الدور القطري في اليمن... الحقائق ومخيّلة إعلام محور الرياض-أبوظبي

الدور القطري في اليمن... الحقائق ومخيّلة إعلام محور الرياض-أبوظبي

16 يونيو 2017
مساعدات غذائية وزعتها منظمة إغاثة قطرية للاجئين يمنيين(عادل الشار/الأناضول)
+ الخط -
تعجّ بعض الصحف السعودية والإماراتية، أخيراً، باتهامات لدولة قطر بلعب دور داعم لطرفي الانقلاب في اليمن، وتحديداً لجماعة أنصار الله (الحوثيين). لكنها، وبالنظر لمضامينها وسياقها تتناقض أحياناً إلى حد كبير، وتستدعي صورة مجملة عن الدور القطري في اليمن وشرح خلفيات تلك الشائعات. آخر الأساطير التي باتت صحيفة سعودية اسمها "عكاظ" متخصصة فيها، نشرتها في عددها يوم الأربعاء، وتزعم فيها أن الدوحة خططت لمناورات للحوثيين على حدود السعودية قبل حصول انقلاب "أنصار الله" مع الرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، عام 2015، بهدف استفزاز الرياض والتخريب على مهمة المبعوث الدولي في حينها جمال بنعمر، علماً أن الدوحة كانت الداعم الأكبر لمهمة المبعوث المغربي.

وبعودة "العربي الجديد" إلى خلفيات الدور القطري في اليمن، ووفقاً لما هو متعارف عليه في الأوساط اليمنية، فإن أبرز دور محوري للدوحة يمنياً، كان إبان الأزمة بين شريكي اتفاق توحيد اليمن 1990، والتي وصلت أوجها بالحرب الأهلية صيف عام 1994. وفي هذه المحطة التي كانت علاقات صنعاء بالرياض وعواصم خليجية أخرى متدهورة إلى حد كبير، وفي مقابل دعم السعودية وأغلب الدول الخليجية للطرف الجنوبي الذي أعلن الانفصال خلال الحرب، كانت قطر الدولة الخليجية الوحيدة التي وقفت مع استمرار الوحدة اليمنية ورفض الانفصال. وينظر اليمنيون الرافضون للانفصال على الأقل، إلى هذا الموقف القطري باعتباره تاريخياً ويتلاءم مع المصلحة الاستراتيجية للدولة اليمنية، بغض النظر عن الشوائب والأخطاء المتعلقة بحكومة ما بعد توحيد البلاد.

في ما تلا أو سبق تلك الفترة، كانت علاقات اليمن بقطر بحالة من الانتعاش في غالب الأحيان، يحضر معها اسم قطر بالمشاريع الخيرية والدعم الاقتصادي للعديد من المشاريع الإنمائية والطبية في البلد الذي يعتبر من بين أكثر البلدان العربية فقراً. ويعاني اليمن من مشاكل اقتصادية فاقمتها الأزمات السياسية والاقتصادية، لعل أبرزها كانت حرب صيف 1994. فيما كانت قطر الحاضر الخليجي بتقديمها الدعم على أكثر من مجال، مقارنةً بنظيراتها من الدول الخليجية والتي تدهورت علاقات بعضها مع صنعاء إلى حد كبير، بسبب موقف النظام اليمني السابق من أزمة غزو الكويت عام 1990.


الوساطة في حروب صعدة
وتعود أغلب الاتهامات المرتبطة بمزاعم عن علاقة قطرية مع الحوثيين إلى الدور الذي حضرت به الدوحة أثناء الحروب بين الحكومة اليمنية والحوثيين بين عامي 2004 و2010. وقد دارت ست حروب متقطعة، ودخلت الدوحة كوسيط لتهدئة الحرب منذ الحرب الثالثة تقريباً. وبين التفاصيل الكثيرة المتعلقة، يمكن الإشارة إلى مسألتين أساسيتين: الأولى، هي أن دور قطر لم يكن سوى دور رسمي من خلال اتصالات مباشرة مع الحكومة اليمنية. ومعروف أن الأخيرة دخلت بوساطات لإيقاف الحرب على الحوثيين قبل حضور أي وساطة قطرية، وبالتالي فإن الحديث عن أي دور للدوحة لا يبتعد عن الحكومة اليمنية؛ والمسألة الثانية تتعلق بالخلافات الداخلية التي كانت تعصف بالفريق الحكومي اليمني، الأمر الذي ساهم في إضعافه. ففي حين تتحدث الصحف المشاركة في الحملة ضد قطر عن اتهامات بأن الدوحة أفادت الحوثيين من خلال تلك الوساطات، يتم إغفال أمر محوري بات معروفاً لدى كثيرين في الأوساط السياسية اليمنية، وهو أن تباينات كانت قائمة داخل النظام اليمني وأفضت إلى إدارة الحرب بطريقة خاسرة، وهو ما يضعف أي حديث عن دور خارجي يتحمل نتائج الأزمة.

ثورة 2011
ومع تفجر الثورة الشبابية الشعبية في اليمن عام 2011، كان موقف الدوحة معروفاً بالانحياز لصف الثورة ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي حكم البلاد 33 عاماً، ولم تكن علاقته بالرياض بأفضل حالاتها في أغلب الفترات. غير أن الأخيرة دخلت على خط التطورات اليمنية على نحو قلل من دور الدوحة في الجانبين، وهو الأمر الذي يتجسد بـ"المبادرة الخليجية" التي تم استثناء قطر منها. وعلى ضوئها تم نقل السلطة إلى الرئيس اليمني، عبدربه منصور هادي، ودخول تيارات مثل حزب "الإصلاح الإسلامي" (المتهم هو الآخر بعلاقات جيدة مع الدوحة وفقاً لبعض ما تداولته الصحف السعودية والإماراتية). لكن تجدر الإشارة إلى أن الحديث في هذه المرحلة على الأقل، عن "دعم قطري" للحوثيين ولحزب "الإصلاح" في الآن نفسه، وهما أكبر خصمين سياسيين في الساحة اليمنية، إنما هو حديث متناقض وغير منطقي.

الانقلاب والتحالف
وفي 21 سبتمبر/ أيلول عام 2014، اجتاح الحوثيون وبالتحالف مع علي عبدالله صالح، العاصمة صنعاء. وكان الثوار والقوى المحسوبة على ثورة 2011، والذين تعلن الغالبية منهم مواقف إيجابية تجاه الدوحة، أول ضحايا تحالف الانقلابيين. وكان معروفاً دعم الحكومة القطرية لنظيرتها اليمنية طوال الفترة الانتقالية، خصوصاً بالجانب الاقتصادي بأكثر من محطة. وهذه الفترة التي تلت العام 2011، لا يوجد فيها ما يشير إلى نقطة التقاء بين قطر والحوثيين المتهمين بتلقي الدعم من إيران، بل على العكس من ذلك، تحدثت تقارير أواخر عام 2013، عن اتصالات غير مباشرة حصلت بين الحوثيين ومسؤولين سعوديين أفضت إلى تفاهمات بالمناطق الحدودية.

في الأشهر التي تلت الانقلاب، كان موقف الدوحة أقرب ما يكون إلى الرياض، التي تعطي بدورها اليمن أولوية خاصة بحضورها في مختلف المراحل، وهو الدور الذي استمر، مع إعلان "التحالف العربي" في مارس/ آذار 2015 من عشر دول بقيادة السعودية وبينها قطر. وحتى قبل ساعات من صدور بيان "التحالف" الذي أنهى مشاركة قطر، كانت وسائل الإعلام لا تزال تتداول خبراً عن إصابة ستة من الجنود القطريين المشاركين بحماية الحدود الجنوبية للسعودية من هجمات الحوثيين. غير أن كل ذلك اختفى لصالح الحملة ضد قطر، وهي حملة تشارك فيها بعض الصحف، متعمّدةً تجاهل وقائع وحقائق تصب بمصلحة صورة قطر.

وكان صادماً بالنسبة للكثير من اليمنيين والمتابعين، ما حمله بيان "التحالف" لإعلان إنهاء مشاركة قطر، وكذلك بيان الخارجية السعودية، من اتهام للأولى بأنها واصلت دعمها للحوثيين حتى بعد دخولها في "التحالف"، وهو اتهام يتناقض جذرياً مع السائد والمعروف حتى ما قبل صدور الاتهامات التي تناقض وتدين بعضها. ومن المعروف أن اليمن ومنذ بدء عمليات "التحالف"، أصبح تحت سيطرة جوية وبرية وبحرية لقوات "التحالف العربي"، خصوصاً مناطق سيطرة الحوثيين. وهذه السيطرة المتكاملة تتم من خلال قبضة حربية لا تقبل الاختراق. وبالتالي فإن اتهام طرف عضو في "التحالف" بدعم الحوثيين، ليس هو أكثر من مكيدة سياسية. فكيف يعقل أن "التحالف" سكت أكثر من عامين على ما زعم، في حين أن القوات القطرية منتشرة بجزء من الحدود السعودية في إطار قوات "التحالف" التي تواجه الانقلابيين؟

من جهة ثانية، وكغيرها من الاتهامات ببلدان عربية، تتهم وسائل إعلام سعودية وإماراتية قطر بدعم تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، في اتهام لا يبعد كثيراً بملابساته عن الاتهام بالدعم المستحيل للحوثيين (في الحرب المستمرة لأكثر من عامين على الأقل). وفي هذا السياق، وفي خطوة تكشف التناقض الواضح، تم استدعاء اسم سياسي يمني بقائمة الـ59 متهماً بتلقي الدعم من قطر، وهو عبدالوهاب الحميقاني، الموجود أصلاً في السعودية، والذي ينشط في إطار الحكومة الشرعية. والتناقض يصبح أكثر وضوحاً، عندماً يتم اتهام قطر بدعم حزب "الإصلاح الإسلامي" الذي هو ميدانياً مع "التحالف العربي" الذي تقوده السعودية، ويتواجد العديد من قادة الحزب في الرياض منذ أكثر من عامين.

في المحصلة، يبدو حضور قطر في اليمن، منذ عقود، واضحاً ومحصوراً في إطار علاقات رسمية مع الحكومة أو مواقف معروفة، في حين أن الاتهامات الموجهة للدوحة بالصحف السعودية والإماراتية وغيرها، تتنوع بين كيدية تُناقِض الممكن والمعروف على الساحة اليمنية وحتى من قبل "التحالف" نفسه. وهناك من بين التهم ما يمكن أن يتوجه إلى الرياض وأبوظبي نفسيهما، إذ إن الدولتين تتدخلان عسكرياً وأمنياً وفي جميع الملفات تقريباً، في إطار "التحالف"، ويبدو الحديث عما دونهما، أو الدوحة خاصة، مخالفاً للمعطيات الواقعية والمنطقية في البلاد.