غسان سلامة يبحث عودة العملية السياسية بليبيا: ما الجديد؟

غسان سلامة يبحث عودة العملية السياسية في ليبيا: ما الجديد؟

12 يونيو 2019
سلامة لم يدن عدوان حفتر على طرابلس (Getty)
+ الخط -
داخل العاصمة المحاصرة طرابلس، وعلى بعد كيلومترات معدودة من جبهات القتال، عاد المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة، للقاء مسؤولي حكومة الوفاق لـ"بحث عودة العملية السياسية"، مشدداً على أن المجتمع الدولي "يرفض الحل العسكري"، دون أي إشارة لموقف محدد من العدوان الذي يقوده اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

والتقى سلامة، على مدى يومين، عددا من قيادات طرابلس، من بينهم وزير الخارجية محمد سيالة، ورئيس حزب العدالة والبناء محمد صوان، وأخيرا رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فايز السراج، ونائبه أحمد امعيتيق.

وعقب إعلان حفتر عن بدء عمليته العسكرية في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي، بهدف السيطرة على طرابلس، أكد سلامة على إصراره على عقد "الملتقى الوطني الجامع" في غدامس في موعده المقرر عقده منتصف الشهر ذاته، معتبرا أن النتائج التي توصل إليها أخيرًا "فرصة تاريخية تستدعي عدم السماح بإفسادها"، لكنه، وبعد مرور يومين فقط، أعلن، في التاسع من الشهر نفسه، عن "تأجيل عقد الملتقى إلى أجل غير مسمى"، مرجعا أسباب قراره إلى "صوت المدافع تضرب والغارات التي تشن"، بالإضافة إلى عدم تأكده من استجابة الشخصيات المدعوة من عموم مناطق البلاد لحضور الملتقى، إضافة لـ"شرط تأمين سلامتهم وحريتهم بالتعبير عن رأيهم"، وفق بيان البعثة وقتها.


ومرّ أكثر من شهرين، وعلى الرغم من تأكيدها على أن العملية العسكرية التي أطلقها حفتر هي التي أفشلت عقد الملتقى، الذي علقت عليه كل الآمال كمرحلة أخيرة لحل الأزمة، إلا أن البعثة لم يصدر عنها أي بيان إدانة لعدوان اللواء المتقاعد. 

وتثير عودة المبعوث الأممي الحالية لطرابلس، وتحركه لـ"عودة العملية السياسية"، أسئلة حول توقيتها ودوافعها في ظل استمرار القتال، ولا سيما أنه أكد في السابق أنه "سيعمل بكل ما أوتي من قوة على عقد الملتقى في اليوم الذي تتأمن فيه مجددًا شروط نجاحه". فهل توفرت الشروط أم أنه يطرح رؤية مغايرة للحل؟

ولا تزال حكومة الوفاق، التي تعد الطرف الرئيس في النزاع الحالي، على رفضها لـ"استمرار حفتر شريكا سياسيا"، بل طالب السراج، خلال لقائه بسلامة أمس الثلاثاء، بـ"ضرورة وضع قواعد جديدة للعملية السياسية".

وحتى الآن لم تسع البعثة الأممية لوقف إطلاق النار، رغم نجاحها في السابق في فرضه على الأطراف المتقاتلة في المكان ذاته، أي جنوب طرابلس، وتحاول أن تحمل الطرفين مسؤولية المعاناة الإنسانية التي يعيشها سكان المنطقة، في محاولة للنأي بنفسها عن ميدان المعركة، في ظل انقسام دولي واضح لن يمكنها من إنجاح سعيها لوقف إطلاق النار.

وفيما يرى كثير من المراقبين أن الأمم المتحدة كثيرا ما تعول على العامل الزمني الكفيل باستنزاف قدرة المتصارعين لإرغامهم في نهاية المطاف على القبول بأي تسوية تطرحها، يبدو أن العديد من العراقيل تواجه مهمة سلامة الجديدة، وفق المعطيات والمتغيرات التي أفرزها فشل محاولة حفتر في احتلال العاصمة.

موقف حكومة الوفاق المعلن يعد التحدي الأول، إذ ترفض حفتر "شريكا سياسيا"، حتى أن السراج طالب البعثة الأممية بـ"ضرورة تغيير قواعد المسار السياسي"، معلقاً قبوله بعودة المسار السياسي أيضا بـ"عودة قوات حفتر إلى قواعدها التي انطلقت منها"، وتأكيده على "استمرار قوات الحكومة في دحر العدوان"، وبل واعتبار مقاومة الحكومة لقوات حفتر "معركة بناء الدولة المدنية".

ويتمثل التحدي الثاني في موقف حفتر، الذي أظهرت تصريحاته في باريس خلال زيارته الأخيرة لها، منتصف مايو/ أيار الماضي، إمكانية قبوله بــ"تسوية سياسية دون شروط"، في إشارة إلى شرط الحكومة بانسحاب قواته من مواقعها في جنوب العاصمة وعودتها إلى قواعدها التي انطلقت منها قبل الرابع من إبريل/ نيسان، من جانب، ومن جانب آخر تلميحه إلى استمرار عملياته القتالية بالقول إن "شروط وقف إطلاق النار لم تكتمل بعد"، تزامنا مع دعوة الرئاسة الفرنسية، على هامش زيارته، لضرورة رجوع الأطراف إلى اتفاق لقاء أبوظبي، الذي انعقد بين السراج وحفتر في 28 من فبراير/ شباط الماضي، وهو اتفاق يشكل في حد ذاته عرقلة للحكومة التي لم تعلن حتى الآن عن بنوده، ما قد يشكل رفضا لها في حال انكشافها من قبل المجموعات المسلحة التي تقاتل تحت راية الحكومة الآن.


ويتمثل التحدي الثالث في الموقف الدولي الذي لا يزال يشهد حالة انقسام حادة. فبينما أعلنت تركيا دعمها السياسي الواضح، على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان، لحكومة الوفاق، ولا تزال دول أخرى، من بينها إيطاليا ودول جوار عربية كتونس والجزائر تميل لصالح الحكومة، تبدو مواقف دول إقليمية ودولية، وعلى رأسها فرنسا والإمارات ومصر والسعودية، تدعم حفتر بشكل مباشر، بينما تقف روسيا والولايات المتحدة في منطقة رمادية بين الطرفين، في انتظار رجوح كفة أي منهما لتعلن عن موقفها، وهو تحد يبدو أن سلامة أولاه اهتماما زائدا، فقد أكد لمسؤولي طرابلس أنه جاء لتوضيح نتائج زياراته لـ"عدد من الدول بشكل عام، ودائمة العضوية في مجلس الأمن بشكل خاص".

وإثر عودة البعثة الأممية لجهود إعادة الحياة لطاولة المفاوضات استعدادا لاختيار شاغلي كراسيها، تطرح العديد من الأسئلة في أوساط متابعي الشأن السياسي في طرابلس، من قبيل: ما الذي تبلور لديها حتى عادت بهذه الحماسة؟ وما الجديد في مواقف الدول الفاعلة في الملف الليبي؟ وما موقف حفتر تحديدا؟ وهل سيكون الحل على أساس اتفاق الصخيرات الذي لا يزال المجتمع الدولي يعتبره الإطار الوحيد للحل، أم معطيات الواقع الجديد ستحتم على البعثة صياغة مشروع سياسي جديد أبرزت تصريحات سلامة في روسيا، الجمعة الماضي، أن جانبا اقتصاديا ممثلا بـ"تقاسم الثروة" بإشراف دولي تمثل جزءا من ملامحه؟​