"حالة الاتحاد" وأحوال أهله في واشنطن

"حالة الاتحاد" وأحوال أهله في واشنطن

05 فبراير 2020
يبدو ترامب في وضع مريح أكثر من خصومه (Getty)
+ الخط -
ألقى الرئيس دونالد ترامب ليل أمس الثلاثاء، خطابه السنوي عن "حالة الاتحاد"، وسط جو متوتر ومشبع بالنفور السياسي الفاضح. عادة تبقى الفوارق والخلافات بين الرئيس وخصومه، على الأقل في الظاهر، خارج القاعة التي يجتمع فيها أركان الدولة وأعضاء مجلسَي الكونغرس للاستماع إلى الرئيس في هذه المناسبة الدستورية التقليدية. لكن هذه المرة حضرت الخصومة بأشد تعبيراتها بين ترامب ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، التي رفض الرئيس مصافحتها، بعد أن مدت له يدها للترحيب به، وهو يسلمها نسخة عن خطابه؛ فكان أن ردت بالمثل وأكثر على "البخعة" العلنية، حيث حذفت من تقديمها له باعتبارها رئيسة الاحتفال، عبارة التشريف البروتوكولي، ووقفت في نهاية كلمته ومزقت نسخة الخطاب علناً، قبل أن يغادر الرئيس المنصة. كما انسحب عدد من النواب الديمقراطيين احتجاجاً على سردية خطابه "المبالغ فيها والمجافية للحقيقة" كما قالوا. جفاء متبادل، لم يسبق أن بلغ مشهده هذا الشكل المكشوف المحرج، الذي يلخّص مدى التأزم السائد في واشنطن، خصوصاً بعد محاكمة الرئيس بقضية أوكرانيا، إذ يعتبر البيت الأبيض أن بيلوسي لعبت الدور الرئيس في فتح ملفها أمام مجلس النواب.

مناسبة الخطاب قدمت له فرصة للتخفيف من وطأة هذه الفضيحة، من خلال التركيز في عرضه على الوضع الاقتصادي الجيد الذي تنعم به أميركا في الوقت الحالي. أفاض ترامب في تسليط الأضواء على المكتسبات لينسبها إلى رئاسته، ويدعو بالتالي إلى الالتفاف حولها لتعزيز حالة البحبوحة المتميزة، وتسليط الأضواء على أهم جوانبها، بما يخدم تعزيز التفاف قاعدته حوله، ومخاطبة الناخب بشكل عام. مخاطبته كانت انتخابية أكثر مما هي أجندة سياسية، كما هو مفترض، للمتبقي من ولايته الأولى. بالغ في عرضها، وحجمها، وفي نسبها لإدارته بصورة حصرية. مرّ مرور الكرام على السياسة الخارجية بحوالي عشر دقائق أو أقل، من أصل أكثر من 80 دقيقة. عرّج بصورة عابرة على "داعش"، وإيران، و"صفقة القرن"، وأفغانستان. الباقي تركه للشأن الداخلي. الأرقام تساعده، والناخب يتعامل مع واقع الحال القائم والراجحة كفته لمصلحة الرئيس. معدل البطالة هابط إلى حدود لم يعرفها منذ خمسين سنة، يرافقه تحسن في مستوى الأجور، وثقة المستهلك، وفورة البورصة، وغيرها من المؤشرات الاقتصادية الإيجابية، على الرغم من الخلل في توزّع المردود، وما نشأ عنه من تفاوت طبقي. ويحصل ذلك في لحظة ارتفع تأييده، وللمرة الأولى إلى 49%، وهو مقبل على إعفائه اليوم الأربعاء من الذنب في قضية أوكرانيا، ولو أن هذا الإعفاء قد يرتد ضده، من باب أن المحاكمة كانت "منحازة ومنقوصة"، كونها جرت من دون شهود ومستندات.


تماسُك الجمهوريين وراءه، وفّر له الدرع الواقية أثناء المحاكمة، ولو أن ذلك قد تكون له كلفة في انتخابات ثلث مجلس الشيوخ في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل. وزاد من تعزيز وضع الرئيس ترامب، أن خصومه الديمقراطيين في حالة بائسة من التعثر الذي تبدّى في انتخابات ولاية أيوا، التي سادتها الفوضى والتشرذم وضعف الإقبال على المشاركة فيها. فحتى ليل الثلاثاء، لم يقوَ جهاز الحزب في الولاية على استخراج حصيلتها النهائية وتحديد الفائز فيها. ومن الأرقام الأولية، يتبين أن المرشح المفضل لمؤسسة الحزب جو بايدن، هبط إلى المرتبة الرابعة، ومن المشكوك فيه أن يكون في وضع أحسن الأسبوع المقبل في انتخابات ولاية نيوهمبشاير. صعود بيرني ساندرز وبيتر بوتجيج مكانه أثار مخاوف قيادة الحزب الديمقراطي، من زاوية أن كليهما سيكونان فريسة سهلة أمام ترامب.

المفارقة أن الرئيس ترامب يبدو، على الرغم من المحاكمة، في وضع مريح أكثر من خصومه. حالته في الوقت الراهن أفضل من حالة الاتحاد المنقسم على ذاته، فهو أول رئيس يحاكَم قبل أقل من عشرة أشهر من الانتخابات، ويخرج أكثر تماسكاً من الديمقراطيين على الصعيد الانتخابي. هل يستمر ذلك أم أنه موقت؟ سؤال يعتمد على قدرة الحزب الديمقراطي ومرشحه على استعادة المبادرة؛ وفي هذا، الاحتمالات غير قوية حتى الآن.