شرق الفرات: تركيا تحدد مدى العملية العسكرية

شرق الفرات: تركيا تحدد مدى العملية العسكرية

14 أكتوبر 2019
قوات من "الجيش الوطني" في تل أبيض أمس (الأناضول)
+ الخط -
على وقع استمرار تقدّم تركيا و"الجيش الوطني" السوري في عملياتهما شمالي سورية، وسيطرتهما في اليوم الخامس للعملية أمس الأحد على مدينة تل أبيض والطريق الدولي "إم 4"، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحدد حدود التوغّل التركي بنحو 35 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، رافضاً أي تفاوض مع "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، في وقت بدت فيه الأخيرة في موقف حرج بعد تخلٍ أميركي واضح عنها مع إعلان واشنطن أنها ستسحب جنودها البالغ عددهم نحو ألف من شمال سورية، لتتجّه "قسد" للتفاوض مع النظام السوري وروسيا لمواجهة التقدّم التركي.

وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الجيش التركي وحلفاءه سيتوغلون مسافة تتراوح بين 30 و35 كيلومتراً في أراضي سورية. وقال في مؤتمر صحافي في إسطنبول "سنذهب إلى عمق يتراوح بين 30 و35 كيلومتراً، وفقا لخريطة المنطقة الآمنة التي أعلنا عنها من قبل"، لافتاً إلى أن التوغل التركي سيمتد من عين العرب (كوباني) في الغرب إلى الحسكة في الشرق، مضيفاً أن بلدة رأس العين أصبحت بالفعل تحت السيطرة التركية. وأعلن أن القوات التي تقودها تركيا سيطرت حتى الآن على 109 كيلومترات مربعة، تشمل 17 قرية حول تل أبيض وأربع قرى حول رأس العين، موضحاً "أننا ركزنا أولاً على المنطقة التي يبلغ طولها 120 كيلومتراً بين رأس العين وتل أبيض. ومن ثم سنقسم الممر الإرهابي البالغ طوله 480 كيلومتراً من المنتصف". وأضاف "بعد ذلك سنسيطر على الحسكة من جانب وعين العرب في الجانب الآخر ونكمل العملية". وأعلن أن جنديين تركيين و16 من مقاتلي المعارضة قتلوا في العملية، مضيفاً أن "عدد الإرهابيين الذين تم تحييدهم في إطار العملية، بلغ 490 إرهابيا، بينهم 440 قتيلا، و26 مصابا، و24 سلموا أنفسهم".

وشدّد أردوغان على أن تركيا لن تسمح بإقامة دويلة إرهابية شمالي سورية، مؤكداً أن التهديدات الغربية بفرض عقوبات على أنقرة وحظر تصدير الأسلحة إليها لن تدفعها لوقف عمليتها العسكرية. ورفض فكرة الوساطة بين أنقرة والوحدات الكردية، قائلاً "متى رأيتم دولة تجلس إلى الطاولة ذاتها مع مجموعة إرهابية؟".

في المقابل، كان وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر يعلن أن الرئيس دونالد ترامب أمر بسحب نحو ألف جندي من شمال سورية. وقال إسبر في حديث تلفزيوني أمس "تحدثت مع الرئيس الليلة الماضية (السبت) بعد نقاشات مع باقي أعضاء فريق الأمن القومي ووجّه بأن نبدأ بسحب للقوات من شمال سورية". وأفاد بأن عدد العناصر الذين سيتم سحبهم هو "أقل من ألف". وأعلن إسبر أنه "في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة علمنا أن (الأتراك) يعتزمون على الأرجح مدّ هجومهم إلى مسافة أبعد في الجنوب والغرب مما كان مخططاً في البداية". وتابع قائلاً "علمنا أيضاً في الساعات الأربع والعشرين الأخيرة أن قوات سورية الديمقراطية تسعى لإبرام اتفاق... مع السوريين (النظام) والروس لشنّ هجوم مضاد على الأتراك في الشمال". ‬ووصف وضع القوات الأميركية بأنه "لا يمكن أن يستمر كما هو عليه". وقال إن الصراع بين القوات التركية والمقاتلين الأكراد السوريين أصبح "من الصعب دعمه" من الجيش الأميركي، وهو ما دفع ترامب لإصدار أوامر بما وصفه إسبر انسحاباً "متعمداً" للقوات الأميركية من الشمال، لكنه أوضح أن القوات لم تصدر لها الأوامر بمغادرة سورية بالكامل.

وكان ترامب قد دافع السبت عن قراره سحب القوات من شمال شرق سورية، قائلاً إن الولايات المتحدة يجب أن تعطي الأولوية لحماية حدودها، مضيفاً "لا أعتقد أن جنودنا يجب أن يكونوا هناك طوال الخمسين عاماً المقبلة لحراسة الحدود بين تركيا وسورية عندما لا نستطيع حراسة حدودنا في الداخل".

في ظل هذه التطورات، أعلنت "الإدارة الذاتية" الكردية أنه تم الاتفاق مع النظام السوري "الذي من واجبه حماية حدود البلاد والحفاظ على السيادة السورية"، على أن يدخل وينتشر على طول الحدود السورية التركية لمؤازرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في صد ما وصفته بـ"العدوان التركي"، و"تحرير المناطق التي دخلتها قوات تركيا". وأوضحت في بيان أن "الاتفاق يتيح الفرصة للنظام لاستعادة باقي الأراضي والمدن السورية المحتلة من قبل الجيش التركي".

ميدانياً، وفيما قالت الأمم المتحدة أمس إن أكثر من 130 ألف شخص نزحوا من مناطق ريفية في محيط تل أبيض ورأس العين نتيجة للقتال، أعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان السيطرة على الطريق الدولي (إم 4)، الواصل بين منبج والقامشلي. كما سيطر الجيش التركي و"الجيش الوطني" على مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا والمحاذية لبلدة أكشا قلعة التركية، بعد السيطرة على مجمل ريفها، مع ترك طريق انسحاب لعناصر الوحدات الكردية التي تشكل الثقل الرئيسي لـ"قسد".

وكان "الجيش الوطني" مدعوما بالجيش التركي قد سيطر فجر الأحد على بلدة سلوك الاستراتيجية الواقعة إلى الجنوب الشرقي من مدينة تل أبيض بنحو 20 كيلومتراً، وإلى جنوب غرب مدينة رأس العين بنحو 90 كيلومتراً. كما سيطر "الجيش الوطني" مساء السبت على العديد من القرى في ريف تل أبيض منها: الضبعة وسعيدة والدرولية وسرد والديك الشرقي والعيساوي والجنداوي والدروبية في المحورين الشرقي والغربي بتل أبيض.


وبحسب مصادر لـ"العربي الجديد"، تمكّنت قوات "الجيش الوطني" من خلال التوغل في منطقة سلوك شمال الرقة، من تطويق تل أبيض من الجهات كافة، باستثناء الجهة الجنوبية من جهة قرية عين العروس، قبل دخولها وإحكام السيطرة عليها، وطرد عناصر "قسد" منها. وأكد مصدر من "الجيش الوطني" لـ"العربي الجديد" أن الأخير والجيش التركي تمكنا من السيطرة على تل أبيض خلال ساعات من اقتحامها، موضحاً أنه تم ترك ثغرة لعناصر "قسد" للهروب ما سهّل كثيراً من عملية السيطرة على المدينة من دون مقاومة تذكر. فيما قامت "قسد" بقصف بلدة أكشا قلعة التركية بعدد من القذائف قبيل اقتحام تل أبيض لم تسفر عن إصابات.

وفي منطقة رأس العين، سيطر "الجيش الوطني" على قرى تل الجنب والصالحية ووضحه والسعدون والتويجيل. وبحسب مصادر في "الجيش الوطني"، استمرت المواجهات في محاور رأس العين بريف الحسكة الشمالي، تزامناً مع استقدام "الجيش الوطني" والجيش التركي المزيد من التعزيزات العسكرية إلى المنطقة. وقال المتحدث باسم اللواء 144 في الفيلق الأول بـ"الجيش الوطني" صهيب الجابر لـ"العربي الجديد" إن القوات المشاركة في العملية تقدّمت صباح أمس من ناحية الخويرة في ريف الحسكة وتوغلت لمسافة عشرة كيلومترات. وأضاف أنه تمت السيطرة على بلدة مبروكة في ريف الحسكة حيث اقتربت قوات "الجيش الوطني" من تأمين محيط رأس العين من الناحية الجنوبية الغربية.

من جهته، قال المتحدث باسم "الجيش الوطني" الرائد يوسف حمود لـ"العربي الجديد" إن "مجريات الأعمال الميدانية خلال خمسة أيام من العملية تسير كما هو مخطط لها"، مضيفاً: "قواتنا أنهت مهامها المحددة خلال هذه المدة كاملة". وأكد سيطرة "الجيش الوطني" على أكثر من 40 قرية وبلدة حتى ظهر الأحد في ريفي تل أبيض ورأس العين. وأوضح "أن التقدم كان بشكل توغل نحو العمق بدأ من ناحية الخويرة في ريف الحسكة، وبعد التوغل لمسافة 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية انقسمت القوات المهاجمة نحو مبروكة شرقاً وسلوك غرباً وسيطرت على البلدتين".

وفي السياق، أكدت مصادر في "الجيش الوطني" أن مقاتلي الأخير وصلوا إلى تخوم بلدة عين عيسى الاستراتيجية، شمال الرقة التي تتمركز قربها قوات أميركية. وتعد عين عيسى من أهم المناطق التي تسيطر عليها "قسد"، ففيها تعقد الاجتماعات مع التحالف الدولي والوفود الدولية التي تزور مناطق سيطرة "قسد"، وعقدت فيها عشرات المؤتمرات.

في غضون ذلك، أعلنت الإدارة الذاتية الكردية "فرار 785 شخصاً" من أفراد عائلات تنظيم "داعش" الأجانب من مخيم عين عيسى للنازحين بعدما طاوله قصف القوات التركية. وأفادت الإدارة الذاتية بانسحاب عناصر الحراسة من المخيم. وتعليقاً على ذلك، أعلنت المتحدثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيت ندياي، أن بلادها "قلقة" لفرار أفراد عائلات عناصر في "داعش" من مخيم عين عيسى، داعية أنقرة مرة جديدة إلى "إنهاء تدخلها العسكري" في سورية.

وفي موازاة العمليات العسكرية في شرقي نهر الفرات، عاد التوتر إلى مدينة منبج شمال شرق حلب غرب نهر الفرات التي تسيطر عليها "قسد". ومن الواضح أن النظام يحاول استغلال ما يجري في شرق الفرات للانقضاض على مدينة منبج، إذ ذكرت صحيفة "الوطن" أن قوات النظام "استقدمت تعزيزات عسكرية إضافية إلى بلدة العريمة وإلى خط الحدود الفاصل بين منبج ومدينة الباب شمال غرب الأولى، بالتوازي مع تسيير الشرطة العسكرية الروسية دوريات على الحدود التي تفصل منبج عن مناطق سيطرة الجيش التركي من الجهة الجنوبية الغربية للمدينة من طرف العريمة".