماء، بما يمكن الدول العربية وإسرائيل من العيش في سلام جنباً إلى جنب. ويدعو البند السادس المجتمع الدولي بكل دوله ومنظماته إلى دعم هذه المبادرة. فيما يطلب البند السابع إجراء اتصالات مع المعنيين لتسويق المبادرة.

اقرأ أيضاً فلسطينيو48 في مواجهة القمع: 30 يناير يوم لإيصال الصوت