توجس في دول خليجية من تعيين بن سلمان

توجس في دول خليجية من تعيين بن سلمان ولياً للعهد

23 يونيو 2017
ينتهج بن سلمان سياسة تتسم بالارتجالية(فايز نور الدين/فرانس برس)
+ الخط -

بعد قرار تجريد الأمير محمد بن نايف من منصبه كولي للعهد ونائب ثانٍ لرئيس مجلس الوزراء ووزير للداخلية، ومبايعة نجل العاهل السعودي، الأمير محمد بن سلمان، كولي للعهد، تعيش الدول الخليجية حالة توجس، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في السعودية، وانعكاساتها على السياسة الخليجية. وينتظر أن تتعامل دوائر صنع القرار في الدول الخليجية مع الأمر الملكي بحذر شديد، خصوصاً أن بن سلمان، وعلى عكس من سبقه، ينتهج سياسة تتسم بالارتجالية في اتخاذ القرارات، على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما ظهر جلياً في قراراته الداخلية حول تبني "رؤية 2030"، التي تهدف إلى خصخصة مرافق الدولة، وعلى رأسها شركة "أرامكو" النفطية، وتطبيق سياسات نيوليبرالية حادة تستهدف فرض الضرائب والمزيد من سياسات التقشف. وعلى الصعيد الخارجي، اتخذ بن سلمان قرار الحرب على اليمن بعد توليه وزارة الدفاع قبل عامين، وصعّد من لغته الخطابية حيال إيران. كما أنه شن حرباً إعلامية ودبلوماسية ضد قطر، وذلك في محاولة لفرض الوصاية على قراراتها الداخلية والخارجية.

وعلى الرغم من سيل التهاني من قادة الخليج، فإن لكل دولة خليجية رؤيتها لهذا التطور. وتنظر القيادات السياسية في الكويت بمزيد من الحيطة والحذر لوصول الأمير الشاب (31 سنة) لسدة الحكم، تقريباً في الدولة الأكثر نفوذاً في الشرق الأوسط. وتتمتع الكويت، على خلاف السعودية، ببرلمان منتخب ودستور مدني وهامش من الحريات، ضمن للأقلية الشيعية في البلاد تمثيلاً سياسياً كبيراً، كما ضمن للجماعات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، مناصب برلمانية ووزارية منذ تأسيس الدولة. كذلك تنتهج الكويت سياسة أقل عدوانية تجاه المحور الإيراني، نظراً لتباين حجم القوة الجغرافية والعسكرية بين الكويت ودول هذا المحور.
لكن وصول بن سلمان، الذي عرف بقرارته الارتجالية وغير الدبلوماسية في التعامل مع دول الجوار، قد يُحدث شرخاً في العلاقات بين البلدين، خصوصاً أن رؤية بن سلمان للدول الخليجية المحيطة به هي أنها دول يجب أن تكون تابعة للقرار السعودي، وهو أمر لا تقبله الكويت. ومن المتوقع أن يحدث أي تدخل سعودي في الكويت من خلال أمرين، أولهما الضغط على حكومة الكويت لتغيير صبغة البرلمان الذي يضم أغلبية إسلامية سياسية، وهو ما لا يوافق عليه محور الرياض – أبو ظبي، خصوصاً أن عدداً من أعضاء البرلمان الكويتي ممنوعون من دخول الإمارات بسبب انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، والأمر الثاني هو تدخله في أزمة بيت الحكم الكويتي، إذ إن الصراع على منصب ولاية العهد المستقبلي وصل أشده بين عدد من شيوخ الصف الثاني للأسرة الحاكمة، ما جعل القضاء الكويتي يحكم بأحكام مشددة حيال عدد منهم، على خلفية تزويرهم لشريط فيديو سياسي.

من جهتها، لا تبدو سلطنة عمان مرتاحة لهذا التغيير القوي في بيت الحكم السعودي، خصوصاً أن محمد بن سلمان يعد حليفاً للإمارات، التي تمرّ مع عمان بأزمات سياسية عدة، على خلفية اكتشاف شبكة تجسس إماراتية تعمل في العاصمة العمانية مسقط ومكلفة بمتابعة الوضع الخاص للسلطان قابوس بن سعيد. وتنتهج مسقط سياسة مخالفة لسياسات محور الرياض – أبو ظبي، خصوصاً في التعامل مع الملف الإيراني، بعد رعايتها للمفاوضات السرية للاتفاق النووي بين إيران والدول الغربية. كما أن سلطنة عمان اتخذت الحياد مع الكويت، بما يخص حصار قطر، الذي قامت به السعودية والإمارات. ولا تمتلك سلطنة عمان الامتداد الجغرافي أو المذهبي أو السياسي مع السعودية، كما تمتلكه الكويت وقطر وبقية الدول الخليجية، ما يعني أن أدوات الضغط، التي في يد محور أبو ظبي – الرياض، لا تبدو كثيرة، باستثناء تدخل محتمل في ترتيب بيت الحكم العماني، والبحث عن حليف داخل أروقة النظام العماني، وهو ما يبدو صعباً جداً.


وتعتبر الإمارات، وحاكمها الفعلي، ولي عهد أبو ظبي، الشيخ محمد بن زايد، الرابح الأكبر في عملية نقل منصب ولاية العهد من يد محمد بن نايف إلى محمد بن سلمان، خصوصاً أن بن نايف لا يكن الود أبداً لبن زايد، على خلفية شتمه لوالده الأمير نايف، ووصم سياساته بالرجعية بما يخص التعامل مع الإسلاميين بحسب تسريبات "ويكيليكس". واستطاع محمد بن زايد، في غضون سنتين، وعبر وسطاء سعوديين يعيشون في دبي، كسب ود بن سلمان، والتحالف معه في الحرب على اليمن، ومن ثم شن حرب إعلامية ضد قطر، في محاولة لإخضاعها وفرض الوصاية على سياستها الخارجية والداخلية. لكن هذا الحلف قد لا يدوم طويلاً، خصوصاً أن شخصية "المحمدين" تبدو متشابهة، من حيث التسرع باتخاذ القرار والرغبة في التوسع الشديد على حساب مصالح الدول الخليجية الأخرى. ويبدو الملف اليمني الأكثر تعقيداً وتشابكاً بين الطرفين، خصوصاً أن السعودية تدعم حزب الإصلاح اليمني، المحسوب على "الإخوان"، وتؤكد على وحدة اليمن، بينما تدعم الإمارات المليشيات الانفصالية في الجنوب اليمني وتطالب بجمهورية جنوبية.

وعلى الصعيد البحريني، لا يبدو أن لدى هذه الجزيرة الصغيرة أي حيلة لاتخاذ قرار مخالف للسياسات السعودية بسبب صغر حجمها، ونشاط المحتجين المنتمين للأغلبية الشيعية والمدعومين من إيران، وتمركز قوات "درع الجزيرة" لحمايتها بشكل دائم.

من جانب قطر، لا يشكل تبدل الوجوه في نظام الحكم السعودي علامة فارقة بما يخص الصراع بين البلدين حول السياسة الخارجية لكل منهما، لكن وصول بن سلمان لمنصب ولاية العهد، بهذه الطريقة، ووجود خلافات داخل بيت الحكم السعودي، في ظل وجود رجال أقوياء، على رأسهم ابن الملك الراحل ووزير الحرس الوطني الحالي، متعب بن عبدالله، بالإضافة إلى الفشل الذريع لحصار قطر، والانتقادات الأوروبية والأميركية للحصار، وحالة التململ الشديد في الكويت وعمان، قد تجبر بن سلمان على إغلاق "جبهة قطر" والتفرغ لترتيب الأوراق داخل السعودية، مع اقتراب موعد طرح شركة "أرامكو" في الأسواق العالمية وخصخصتها.

المساهمون