ثلاثة ملفات خلف هدوء العلاقات المصرية التركية

ثلاثة ملفات خلف هدوء العلاقات المصرية التركية

18 أكتوبر 2017
شكري: شروط لعودة العلاقات مع تركيا (خليل مزرعاوي/فرانس برس)
+ الخط -
عبّرت تصريحات وزير الخارجية المصري سامح شكري التلفزيونية، مساء الأحد الماضي، التي تحدث فيها عن احتمال زيارته العاصمة التركية أنقرة، وترحيبه بـ"انخفاض وتيرة الهجوم الرسمي التركي" على مصر، عن تطور ملحوظ في تعامل النظام المصري الحاكم مع تركيا بعد نحو 4 سنوات من القطيعة السياسية، التي لم تنل من تطور وتنامي العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين البلدين.

وعلى الرغم من فرض الحكومة المصرية إجراءات صارمة على مواطنيها المسافرين إلى الأراضي التركية، وتتبّعهم أمنياً بحجة احتمال تورطهم في أعمال الإرهاب أو الانتماء لجماعات إسلامية، على رأسها "الإخوان المسلمون"، وذلك بعد تخفيض التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في نوفمبر/تشرين الثاني 2013، إلا أن المناطق الحرة الصناعية المصرية ما زالت وجهة جاذبة للمستثمرين الأتراك، وهم بدورهم محل ترحيب من الحكومة المصرية التي يعاني اقتصادها من انسحاب الاستثمارات الأجنبية وضعف العملة المحلية.

وطرحت تصريحات شكري تساؤلات عديدة في الأوساط الدبلوماسية والإعلامية حول احتمال أن تكون بمثابة المغازلة، لبدء مرحلة تقارب جديدة بين البلدين، بعد 15 شهراً تقريباً من ترحيب مصر حكومة وإعلاماً بالانقلاب الذي كان يهدف للإطاحة بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لا سيما أن سامح شكري نفسه كان قد أشار في تصريحات سابقة خلال الشهر الحالي لصحيفة "الأهرام" إلى وجود "شروط مصرية لعودة العلاقات مع تركيا".
ولم يكن شكري في تصريحاته السابقة متحفظاً في اتهام تركيا بتوفير "ملاذ آمن لعناصر وقيادات جماعة الإخوان المطلوبين أمنياً وللمحاكم المصرية، وكذلك اتباع سياسات تنمي نفوذ الحركات الإرهابية وقدرات التنظيمات الإسلامية المتشددة، استغلالاً لما حققته الدولة التركية من قوة عسكرية واقتصادية في الآونة الأخيرة".

وقال مصدر دبلوماسي مصري في ديوان الخارجية لـ"العربي الجديد"، إن تصريحات شكري تعكس رغبة مصرية في "تحييد ملف التعاون الاقتصادي والاستثماري وحمايته من أي تأثيرات محتملة، عن المواقف السياسية المتوترة بين البلدين"، كاشفاً عن "وجود مفاوضات بين شركات مصرية حكومية ومستثمرين أتراك للمشاركة في بعض المشاريع الضخمة في العاصمة الإدارية الجديدة وإنشاء مصانع في المناطق الصناعية الجديدة في قناة السويس وميناء الإسكندرية".

وللمستثمرين الأتراك حالياً 205 مصانع في مصر بحجم استثمارات تجاوز 2.5 مليار دولار. وأعطت الحكومة المصرية الضوء الأخضر لرجال الأعمال المصريين المتعاونين مع تركيا لبذل جهود أكبر في جذب المستثمرين، إذ توفر المصانع التركية حالياً أكثر من 60 ألف فرصة عمل محلية، فضلاً عن السلاسل التجارية الممتدة لعلامات تجارية تركية، والتي يتعامل بعضها من الباطن مع الجيش ممثلاً في هيئة الخدمة الوطنية التي تملك وتدير مئات الأسواق ومنافذ البيع على مستوى البلاد، التي لا تخلو من البضائع التركية، إذ ارتفع هذا العام حجم التبادل التجاري إلى 4.6 مليارات دولار.

وأضاف المصدر أن الحفاظ على المصالح الاقتصادية القائمة هو الهدف الأول حالياً لحكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي، للحد من ظاهرة انسحاب رؤوس المال، والتي ضربت بقوة بعض الأنشطة الاستثمارية والصناعية، خصوصاً لرجال الأعمال الألمان والهولنديين في الفترة الأخيرة، نتيجة انهيار سعر الجنيه المصري، وزيادة الجمارك وبطء الحكومة في حل مشاكل المستثمرين، على الرغم من صدور قانون متكامل للاستثمار أخيراً وإنشاء مجلس أعلى للاستثمار برئاسة السيسي نفسه.


وتعكس هذه الظروف أفضلية محتملة مستقبلاً للمستثمرين الأتراك، فوفقاً لبيانات وزارة الاستثمار، تأتي تركيا في المركز الخامس أوروبياً من حيث حجم الاستثمار في مصر خلف إيطاليا وإنكلترا وفرنسا وألمانيا. ومع تنامي حركات الانسحاب وفي ظل انخفاض حجم التكلفة والمخاطرة في المصالح القائمة للمستثمرين الأتراك، تظهر مؤشرات إلى إمكانية مضاعفة حجم استثماراتهم في مصر.

وعلى الرغم من أن الملف الاقتصادي يأتي على رأس أولويات مصر، إلا أنه ليس الوحيد، بحسب المصدر، الذي ذكر أن هناك اتصالات سرية بين القاهرة وأنقرة حول القضية الفلسطينية والمصالحة بين "فتح" و"حماس" وإدارة قطاع غزة، وأن مصر تؤدي دوراً فعالاً في إطلاع تركيا على خططها المشتركة مع الإمارات لإدارة الملف الفلسطيني.

أما الملف الثالث فيتعلق بأزمة حصار قطر، وأوضح المصدر أن السعودية ومصر باتتا تريان ضرورة عدم توسيع نطاق الخلاف مع قطر ليشمل دولاً أخرى، إذ تستقر الرؤية السعودية، خصوصاً بعد الزيارة التي قام بها الرئيس التركي السابق عبدالله غول إلى الرياض الشهر الماضي، على أن الظروف التي تمر بها المنطقة لا تتحمل مواجهة مع تركيا بسبب مساندة الأخيرة لقطر. وبالتالي فالخيار الوحيد هو فصل المواقف والحفاظ على التهدئة مع أنقرة، والاحتفاظ بالموقف التركي كملجأ محتمل لأداء دور الوساطة غير المباشرة لحلحلة الأزمة.
لكن المصدر استدرك مؤكداً أن عودة العلاقات المصرية التركية، إلى ما كانت عليه في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، "من ضروب المستحيل على المدى القريب"، خصوصاً في ظل استمرار بث القنوات الفضائية المهاجمة لنظام السيسي من الأراضي التركية، مشيراً إلى أن "هذا الملف لم يُناقش بين الحكومتين على مستوى رسمي أو سري حتى الآن".