اجتماع قرطاج 3: بحث عن حلّ للأزمة أم مناورة؟

اجتماع قرطاج 3: بحث عن حلّ للأزمة التونسية أم مناورة؟

30 ديسمبر 2018
وصلت الاحتجاجات إلى حيّ التضامن (حاتم صالحي/فرانس برس)
+ الخط -

بعد حوالي 6 أشهر من تعطيل الحوار السياسي في تونس، إثر تعليق العمل بوثيقة "قرطاج 2"، فاجأ الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، زعماء الأحزاب الداعمة للحكومة بدعوتهم إلى اجتماع عاجل بقصر قرطاج، يوم الجمعة الماضي. اجتماع حضره كل من رئيس مجلس نواب الشعب محمد الناصر، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي، ورئيس الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية سمير ماجول، ورؤساء الأحزاب والكتل البرلمانيّة الداعمة للحكومة (النهضة ومشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني).

وذكرت الرئاسة أن "الرئيس السبسي أكد على وجود تردٍ في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، وما رافقهما من ارتفاع منسوب الاحتقان والتوتّر السياسي، في ظرف أمني يتّسم بالدقة ويشهد محاولات متكررة لاستضعاف الدولة وتهديد كيانها، بما لا يبشّر بانفراج سريع للأوضاع وقد يفتح الباب أمام مزيد من المخاطر والتحديّات". وشدّد على "ضرورة مواصلة الحوار بين كل الأطراف على قاعدة تغليب المصلحة الوطنية والترفّع عن الحسابات السياسية الضيقة وإيجاد حلول جذرية كفيلة بتفكيك عناصر الأزمة الراهنة واتّخاذ القرارات الشجاعة والجريئة الكفيلة بإعادة الأمل للتونسيين وصيانة المسار الديمقراطي وحماية الدولة من الأخطار المحدقة بها، مع الولاء فقط لتونس والمصلحة العليا لشعبها".

ورأى مراقبون أن "هذا الاجتماع الطارئ حمل رسائل كثيرة لعلها تسهم في تغيير الأوضاع السياسية في تونس، أولها أن هناك عودة للحوار، بغض النظر عن أسلوبه وشكله والمشاركين فيه، لأن حوار الطرشان عن بعد لم يؤد إلى أي نتيجة لصالح أي طرف من الأطراف المتصارعة، ولقاؤهم مجدداً قد يحلحل أسباب الأزمة ويمكن أن يقود إلى تغيير في المواقف".

ولكن الرسالتين المهمتين هنا هما إشارة السبسي إلى أنه "اللاعب الأساسي في المشهد الحالي، ولا يمكن تحييده أو محاصرته في قصر قرطاج، على الرغم من محدودية صلاحياته، ولكنه قال للجميع إن هذا البيت هو بيت الجميع، وإنه حريص على عدم انحراف الأوضاع في تونس". أما الرسالة الثانية، وهي الأهم، فعبارة عن "تحميل داعمي الحكومة مسؤولية ما حدث وما سيحدث".

شكلاً، جلس الفريق الحكومي على يمين الرئيس، وهم الشاهد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس حزب مشروع تونس محسن مرزوق، ورئيس كتلة الائتلاف مصطفى بن أحمد، وماجول، أما على يساره فكان الطبوبي والناصر، بالإضافة إلى مستشاري الرئيس.

وقال السبسي للفريق الحكومي: "صراحة، أنتم دعمتم الحكومة في البرلمان ولذلك عليكم تحمّل مسؤولية ذلك، لأن السياسة نتائج وعليكم إيجاد الحلول للأزمة التي تسير من سيئ إلى أسوأ". وأضاف أن "تداعيات إضراب قطاع الوظيفة العمومية في 17 يناير/ كانون الثاني المقبل قد تكون كبيرة، وأنتم لا تعرفون ذلك"، مستشهداً بإضراب عام 1978 الذي كانت نتائجه وخيمة، مع سقوط نحو 42 قتيلاً و325 جريحاً، وسجن ألف شخص، الذي بدأ مرحلة تفتت الحكم.



مع ذلك، لم يحضر الجميع، فسُجّل غياب حزب نداء تونس ورئيس حزب المبادرة، مع أنه مشارك في الحكومة، ولكن يبدو أن السبسي أهمل دعوته، إما لأنه لا يرغب في إعطاء رئيسه، كمال مرجان، فرصة تزيد من طموحاته في الترشح للرئاسة، أو لأنه لا يريد إقحام التجمعيين والدستوريين في هذه المعركة. في المقابل، فإن عدم دعوة حزب نداء تونس لهذا الاجتماع هدفها إبعاده عن أي مسؤولية بشأن تردي الأوضاع والنأي به عن خطاب الأزمة، وبالتالي عن نتائجها المقبلة. ولكن إذا نجح حوار قرطاج الثالث، فإن النداء سيعود حتماً إلى الطاولة لمشاركة الجميع قطف الثمار.

كما برز في الاجتماع الهدوء بين السبسي وحركة النهضة، مع إشارة رئيس الجمهورية إلى أن للحركة دوراً في المرحلة المقبلة، لذلك اعتبر مراقبون أن "هذا الاجتماع جاء بمثابة فتح جسر عودة ممكنة إلى بيت الرئيس بعدما قطعها بنفسه بالتأكيد مرات عدة على أنها هي التي قطعت الوفاق وتنكرت للعهود وانتقلت إلى الضفة الأخرى".

ولم يتأخر رد حركة النهضة، التي أصدرت بياناً بعد ساعات من الاجتماع، ذكرت فيه أن "هذا الاجتماع والأجواء الطيبة والإيجابية التي رافقته، هي أفضل رسالة لإدارة هذه المرحلة الصعبة، وفتح آفاق إيجابية لخفض حدة التوترات الاجتماعية والسياسية وإفشال مخططات أعداء الثورة والمتخوفين من تنظيم الانتخابات الرئاسية والتشريعية في موعدها".

وشدّدت على أن "الحفاظ على السلم الأهلي والاجتماعي مسؤولية جماعية للسلطة والمعارضة والمنظمات الوطنية (عكس ما قاله السبسي من أن الموجودين في إدارة الحكومة يتحملون لوحدهم المسؤولية)"، معتبرة أن "المطلوب اليوم، هو الوحدة الوطنية ضد قوى الفوضى والفتنة، والتعالي على الحسابات والمصالح الحزبية الضيقة".

وثمّنت حركة النهضة هذه المبادرة الرئاسية، وقالت إنها "تأكيد للدور المحوري للرئيس الباجي قائد السبسي في إنجاح الانتقال الديمقراطي وحمايته من الانتكاس، وطمأنة التونسيين حول استعداد كل الفاعلين للبحث عن الحلول التوافقية التي تحفظ المصالح العليا للبلاد". وجدّدت التزامها بنهج الحوار والتوافق مع رئيس الجمهورية، لا سيما في المرحلة المقبلة التي تحتاج فيها البلاد لدوره رمزاً لوحدة الدولة، وشريكاً رئيسياً في رعاية النموذج الديمقراطي التونسي لإنجاح ما تبقى من مسيرة الانتقال الديمقراطي". ودعت إلى "مزيد المشاورات بين الأحزاب والكتل البرلمانية، لاستكمال تركيز المؤسسات والهيئات الدستورية، تفعيلاً للدستور ودعماً للمسار الديمقراطي بالبلاد".

في غضون ذلك، تواصلت الاحتجاجات الشعبية، ووصلت إلى مشارف العاصمة، وبعد طبربة، دخلت الاحتجاجات إلى أكثر الأحياء الشعبية خطورة في تونس، حي التضامن. وجرت مواجهات ليلية مع الأمن، وقام عدد من المحتجين بتهشيم موزعات آلية لمصارف وتهشيم كاميرات المراقبة. وقد تمّ إلقاء القبض على سبعة منهم، بحسب وزارة الداخلية، لكن مغزى الوصول إلى حيّ التضامن فيه إشارات خطيرة للجميع، وإنذار بأن المحتجين لا يفرقون بين جماعة الرئيس والحكومة.