صعود طفيفٌ بشعبية ماكرون رغم احتجاجات "السترات الصفراء"

صعود طفيفٌ بشعبية ماكرون رغم استمرار احتجاجات "السترات الصفراء" وقضية بنعلا

21 يناير 2019
أول تحسن في شعبية ماكرون منذ بدء الاحتجاجات (Getty)
+ الخط -
في كل مرة يحاول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن يخرج فيها من "عزلته"، يجد نفسَه في قلبها. ولم تتوقف العقبات في وجه الرئيس، فبعد اندلاع قضية ألكسندر بنعلا، والتي لم تَخْفُت بعدُ رغم تسريحه، جاءت قضية استقالة وزراء مهمين، ثم أخيرا اندلاع أزمة "السترات الصفراء" المتواصلة.

وإذا كانت أزمة السترات الصفراء أكثرها قسوة، بسبب استمراريتها منذ أكثر من شهرين وأيضا بسبب الالتفاف الشعبي الواسع حول مطالبها، وكذلك بسبب تأثيرها الكارثي على شعبية رئيس الجمهورية وحكومته، إلا أن الرئيس ماكرون رأى في إطلاق "الحوار الوطني الكبير"، وهو غير مشهود من قبل، ضربة معلّم، من أجل الوصول إلى إسكات هذا الحراك الاجتماعي، الذي يبدو أنه يتواصل، رغم تسجيل 600 اجتماع على الصعيد الوطني، عُقد منها مائة اجتماع.

ويبدو أنه بعد مرور أسبوع على انطلاق هذا الحوار الوطني الكبير، الذي شارك فيه الرئيس ماكرون، لحد الآن، بمداخلتين ماراتونيتين أمام عمداء فرنسا، أثارت مزيجاً من الإعجاب بسبب استعداده للرد على كل تساؤلات المنتَخَبين وأيضا من انتقاد، بسبب غطرسته وتكبره على البسطاء أو بسبب تسخير المال العام في تنقلاته التي لا تخلو من أهداف سياسية تستفيد منها أغلبيته، مع قرب الانتخابات الأوروبية، فيما لا تزال أغلبية من متظاهري السترات الصفراء رافضة للمشاركة في هذا الحوار. ويتضح الأمر من تواصُل الاحتجاجات ومن غياب الشباب عن النقاشات التي انطلقت قبل أسبوع.

وليس سرّا أن الرئيس ماكرون استطاع أن يرفع قليلا من شعبيته، فأصبح 27 في المائة من الفرنسيين راضين عن سياساته، وفق استطلاع نشر أمس الأحد، كما أنه ليس سرا، وكما يعترف وزراء عديدون، أن الأمر له علاقة برغبة الرئيس بالنزول من عليائه، والإنصات لهموم الفرنسيين، والبحث معهم عن حلول، سواء تعلق الأمر بتعزيز القوة الشرائية أو تعزيز الديمقراطية التشاركية والمباشرة، أي ما يتعلق بتخفيف قبضة الحكم المركزي واللجوء إلى بعض الاستفتاءات.


ماراتون قضية بنعلا مستمر، واستمرارُها ليس في صالح ماكرون، فهذا الحارس الشخصي السابق، أو المكلف السابق بمهمة في الإليزيه، لا يزال يُزعج القرار السياسي، وهو ما عبر عنه ماكرون بالقول إنه لا يزال يحتفظ بِجَبيرة في ظهره، ويتحدى رجالا مهمين في الإليزيه، ويتجول بجوازات سفر دبلوماسية في عواصم عالمية من تل أبيب إلى نجامينا (عاصمة التشاد)، ويعقد الصفقات، ويشوش على تنقلات رئاسية، ويوزع التهم والنقاط.

وقد عاد هذا المُتابَع من القضاء، بسبب ضلوعه في ممارسة أعمال عنف على متظاهرين في 1 مايو/أيار الماضي، وأيضا بسبب استغلاله لوثائق رسمية، غير مرخص بها، إلى الواجهة، اليوم، مع الاستجواب الذي سيَخضع له، بعد الظهر، من طرف لجنة القوانين في مجلس الشيوخ، الذي تتحكم فيه أغلبية يمينية.

وسيتوجب عليه، تحت القَسَم، أن يجيب عن تساؤلات النواب في ما يخص طبيعة استخدام جوازات سفر دبلوماسية بعد تسريحه في نحو عشرين تنقلا دوليا، وأيضا عن كيفية تجديدها بعد انتهاء صلاحيتها، وخاصة أن باتريك سترودا شدّد في استجواب سابق مع اللجنة نفسها على أن تجديدها يمرّ بالضرورة عبر مصالح وزارة الداخلية، وليس بطريقة تلقائية كما يزعم ألكسندر بنعلا.

وكان الناطق باسم الحكومة، بنجامان غريفو، قد نسب ما يدور حول قضية بنعلا إلى وجود "خلل لا يحتمل في اشتغال مكتب الإليزيه. وبالطبع لن يجيب بنعلا عن كل الأسئلة، بسبب متابعته قضائيا في القضية نفسها".

عين على الشركات الكبرى

يَعلم ماكرون أن عليه تسجيل حضوره في كل الجبهات، فإلى جانب "الحوار الوطني الكبير"، سيلتقي، بعد ظهر اليوم، في قصر فيرساي، 150 من أرباب الشركات العالمية، في الطبعة الثانية من "قمة اختر فرنسا".

وكانت الطبعة الأولى قد شهدت حضورَ 140 من أرباب الشركات الكبرى، ونجح في جلب 3 مليارات يورو من الاستثمارات، في السنوات الخمس القادمة. ومن بين الحاضرين، ساتيا ناديلا، المديرة العامة لمايكروسوفت، وأليكو دانغوت، ولاكشمي ميتال ولاري كولب، ودافيد تايلور، وآخَرون.

ويأتي لقاء الرئيس ماكرون مع أرباب الشركات المتعددة الجنسيات بعدما ألغى حضوره لمؤتمر دافوس الاقتصادي، بسبب صعوبة الوضع الاجتماعي في فرنسا، في الوقت الذي لا تنظر فيه حركة "السترات الصفراء" بعين الرضا إلى علاقات الرئيس مع الأثرياء، والذي ترى فيه أغلبية من الفرنسيين "رئيسا للأثرياء".

كما أن عقد هذا اللقاء في قصر فيرساي، رمز الملكية في فرنسا، يثير كثيرا من الغضب، لأنه يكشف عن نزوع تسلّطي "ملكيّ" لم يستطع الرئيس إيمانويل ماكرون، رغم اشتداد الأزمات من حوله، التخلّص منه.

المساهمون