المغرب يسعى إلى "تحييد" جنوب أفريقيا في نزاع الصحراء

المغرب يسعى إلى "تحييد" جنوب أفريقيا في نزاع الصحراء

17 ابريل 2019
تشدد الرباط على الوحدة الترابية بملف الصحراء (نوي-فالك نيلسن/Getty)
+ الخط -
في تغيير لاستراتيجيتها السابقة التي كانت تلجأ إلى القطيعة الدبلوماسية واعتماد سياسة "الكرسي الفارغ" كلما اتخذت دولة ما مواقف معارضة للوحدة الترابية للمملكة المغربية، تتجه الرباط نحو إبداء الليونة والتعامل بذكاء أكبر مع مثل هذه المواقف وانتزاع مواقف الحياد على الأقل بدل القطيعة.

وتبدو هذه الاستراتيجية الدبلوماسية الجديدة للمغرب جلية في مواقف جنوب أفريقيا حيال نزاع الصحراء. ففي وقت سابق كانت الرباط تقاطع هذا البلد الأفريقي، وتشنّ ضده حملة انتقادات حادة، بسبب دعمه لـ"جبهة البوليساريو" المطالبة بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة.

غير أنّ الرباط مالت أكثر، في الفترة الأخيرة، إلى إبداء مواقف يصفها كثيرون بالذكية، في محاولة لاستقطاب جنوب أفريقيا إلى الطرح المغربي المنادي بإقرار الحكم الذاتي كحل لنزاع الصحراء، أو على الأقل ضمان موقف محايد لهذا البلد حيال الملف، رغم المؤازرة القوية التي يبديها لخصوم المملكة.

وبالرغم من احتضان بريتوريا، نهاية مارس/آذار الماضي، لمؤتمر دولي داعم لما يسمى "الشعب الصحراوي" وإيجاد دولة في الصحراء، فإنّ الرباط لم تتخذ مواقف حادة من جنوب أفريقيا، حتى أنّها لم تستدع سفيرها هناك يوسف العمراني، ولم تقطع العلاقات الدبلوماسية التي بالكاد عادت أخيراً.

وكان حديث وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مؤيّداً لهذا التوجه الدبلوماسي، إذ قال في حوار صحافي مع صحيفة "صنداي تايمز" الجنوب أفريقية، قبل يومين، إنّه "عوض الاستمرار في طريق مسدود، ينبغي على المغرب وجنوب أفريقيا العمل سوياً من أجل تطوير نموذج للتعاون الأفريقي".

وأكد أنّ "المغرب وجنوب أفريقيا، بالنظر إلى موقعهما الجغرافي، لا ينبغي أن تسود بينهما مشاكل ثنائية"، عازياً الخلافات بين البدين إلى "اتخاذ بريتوريا موقفا حول قضية تهم منطقة تقع على بعد مئات الكيلومترات، وهو موقف يتعارض مع موقفي الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي"، بحسب بوريطة.

ويعلّق الخبير في ملف الصحراء والعلاقات الأفريقية الدكتور عبد الفتاح الفاتحي حول هذا الموضوع، بالقول لـ"العربي الجديد"، اليوم الأربعاء، إنّ "جنوب أفريقيا تسير على منطق يخالف قرارات مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة، ويبقى التأييد الجنوب الأفريقي للبوليساريو عناداً أكثر منه موقفاً سياسياً".

ويوضح الفاتحي أنّه "رغم استمرار جنوب أفريقيا في دعم قضية تقوّض وحدة وسيادة الدول، فإنّ المغرب أبى إلا أن يبقي باب الحوار قائماً مع هذه الدولة، من قبيل عقد قمة بين الملك محمد السادس والرئيس الجنوب أفريقي السابق جاكوب زوما، على هامش أعمال القمة الأفريقية الأوروبية في أبيدجان عام 2017".

وأضاف أنّ "جنوب أفريقيا لا تزال تواصل منطق العناد، بتحركاتها في مجلس الأمن الدولي، وفي مؤتمرات بعض الدول الأفريقية الداعمة لجبهة البوليساريو"، معتبراً أنّ "موقف بريتوريا عدائي ومليء بالكراهية للمغرب، من دون سبب سياسي أو دبلوماسي موضوعي".

ورأى الفاتحي أنّه "أمام جنوب أفريقيا فرصة مناسبة لتصحيح إساءاتها إلى موقف المغرب الذي كان صديقاً تاريخياً للزعيم الراحل نيلسون مانديلا، لأنّ المنطق والمصلحة الأفريقية والثنائية مع المملكة المغربية أعمق من تمسّك هذه الدولة الأفريقية الهامة بعناد غير مفهوم".



وعن أسباب هذا الموقف، يشير إلى أنّ "ثمة تنسيقا قديما بين جنوب أفريقيا والجزائر، لتوزيع تبادل الريادة في أفريقيا بين شمال وجنوب القارة عبر ثنائية الجزائر وبريتوريا، وإخراج المغرب من هذه المعادلة لاعتبارات تتعلّق بمغادرته منظمة الوحدة الأفريقية".

وذهب الفاتحي إلى أنّ "جنوب أفريقيا ستبقى على المدى القريب، في صف دعم هذا التعهد مع الجزائر على المدى المنظور، كما أنّ جنوب أفريقيا تستفيد من تعاونها مع الجزائر في قضايا اقتصادية ودبلوماسية على المستوى الأفريقي والدولي".

وقال في هذا السياق، إنّ "الجزائر تستطيع تمويل أدوار لجنوب أفريقيا على المستوى الدولي، حتى أنّه كان هناك مخطط لدعم حصول جنوب أفريقيا على عضوية دائمة بمجلس الأمن الدولي كتمثيل لقارة أفريقيا إذا ما حدث إصلاح لميثاق مجلس الأمن الدولي".

وبدأ النزاع حول الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة، ليتحول إلى مواجهة مسلحة بين المغرب و"البوليساريو"، توقفت عام 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار، برعاية الأمم المتحدة.

وتقترح الرباط حكماً ذاتياً موسعاً تحت سيادتها، بينما تدعو "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر.