الاتفاق النووي الإيراني... ما قبل قرار ترامب وما بعده

الاتفاق النووي الإيراني... ما قبل قرار ترامب وما بعده

09 مايو 2018
أجرت إيران عدة اختبارات صاروخية بعد الاتفاق(عطا كيناري/فرانس برس)
+ الخط -
تعرّض الاتفاق النووي لعراقيل وتحديات كثيرة منذ التوصل إليه في يوليو/تموز عام 2015 بين إيران والسداسية الدولية، وأصبحت الأمور أكثر تعقيداً بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في يناير/كانون الثاني العام الماضي، الذي أبدى تشدداً واضحاً إزاء اتفاق اعتبره فاشلاً. إلا أن القادم لن يكون أبسط وأسهل مما مضى، فما بعد قرار ترامب المتعلق حول الاتفاق لن يكون كما قبله. ترامب الذي أطلق تهديداً واضح اللهجة وجّهه للأطراف الأوروبية قبل أشهر، مطالباً إياها بتعديل الاتفاق بما يضمن كبح إيران إقليمياً وصاروخياً، بات واضحاً أنه يحرّك الأمور باتجاه منحى أكثر تصعيداً مع طهران، منطلقاً من ملف صواريخها الباليستية. ويقف إلى جانبه في هذا التوجّه، إسرائيل والسعودية بالدرجة الأولى، وتأتي من بعدهما أطراف أوروبية تختلف درجات تشددها مع إيران على هذا الصعيد، مثل فرنسا وبريطانيا.

وسيكون بانتظار إيران المزيد من العقوبات الأميركية، التي تتطلب بطبيعة الحال مصادقة الكونغرس، في حال كانت صادرة من البيت الأبيض. ومن المتوقع أن يكون الحرس الثوري وشخصياته وشركات مرتبطة به مستهدفة بشكل رئيسي بقرارات الحظر الأميركي الآتية. فواشنطن تركز على مسألة الصواريخ بالدرجة الأولى، والتي استمر الحرس في تطويرها واختبارها حتى بعد الإعلان عن الاتفاق النووي. وتشدّد المسؤولون الإيرانيون من كافة مراكز ومؤسسات صنع القرار في مسألة أن هذا الملف دفاعي ولا يحق لأي طرف التدخّل في السيادة الإيرانية طالما أنها لا تشكّل تهديداً على أحد، معتبرين أنه حق مشروع للبلاد أن تقوم برفع مستوى قوة الردع في ظل وجود كل هذه التهديدات وكونها تقع في منطقة حساسة. وكما العقوبات الأميركية، قد يكون بانتظار إيران مشاريع قرارات دولية سيبحثها مجلس الأمن تحت العنوانين نفسيهما، أي دور إيران الصاروخي، والإقليمي، ولا سيما في اليمن وسورية. لكن طهران ستعوّل في هذه الحالة على الشريكين الروسي والصيني، وعلى من استفادوا من الاتفاق النووي اقتصادياً.

ومع إبداء ترامب مواقف صبّت كلها في اتجاه ضرورة دفع إيران إلى طاولة حوار جديدة بما يفرض عليها ملحقاً يضاف للاتفاق النووي ذاته، أو ربما التوقيع على اتفاق جديد، قابل المسؤولون الإيرانيون ذلك بتشدد وتعنّت، خصوصاً ما يتعلق بالحوار حول الصواريخ الباليستية، بينما أبدى هؤلاء مرونة أكبر تجاه الحوار حول مسائل المنطقة. مسؤولو الخارجية الإيرانية كانوا الأوضح على هذا الصعيد، فذكروا أن إيران لا تمانع من الجلوس على طاولة واحدة مع الاتحاد الأوروبي انطلاقاً من مسألة الحرب على الإرهاب، وأعطوا عنوان التفاوض طابعاً ليبدو وكأنه حوار مع إيران حول ضرورة إيجاد حلول سياسية لأزمات المنطقة. وبالفعل، التقى وفد إيراني بمسؤولين أوروبيين مرتين، في الفترة الأخيرة، وبحثوا ما يجري في اليمن، المرة الأولى كانت في ميونخ، والثانية في روما. في المرحلة التي ستأتي بعد قرار ترامب، قد تصبح إيران معنية أكثر بالحوار حول مسائل الإقليم، بغض النظر عن المطالب المتباينة التي يسوّق لها كل طرف.


كل ما سيحدث بعد قرار ترامب، لم يؤسس له هذا الأخير وحده، وإن كان الطرف الذي صب الزيت على النار، لكن ما حدث قبل القرار أدى دوراً رئيسياً في رسم المعطيات. بعد التوصل إلى الاتفاق النووي، أشرفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية على مرحلة التطبيق العملي، وأصدرت 11 تقريراً جاء فيها أن إيران التزمت بتعهداتها الفنية والتقنية. مقابل ذلك، أصدرت اللجنة المشرفة على تطبيق الاتفاق في الداخل الإيراني التي تعرض تقارير دورية على البرلمان وأمام لجنة الأمن القومي، تقارير عدة أيضاً، نقلت في غالبيتها وجود خلل في التطبيق من قبل الأطراف الأخرى، وعلى رأسها أميركا المتهمة بعرقلة فتح علاقات اقتصادية بين إيران والعالم. كما لامت الأوروبيين على عدم وصل طهران بالنظام المالي الدولي، وعدم استئناف العلاقات المصرفية معها كما كان مفترضاً. ونقلت طهران امتعاضها خلال اجتماعات دورية للجنة الاتفاق النووي المشتركة التي تضم ممثلين عن أطراف السداسية إلى جانب إيران، وتعقد مرة كل ثلاثة أشهر، ولم تخل من لقاءات ثنائية وهامشية ومن عناوين غير نووية.

بعد أشهر قليلة من الاتفاق، اختبر الحرس الثوري صاروخ "عماد" الباليستي بعيد المدى، وكشف عن وجود مدن ومنصات صاروخية تحت الأرض، قال قادته إن صواريخها جاهزة للانطلاق فور صدور قرار من المرشد الأعلى. أثار هذا الأمر انتقادات أميركية وغربية، اعتبرت أن ما يحدث انتهاك للاتفاق الذي لا يسمح لإيران بالحصول على أسلحة غير دفاعية أو صواريخ قابلة لحمل رؤوس نووية لما بعد ثماني سنوات من عمر الاتفاق، بينما رفضت طهران ذلك جملة وتفصيلاً، معتبرة أنها صواريخ دفاعية غير مجهزة للاستخدام لأغراض نووية.

تكرر ذلك في مارس/آذار 2016، خلال مناورات اختبرت فيها إيران صواريخ باليستية، وصدرت أنباء بعد أقل من شهرين من ذاك التاريخ عن اختبار صاروخ بمدى ألفي كيلومتر. وتباينت التصريحات حول صحة ذلك، لتكشف طهران، في سبتمبر/أيلول من العام الماضي، عن صاروخ "خرمشهر" الذي يبلغ مداه ألفي كيلومتر، وهو قادر على حمل عدة رؤوس حربية.

لكن ما جعل التخوّف من الصواريخ الباليستية يتحوّل إلى أزمة تُطرح أمام المجتمع الدولي، جاء عقب إطلاق الحوثيين من اليمن لصاروخ "بركان" الذي كان موجّهاً نحو قصر اليمامة في الرياض، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، ليدخل الصراع الحوثي السعودي مرحلة جديدة، وتعلو الأصوات التي تدعو إلى كبح إيران، من خلال اتهامها بتزويد الحوثيين بالصواريخ الباليستية. وعرضت السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، قطعاً من الصاروخ، قائلة إن عليه بصمات إيرانية. وخلال جلسة لمجلس الأمن ناقشت القرار 2231 المرتبط بالاتفاق النووي، دعمت روسيا إيران، مقابل إبراز فرنسا قلقها من الصواريخ الباليستية الإيرانية، لتستخدم موسكو بعد شهرين تقريباً الفيتو ضد مشروع قرار بريطاني مدعوم من أميركا وفرنسا، يقضي بحظر نقل السلاح لليمن ويندد بالدور الإيراني، ومن ثم اعتمد المجلس قراراً بالإجماع يؤكد تجديد هذا الحظر من دون الإشارة إلى طهران.

ترافق ذلك مع انتقادات حادة للدور الإيراني في سورية، وتحوّلت الأوضاع فيها إلى شبه مواجهة بينها وبين إسرائيل هناك، والتي استهدفت مطار التيفور العسكري، ما أدى إلى مقتل عدد من العسكريين الإيرانيين. وفي انتظار الانتقام الإيراني الذي تحدّث عنه قادة من الحرس وعسكريون إيرانيون، ركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المتخوّف من التواجد الإيراني في الجنوب السوري بالذات، على النووي الإيراني، وليربط كل هذه المعطيات بعضها ببعض، كشف عن حصول "الموساد" على وثائق سرية لنشاط طهران النووي، مؤكداً أن له أبعاداً غير سلمية، في محاولة لحشد المجتمع الدولي، علّه يمزق الاتفاق، وهو ما سيعيد العقوبات المعلّقة بموجبه على إيران، وما سيكبحها إقليمياً بمرور الوقت. من جهتها، رفضت إيران الاتهامات الجديدة، وعوّلت على شركائها الاقتصاديين وعلى تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تنفي صحة ما تحدث عنه نتنياهو. كل ذلك يؤسس للمرحلة المقبلة، التي سيكون عنوانها المزيد من التراشق والتصعيد ضد إيران، انطلاقاً من ملفات أبعد من النووي، خصوصاً أن تطبيق التعهدات في الاتفاق لم تشبه أي شائبة، من طرف طهران كما تعلن.

المساهمون