إقالة المجالي والقادة الأمنيين بالأردن: أكثر من قصّة معان

إقالة المجالي والقادة الأمنيين بالأردن: أكثر من قصّة معان

19 مايو 2015
بيان الحكومة هاجم بشدّة سياسة المجالي الأمنية (شادي النسور/الأناضول)
+ الخط -
شكلت استقالة وزير الداخلية الأردني، الجنرال القوي والمعروف بابتسامته التي لا تفارقه حتى في أكثر الظروف توتراً، حسن هزاع المجالي، مفاجأة من العيار الثقيل، وخصوصاً أن الرجل يمتلك ارتباطا قويا بالقصر، وينسب إليه الدور الرئيسي في إخماد الاحتجاجات التي شهدتها البلاد تحت تأثير الربيع العربي، خلال وجودة على رأس جهاز الأمن العام منذ مايو/ أيار 2010 وحتى مارس/ آذار 2013، وهو الدور الذي رشحه لتسلم كرسي الداخلية.

وإن بدت الاستقالة مفاجأة حين أُعلن عنها في وقت متأخر من مساء الأحد، غير أنه يمكن اعتبارها مفاجأة متأخرة، وخصوصاً أنّ إقالة الجنرال الذي تربع على كرسي الوزارة الأهم في البلاد منذ نهاية مارس/ آذار 2013، تحولت إلى مطلب شعبي بعدما أرهق المملكة بشعاري "فرض هيبة الدولة" و"القبضة الأمنية"، اللذين وضعا جهاز الأمن العام وقوات الدرك في مواجهة مع المواطنين، بل وفي منافسة فيما بينهما على فرض السطوة والقوة، ما يبرر تزامن استقالة الوزير مع إحالة مديري الأمن العام  الفريق أول الركن توفيق الطوالبة، وقوات الدرك اللواء الركن احمد السويلمين إلى التقاعد، في غضب واضح على السياسة الأمنية المعمول بها، أو في تدارك لانفجار بات وشيكاً.

إقالة الوزير التي جُمّلت في الأخبار الرسمية على اعتبارها استقالة، بثت في خبر عاجل على التلفزيون الرسمي الأردني. وخلافاً للأعراف المتبعة في الاستقالات، لم تصل المجالي رسالة يُشكر فيها على الجهود التي بذلها خلال توليه لمنصبه، بل صبت عليه الحكومة التي ضاق رئيسها عبد الله النسور بالوزير المفروض عليه، غضبها، فأصدرت بياناً شديد اللهجة ينتقد "تقصير إدارة المنظومة الأمنية المتمثلة بالأمن العام وقوات الدرك في التنسيق فيما بينها"، وهي المنظومة التي من المفترض أنه يحركها الوزير المقال.

وكي لا يضمن رئيس الوزراء، الذي تقول مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد" إنه كان أحد عرابي الإطاحة بالوزير القوي، خروجاً مشرفاً للأخير، وجه له اتهاما مبطنا بمخالفة رؤى "ترسيخ سيادة القانون وتعميق مبدأ الأمن للجميع، وعدم التهاون مع من تسول له نفسه العبث بالمبادئ التي قامت عليها هذه المملكة المستقرة، أو الاعتداء على ممتلكات الدولة والمواطنين الآمنين، أو المحرضين على الفتن والنعرات، وحرصاً من خلال التنسيق المحكم بين كل الأجهزة العاملة على أمن الوطن والمواطن، والعمل كفريق واحد ضمن أحكام الدستور والقوانين والأنظمة التي تحكم الجميع في هذا البلد، وبأعلى درجات الكفاءة والفعالية، فقد صدرت الإرادة الملكية السامية بقبول استقالة معالي وزير الداخلية"، كما نص البيان الحكومي.

وقالت المصادر التي طلب عدم نشر اسمها، إن "رئيس الوزراء استغل حالة التوتر الأمني التي تعيشها مدينة معان الجنوبية للإطاحة بالوزير من خلال حشد مراكز القوة ضده، خصوصاً وأنه المتهم بالتسبب بحالة التوتر وتأجيجها نتيجة للسياسة الأمنية العنيفة التي يتبعها في التعامل مع المدينة، التي احتفلت حتى ساعات الصباح الأولى بالإطاحة بالوزير والقيادات الأمنية".

وإن كانت الاحتفالات الصاخبة قد اقتصرت على مدينة معان، التي يقدر ناشطون فيها عدد من قتلوا خلال أعمال الدهم الأمنية التي نفذت للبحث عن مطلوبين في عهد المجالي، بقرابة 13 شخصاً، فإن الفرحة بإطاحة الرجل والفريق الأمني، عمت غالبية المدن، التي لم يسلم أي منها من سطوة الرجال الثلاثة، وهي السطوة التي كان آخرها مقتل شاب عشريني تحت التعذيب قبل أسبوعين في مركز أمن أربد ( شمال عمّان)، أثناء اعتقاله من قبل عناصر مكافحة المخدرات.

إقالة الجنرال جاءت بعد يوم واحد من زيارة أمنية قام بها إلى معان، تعهد خلالها بفرض الأمن والقبض على جميع المطلوبين، وسبقت رسالة كان سيرفعها شيوخ ووجهاء المدينة إلى الملك للتظلم على تعامل الأجهزة الأمنية مع المدينة، وللمطالبة بحلول تنموية وليست أمنية لمشاكلها، الأمر الذي أكده لـ"العربي الجديد" رئيس لجنة متابعة أحداث معان، محمد أبو صالح، قائلاً إن "الرسالة وصلت قبل أن ترسل"، معتبراً أن إقالة الوزير ومديري الأمن والدرك خطوة إيجابية ودليل على فشلهم في التعامل مع أزمة المدينة وغيرها من المدن.

غير أن أبو صالح يحرص على عدم المبالغة بالتفاؤل، معتقداً أن الإطاحة بالفريق الأمني تستوجب أن يتبعها تغيير في السياسة الحكومية تجاه أزمات المدينة والمملكة.

بدوره، يؤكد أحد شيوخ معان، عادل المحاميد، على ضرورة إيجاد حلول تنموية وسياسية لأزمات المدينة المتكررة، خصوصاً بعدما أثبت الحل الأمني فشله، ويشير إلى أن الخيار الأمني المترافق مع الضغوطات الاقتصادية التي يعيشها المواطنون سيدفع الناس للانفجار، معتقداً أن إقالة الوزير ومديري الأمن والدرك جاءت لتدارك الأمر.

وفيما لم تتضح شخصية الوزير الذي سيخلف المجالي في منصبه، رجحت المصادر نفسها، أن يتم تكليف عسكري متقاعد بالمهمة، على أن يكون من وزراء الداخلية السابقين، كي لا يقابل بغضب من الشارع، فيما بات من المتوقع أن يصار إلى دمج مديريتي الأمن والدرك في مديرية واحدة، خصوصاً بعدما وجه الملك الحكومة إلى "إعادة النظر في قيادة مديريتي الأمن العام وقوات الدرك لتحقيق أرقى درجات الأمن والاستقرار، كي تعمل منظومة أمنية محكمة ومتكاملة لتحقيق الأمن".

اقرأ أيضاً سرّ التفاوت: ثروات مناطق جنوب الأردن لا تغني سكانها