الائتلاف الحاكم يتصدّع: "آفاق تونس" يتمرّد على الأحزاب الحليفة


الائتلاف الحاكم يتصدّع: "آفاق تونس" يتمرّد على الأحزاب الحليفة


15 ابريل 2016
اعتبر "آفاق تونس" أن عمل الحكومة غير مُرضٍ (الأناضول)
+ الخط -

تشهد الساحة السياسية التونسية، في الأيام الأخيرة، حملات متعددة تجاه الحكومة والبرلمان، والغريب أن الحملات عبارة عن "نيران صديقة"، لأن أغلبها نابع من داخل أحزاب الائتلاف الحاكم نفسه (نداء تونس، وحركة النهضة، والاتحاد الوطني الحر، وحزب آفاق تونس)، لا من المعارضة هذه المرة. وقد بدأ هذا التصدّع بدعوة رئيس "آفاق تونس"، وزير التنمية، ياسين إبراهيم، إلى "تغيير الحكومة". 

وقد علّل إبراهيم دعوته، يوم الأحد، بأن "الوضع العام في البلاد سيىء، وهناك غياب للتناغم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى الأزمات التي عاشها عدد من الأحزاب السياسية". كما اعتبر، على هامش انعقاد المجلس الوطني لحزبه، أن "نسق عمل الحكومة غير مُرضٍ، على الرغم من التسريع في عمل إنجاز المشاريع العمومية والتقليص في التضخم وتحسين القدرة الشرائية"، مشدّداً على "ضرورة إحداث تعديل وتغييرات على الحكومة بعد مرور 14 شهراً على عملها". ورأى أن "عملية الإصلاح يجب أن تبدأ من مجلس نواب الشعب، لتعود القوى السياسية إلى توازنها، لا سيما أن السلطة التنفيذية غير قادرة على التسريع في الإصلاح بمفردها".

وعلى الرغم من أن تصريحات قياديي "آفاق تونس" حاولت التخفيف من حدة مواقف رئيسها، نافية أن "يكون إبراهيم قد دعا إلى تغيير الحكومة"، بل "كان ينتقد فقط طريقة عملها"، إلا أن أطرافاً أخرى كشفت أن "مشكلة آفاق تونس هي بالأساس مع حركة النهضة، وأن آفاق تونس يبحث إعادة تموضعه في الساحة السياسية، استعداداً للاستحقاقات العتيدة".

غير أن تصريح رئيسة كتلة الحزب في البرلمان، ريم محجوب، كان أكثر وضوحاً وتعبيراً عن طموحات الحزب الجديدة، فقد ذكرت أن "عدداً من النواب ماضون في التفكير جدّياً في تكوين جبهة أو كتلة برلمانية كبرى، تضم كل النواب المنتمين إلى تيار الوسطية الديمقراطية، ومن جميع الكتل في القريب العاجل".

وذكرت محجوب، في تصريحات صحافية، يوم الأربعاء، أن "الهدف من تكوين هذه الكتلة هو إعادة التوازن داخل البرلمان، بعد التفكك الذي حدث في حزب نداء تونس، وتجاوز الحسابات السياسية الضيقة ومن أجل إرجاع إرادة الناخب، التي فُقدت في ظلّ الاستقالات والتغيّرات، التي طرأت على تركيبة الأحزاب داخل البرلمان".

وعلى الرغم من تأكيدها أن "تكوين هذه الجبهة البرلمانية لا يهدف إلى عزل حركة النهضة"، إلا أن المتحدث الرسمي باسم الحزب، وليد صفر، أكد أنه "من غير المعقول أن تقود النهضة هذه المرحلة، في حين أنها لم تفز في الانتخابات. وهو ما عطّل عمل البرلمان، والحلّ هو تكوين كتلة قادرة على تحقيق التوازن في المشهد السياسي"، معتبراً أن "الوضع السياسي غير مطابق لما أفرزته الانتخابات، ونعمل على إعادة التوازن إلى المشهد السياسي في المجلس".

بالتالي تتضح الصورة شيئاً فشيئاً، إذ يبدو أن "آفاق تونس" منزعج من تحول "النهضة" إلى الحزب الأكثري داخل مجلس نواب الشعب، وهو ما قادها آلياً إلى قيادة عدد من اللجان داخل المجلس وتصدّرها العملية التشريعية.

وانعكست هذه الوضعية بوضوح عند التصويت على قانون البنك المركزي، في الأيام الماضية، بعد رفض نواب "آفاق تونس" التصويت على مقترح "النهضة"، القاضي بإضافة "الصكوك الإسلامية" في نصّ المشروع. وانهالت إثر ذلك التصريحات من قياديي الحركة، الناقدة لهذا الموقف.

في هذا السياق، اتهمت عضو مجلس شورى الحركة، النائبة منية إبراهيم، نواب "آفاق تونس" بـ"الغدر بالائتلاف، والتنسيق مع كتلة (الحرة)، (تضمّ 22 نائباً من المنشقين عن نداء تونس)"، ليردّ "آفاق تونس" بأن "البرلمان صار شبيهاً بالمجلس الوطني التأسيسي، الذي تميّز بسيطرة النهضة، حسبما جاء في تدوينة لعضو المكتب السياسي والمدير التنفيذي السابق للحزب، فوزي عبد الرحمان".

وتتجلّى إرادة الحزب في تغيير تحالفاته جذرياً، إذ إن الجبهة الجديدة المقترحة مع أحزاب وسطية وديمقراطية، تُقصي "الجبهة الشعبية" اليسارية، غير الوسطية، وتُبقي بالأساس على كتلة "الحرة". وستقود كل هذه المعطيات إلى تغيير خارطة التحالفات، داخل الائتلاف، وفي الساحة السياسية ككل، إذ "نفد صبر أحزاب النداء والنهضة وكذلك التيار الوطني الحر على حزب آفاق تونس، الذي تجاوز كل الخطوط الحمر"، وفقاً لتعبير مسؤول في "النداء" لـ"العربي الجديد".

ولم يكن هذا الخلاف بين "آفاق تونس" وبقية الأحزاب الأول من نوعه، فقد كانت العلاقة دائماً متوترة مع الجميع، خلال مناقشة عدد من القوانين، التي صوّت "آفاق تونس" ضدها، رغم أنها مقترحات حكومية، فضلاً عن كيل الحزب الانتقادات لعمل الحكومة.

ولا تخفي قيادات بارزة من "النهضة" و"النداء"، تحدثت لـ"العربي الجديد"، فكرة "عدم حاجة الائتلاف الحاكم إلى دعم آفاق تونس، وأنه لم يضف شيئاً للحكومة، باستثناء وجوده خلال تشكّلها في مواجهة المعارضة الشرسة إثر الانتخابات التشريعية الماضية (خريف 2014)، أما الآن فلم يعد هناك مبرر لتحمل هذا العصيان من الداخل، وإضعاف رئيس الحكومة وأدائها عموماً".

وتدعو هذه القيادات الرئيس، الباجي قائد السبسي، وزعيم "النهضة" راشد الغنوشي، إلى "تحمّل مسؤوليتهما واتخاذ قرارات شجاعة، والتخلّي عن هوس توسيع القاعدة الداعمة للحكومة، لأن الحزبين معاً يشكّلان أغلبية مريحة قادرة على قيادة المرحلة المقبلة".

ولكن بعض قيادات "نداء تونس" لا تخفي تخوّفها من أن يؤدي إقصاء "آفاق تونس" من الحكومة، إلى ما يسمّونه "استفراد النهضة بالنداء وسيطرتها بالتالي على كامل المشهد"، خصوصاً أنها الآن الحزب الأكثريّ في نظام برلماني. غير أن قيادات "النهضة تقلّل من هذا التخوّف، وتعتبر ألا (مبرّر له)"، لأنها "كانت أهم مدافع عن الرئيس والحكومة، ودافعت عنهما عندما تخلّى الجميع عن هذا الدور بمن فيهم قيادات (النداء). بالتالي فإن "هدفهم الحركي الأول، هو المحافظة على استقرار البلاد والمؤسسات بكل ما أتيح من جهد، لتعبر تونس من وضع المطبات والاضطرابات المحلية والإقليمية".