القوى الشبابية المصرية وانقلاب السيسي: تورط ومواجهة وانخداع وندم

القوى الشبابية المصرية وانقلاب السيسي: تورط ومواجهة وانخداع وندم

03 يوليو 2018
تظاهرة مؤيدة لمرسي في الجيزة في إبريل 2015 (الأناضول)
+ الخط -
في الثالث من يوليو/ تموز 2013، جلس مؤسسا حركة "تمرد"، التي اتخذت من ثورة يناير شعاراً لها ضد حكم محمد مرسي والإخوان المسلمين عموماً، محمود بدر ومحمد عبد العزيز، على يمين ويسار وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي، أثناء تلاوته بيان عزل الجيش لمرسي، وإعلان ما يسمى بـ"خريطة الطريق"، في مشهدٍ غاب عنه ممثلو القوى الشبابية، التي أيّدت تظاهرات 30 يونيو/ حزيران من ذلك العام، والتي تم استغلالها والسعي لزيادة وتيرتها لتبرير الانقلاب. تغييب القوى "الثورية" عن مشهد الانقلاب مثّل رسالة مبكرة بأنه لا مكان لها في نظام السيسي، الذي كان يشغل رئاسة جهاز الاستخبارات الحربية قبل توليه منصبه، وهو الجهاز ذاته الذي موّل ودعم ظهور "تمرد"، بحسب شهادة عضو اللجنة المركزية للحركة، دعاء خليفة، التي كشفت حصول الحركة على تمويلات ضخمة من دول خليجية، وعلى رأسها الإمارات.

وبحسب رواية المتحدث السابق باسم الحركة، محمد نبوي، فإن المتحدث باسم الجيش حينها، العقيد أحمد علي، استدعى بدر وعبد العزيز إلى القيادة العامة للقوات المسلحة، دون غيرهما من الناشطين، ظهيرة يوم الانقلاب، لحضور اجتماع "القوى السياسية" مع السيسي، واللذين رفضا خلاله اقتراح القيادي في جبهة "الإنقاذ"، محمد البرادعي، بتشكيل مجلس رئاسي مدني من قبل المرشحين السابقين للرئاسة، أو قيادات الجبهة. 

حركة استخباراتية

وبثّت قناة "مكملين" الفضائية تسريباً من داخل مكتب السيسي، في مطلع مارس/ آذار 2015، يكشف دور الإمارات في تمويل "تمرّد"، من خلال حوار دار بين الرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات العامة اللواء عباس كامل، ووزير الدولة الإماراتي سلطان الجابر، يطلب فيه الأول تحريك وديعة مالية إماراتية مرسلة إلى حساب الحركة، بعدما رفض البنك المركزي تسييلها للجيش.

وفي وقت سابق، صرّح منسق الحركة في بريطانيا، هاني إسحق، بأنّ أعضاء الحركة علموا بعد الانضمام إليها، بتجنيد الجيش لقياداتها، ولم يكن أمامهم حينها سوى خيارين؛ إمّا ترْك الحملة أو الاستمرار، مقدّماً اعتذاره عن الاختيار الخاطئ بالاستمرار في الحملة، لرغبتهم في رحيل مرسي من ناحية، وحتى لا يقال عنهم إنهم من المنتمين لجماعة الإخوان من ناحية أخرى.

ولاحقاً، أعلن عدد غير قليل من أعضاء وقيادات الحركة انشقاقهم عنها، وتبرؤَهم من بدر وعبد العزيز، وفي مقدمتهم عضو اللجنة المركزية، غادة نجيب، التي كشفت النقاب عن التنسيق بين الحركة والاستخبارات الحربية، وتلقّي قادة الحركة أموالاً طائلة من المتهم الرئيس في قضية تصدير الغاز لإسرائيل، رجل الأعمال الهارب، حسين سالم. 


6 إبريل... تأييد فتراجع

تعدّ حركة "شباب السادس من إبريل" من أبرز الكيانات التي أعلنت دعمها للتظاهرات المناوئة لمرسي، ولبيان الانقلاب الذي ألقاه قائد الجيش، حتى وصل الأمر إلى حدّ إعلان مؤسسها، أحمد ماهر، عن اعتزامه السفر مع وفد شبابي لإقناع دول الغرب بأن ما حدث في بلاده ثورة شعبية وليس انقلاباً عسكرياً، قبل أن تراجع الحركة موقفها، وتعتذر عن موالاتها لسلطة الانقلاب.

وعقب أحداث مجلس الشورى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، عدّلت الحركة الشبابية من موقفها، وأصدرت بيانات تصف ما حدث بأنه "انقلاب على الثورة"، في حين أقرّ مؤسسها، عقب سجنه مدة ثلاث سنوات على خلفية قانون التظاهر، بأنه كانت "لديه تحذيرات مسبقة بحدوث انقلاب عسكري"، معرباً عن ندمه من المشاركة في تظاهرات 30 يونيو/ حزيران ضد مرسي.

وأفاد ماهر، في رسالة مسرّبة من داخل سجنه في مايو/ أيار 2014، بأن أحد المقرّبين من السلطة أبلغه، خلال لقاء جمعهما في فبراير/ شباط 2013، بوجود مخطط لافتعال أحداث عنف وفوضى واشتباكات تسيل فيها الدماء إبان فترة تولي مرسي لمقاليد الحكم، بحيث تنتهي بتدخل المؤسسة العسكرية، وحينما رفض المشاركة في المخطط، قيل له: "إذا كنت ترفض أن تكون معنا، فعلى الأقل لا تنتقد العنف والدم وعودة الجيش للسلطة".

وواصل ماهر شهادته قائلاً: "عندما بدأت اعتراضات الحركة على انتهاكات الجيش، حذرني صديق بات في معسكر السلطة، قائلاً: من غير المسموح الاعتراض، والبلاد في حرب على الإرهاب... لا يوجد شيء اسمه حقوق إنسان... نحن في حالة طوارئ دائمة، وغير مسموح بالمعارضة... من ليس معنا فهو ضدنا... ولا سبيل لشعار (لا عسكر ولا إخوان)".

الاشتراكيون الثوريون

كان تحرّك حركة "الاشتراكيون الثوريون" أسرع من تحرّك حركة "السادس من إبريل"، إذ أصدرت الأولى بياناً في 6 يوليو 2013، طالبت فيه المجلس العسكري بـ"اتخاذ خطوات فورية لتحقيق العدالة الاجتماعية، وكتابة دستور ديمقراطي مدني يرسّخ قيم الحرية والعدالة الاجتماعية"، وهي الحركة التي وصفت فوز مرسي بالرئاسة بـ"الإنجاز الكبير"، الذي دحر مسار الثورة المضادة ممثلة في منافسه، رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق.

وأعلنت الحركة موقفها بوضوح عقب مجازر الجيش بحقّ المعتصمين في أحداث الحرس الجمهوري، مروراً بالمنصة، وانتهاءً بمجزرة فض اعتصامَي رابعة العدوية ونهضة مصر، والتي راح ضحيتها قرابة الألفين من أنصار الرئيس المعزول برصاص قوات الجيش والشرطة، وسط صمت مخزٍ من حركات شبابية كانت محسوبة على الثورة.

وخرج أعضاء الحركة في تظاهرات مناوئة للجيش في أغسطس/ آب 2013، رغم الإجراءات الأمنية غير المسبوقة، وتحدّثت بياناتها وتصريحات قيادييها، مثل هيثم محمدين، عن عودة حكم العسكر والثورة المضادة بعد 30 يونيو، مشددين على أن ما حدث هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان، وثورة مضادة أشرفت عليها "الدولة العميقة".

وأكّدت الحركة أنّ تحركات القوى المعارضة في 30 يونيو "لم تكن بالحجم أو القوة الكافية لتغيير مسار الأحداث، وهو ما جعل ذلك اليوم تمهيداً ممنهجاً لانقلاب 3 يوليو، وليس بأي شكل من الأشكال ثورة، أو موجة ثورية، أو تظاهرات يمكن أن تتحوّل إلى موجة ثورية"، معلنةً عن مبادرة سياسية في صيف 2015، تتناول طبيعة الصراع الدائر بين أجهزة الدولة، ممثلة في الجيش والإعلام والقضاء والقوى الإسلامية، أو المحسوبة على ثورة 25 يناير.

التيار الثالث

وعلى الدرب ذاته، تراجع أعضاء حزب "التيار المصري"، وهو كيان شبابي محسوب على ثورة 25 يناير وانضم لاحقاً إلى حزب "مصر القوية"، عن موقفهم الداعم لتظاهرات 30 يونيو. وصعد القيادي في الحزب، عبد الرحمن فارس، على منصة اعتصام "رابعة العدوية" يوم مجزرة الحرس الجمهوري، معلناً بداية طريق النضال ضد السلطة العسكرية.

ومع تصاعد الأحداث، ظهرت جماعات شبابية جديدة اكتسبت زخماً متنامياً في الشارع، أبرزها حركة "شباب ضد الانقلاب" و"أحرار" و"طلاب ضد الانقلاب"، علاوة على قوى أخرى لا تعترف إلا بثورة 25 يناير، وترفض عودة ما تسميه "حكم العسكر والإخوان"، على غرار "جبهة صمود الثورة" أو ما أطلق عليه "التيار الثالث"، إلا أنّ جميع فعالياتهم المعارضة واجهتها السلطة بقمع أمني عنيف.