أميركا: الشغب يهدّد نجاح الاحتجاجات

أميركا: الشغب يهدّد نجاح الاحتجاجات

02 يونيو 2020
شملت المواجهات أكثر من 20 مدينة (ماثيو لي/Getty)
+ الخط -
من شيكاغو إلى أتلانتا، إلى بوسطن والعاصمة واشنطن، تحولت أعمال الشغب والسرقة والحرق التي ترافق بعض الاحتجاجات المندلعة في الولايات المتحدة، والتي تدخل اليوم الثلاثاء يومها السابع، على خلفية وفاة المواطن جورج فلويد بداية الأسبوع الماضي اختناقاً، بعدما ضغط "شرطي أبيض" بساقه على عنقه لتسع دقائق، إلى مناسبة يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى استثمارها انتخابياً، على ما يبدو، فيما كان يُنتظر منه الخروج بخطابٍ وطني جامع، من شأنه إخماد القلق والشعور بانعدام أمانٍ مزمن لدى شريحة كبيرة من الأميركيين، لا يزالون يُصنفون بأنهم "أقلية". ومع توقيف أكثر من أربعة آلاف شخص خلال اليومين الماضيين، وفيما تترافق المطالبة بإنهاء التمييز العنصري في البلاد مع أعمال عنف ونهب وتكسير وإضرام حرائق، طاولت العديد من الممتلكات العامة والخاصة، بدأت تخرج تساؤلات كثيرة حول مدى إمكان تهديد أعمال الشغب نجاح الاحتجاجات، خصوصاً في حال ابتعاد النقاش عن العنف الشرطي والعنصرية، وضرورة تعديل سلوك الشرطة الأميركية في تعاطيها مع الموقوفين أو المشتبه فيهم خصوصاً من أصحاب البشرة الداكنة، أو تعديل النظام المرتبط بالقضاء الأميركي خصوصاً، ليتركز حول الانقسام العرقي، وبما قد يدفع فئات من المواطنين الأميركيين من ذوي البشرة البيضاء إلى الانحياز لترامب، تحت وطأة البحث عن الحماية والشعور بالخوف. هذا الأمر كان سبباً في خروج دعوات من قادة محليين في الولايات المتحدة تطالب المحتجين بـ"التعبير بشكل سلمي عن غضبهم".

وقد حاول ترامب تحشيد مؤيديه ضد المتظاهرين، أكانوا من السود، أو كما يصفهم باليسار المتطرف، أو"البلطجية"، فيما لم يخرج خطاب الإدارة الأميركية التحريضي عن هذا المسار، مركزاً هذه المرة على سردية "النظام في مقابل الفوضى".

إلا أن الخطاب التقسيمي، والذي يصب الزيت على النار بتعبير مراقبين، يرى متابعون أن تفويت الفرصة عليه، وعلى لغة الاستقطاب كسلاحٍ سياسي، قد لا يتحقق سوى عبر الشرطة "البيضاء" ذاتها، التي بإمكانها فتح حوار مع المتظاهرين واستيعابهم، فضلاً عن محاولة إعادة تصويب مسار الاحتجاجات بعيداً عن أعمال الشغب التي تصاعدت خلال الأيام الأخيرة، والتي يخشى من ارتدادها عكسياً على الحراك المطالب بالعدالة الاجتماعية، وتنديداً بمقتل فلويد.
ووصلت تظاهرات الولايات المتحدة أول من أمس الأحد، إلى أعتاب البيت الأبيض في واشنطن، حيث أضرم المحتجون حرائق عدة، فيما أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع في محاولة لتفريق المحتجين أمام البيت الأبيض في وقت متأخّر من ليل الأحد، فيما أعلن حظر تجول لساعات في المدينة. كما كشفت صحيفة "نيويورك تايمز"، أن جهاز الخدمة السرية نقل الرئيس دونالد ترامب إلى مخبأ سري تحت الأرض ليل الجمعة، على خلفية التظاهرات. وأوضحت الصحيفة في تقريرها الذي نشرته أول من أمس الأحد، أنّ المخبأ كان يستخدم في الماضي في أثناء الهجمات الإرهابية. وبحسب تقرير الصحيفة، أمضى ترامب فيه، ليل الأحد، بعيداً عن الأنظار، فيما وضع البيت الأبيض تحت حراسة مشدّدة.  

وحصلت مواجهات بين متظاهرين ورجال الشرطة في أكثر من 20 مدينة أميركية، منها لوس أنجليس وشيكاغو وأتلانتا. وجاء ذلك بالتزامن مع فرض حظر تجول ليلي في عشرات المدن الأميركية، ليفوق عدد هذه المدن، تلك التي عاشت حظر تجول عام 1968، في أعقاب اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن. وقال رئيس بلدية واشنطن موريل باوزر، إنه أمر بنشر الحرس الوطني في المدينة لدعم الشرطة. 

وفي بوسطن، اندلعت أعمال عنف، فيما ألقى متظاهرون زجاجات على أفراد الشرطة وأشعلوا النار في مركبة. وسجل اختراق شاحنة حشداً من المتظاهرين على الطريق السريع 35 في مينيابوليس، المغلق أمام المرور. وفي الساحل الغربي، وقعت اشتباكات في بورتلاند (أوريغون)، كما استعرت حرائق صغيرة. وتعرضت متاجر فاخرة في أكثر من مدينة للنهب، منها متاجر شركة "آبل". وفي نيويورك، قال رئيس البلدية بيل دي بلاسيو، الذي اعتقلت ابنته شيارا، إنه يجري تحقيقاً في أساليب الشرطة. وفي لويسفيل بولاية كنتاكي، ذكرت "سي بي أس"، أن الشرطة قتلت بالرصاص رجلاً أمس الاثنين. ومن شيكاغو إلى بروكلين، أصبح شائعاً رؤية الشرطة عرضة لوابل من المقذوفات.

في هذه الأثناء، واصل ترامب اللعب على وتر فرض الأمن مقابل "الشغب". وفي تغريدة له، هنأ الرئيس "الحرس الوطني على عمله الرائع في مينيابوليس"، مضيفاً أنه "يجب الاستعانة بهم في ولايات أخرى قبل فوات الأوان"، وطالب بعدم السماح "لمجموعة صغيرة من المجرمين والمخربين بتدمير مدننا". ونسب الفلتان إلى "مجموعات من اليسار الراديكالي المتطرف"، خصوصاً المعادين للفاشية، مطالباً رؤساء البلديات وحكام الولايات الديمقراطيين، بالتعامل بـ"صرامة" مع "المخربين"، و"استدعاء الحرس الوطني".

من جهته، زار المرشح الرئاسي الديمقراطي جو بايدن أول من أمس، احتجاجاً مناهضاً للعنصرية في ولاية ديلاوير، واصفاً البلاد بأنها "تتألم". وكتب بايدن في تويتر: "نحن أمة تتألم الآن، ولكن يجب ألا نسمح لهذا الألم بتدميرنا".

في هذه الأثناء، بدأت تتوالى الأسئلة حول هوية الجهات التي تقف خلف أعمال الشغب، بعدما أعلن ترامب تصنيفه جماعة "أنتيفا" (يسار متطرف) المعادية للفاشية، بأنها إرهابية. وبدأ الحديث يدور عن مشاركة جماعات اليمين المتطرف في أعمال الشغب، إذ إن بعضها أبدى تعاطفه مع "القضية السوداء" المرفوعة، لجهة تشاركه معها في الكراهية التي يكنها للشرطة، فيما يتشارك مع اليسار المتطرف العداء للمنظومة الحاكمة وفرض النظام. وترتفع أيضاً مصطلحات مثل "المندسين" و"البلطجية" على ألسنة مسؤولين في الإدارة، ومن ترامب نفسه، لتوصيف الفوضى، كما تسود مصطلحات تنم على انغلاق مجتمعي في الولايات، مثل "متظاهرين من الخارج". ويدخل التوظيف الانتخابي لدى ترامب، في اتهام حكام ولايات ديمقراطيين بتقصد عدم ضبط الفوضى.

وعلى الرغم من حمل التظاهرات طابعاً مناهضاً للعنصرية ضد السود، إلا أن العديد منها اتسم بالتنوع. وأكد مارك براي، مؤلف كتاب "مناهضة الفاشية"، بحسب ما نقلت عنه وكالة "فرانس برس، أنه "من الخطأ أن نقول إن معظم الأشخاص الذين تسببوا في التدهور، يعتبرون من أنتيفا أو مناهضين للفاشية، لا يوجد دليل على ذلك". ورأى براي أنها "مناورة من اليمين لنزع الشرعية عن الحركة الاحتجاجية". من جهتها، أشارت ميشيل غولدبرغ، في صحيفة "نيويورك تايمز"، إلى أن "هناك أموراً كثيرة تجعل الولايات المتحدة سريعة الاشتعال"، معددة "البطالة وكشف كورونا عدم مساواة قاتلة في الحصول على الرعاية"، متحدثة كذلك عن "المراهقين العاطلين وعنف الشرطة ومتطرفي اليمين الحالمين باندلاع حرب أهلية أميركية ثانية، ورئيس مستعد دائماً لصب الزيت على أول لهيب قادم".