التحريض ضد الكويت في أميركا: من يقف خلفه ولماذا؟

التحريض ضد الكويت في أميركا: من يقف خلفه ولماذا؟

04 يوليو 2018
سياسة فرض الأمر الواقع من قبل البيت الأبيض(بروك كرافت/Getty)
+ الخط -

صارت إسرائيل مقياس الموقف من دول الخليج بالنسبة لدوائر رئيسية في الساحة الأميركية، خصوصاً بعد أن تبلور الفرز منذ حصار دولة قطر، وسلك الثلاثي السعودي - الإماراتي - البحريني طريق التطبيع مع تل أبيب.

وبقدر ما أثنت هذه الجهات وسخت على المطبِّعين، توعدت ضمناً المعاندين التطبيعَ بالمحاسبة من خلال التحريض ضدهم، مستقوية بمواقع قوى نافذة في الإدارة الأميركية، برئاسة دونالد ترامب، تضغط لتمرير خطة تصفية القضية الفلسطينية عبر ما يسمى زوراً "صفقة القرن" بمواصفاتها الإسرائيلية التي يأتي التطبيع في مقدمتها.



وقد نهض البيت الأبيض بدور رئيسي في هذه اللعبة، تخطيطاً وتشجيعاً، وعلى هذه الخلفية بدأت أخيراً تطل بوادر حملة التحريض التي تطلقها هذه الجهات في بعض وسائل الإعلام الأميركية والتي تصوّب خليجياً على الكويت كما على سلطنة عمان.

وقوف الكويت كعضو حالي في مجلس الأمن إلى جانب الحقوق الفلسطينية، أثار نقمة بعض الأبواق الإسرائيلية في واشنطن التي فتحت السجلات وفق تفسيرات قاموسها لتقدم المواقف الكويتية في هذا الخصوص، على أنها نوع من "التحدي" لأميركا، انطلاقاً من رعاية الكويت مشروع القرار الأخير في المجلس الذي طالب بحماية الفلسطينيين من الاحتلال الإسرائيلي والذي سقط بالفيتو الأميركي.

أما المأخذ الصهيوني الأهم ضد الكويت فهو أنها "تبدي وبوضوح نيتها بعدم الانضمام إلى الركب السعودي - الإماراتي - البحريني المتجه نحو التطبيع مع إسرائيل"، بحسب ما كتبه جوناثان شانذر، نائب "مؤسسة الدفاع عن الديمقرطيات" في واشنطن، وفارشا كوديافور في صحيفة "نيويورك بوسط" في التاسع والعشرين من الشهر الماضي في مقال تحريضي بعنوان "على الكويت أن تسير وفق البرنامج أو أن تحضّر نفسها لغضب ترامب".

مقال يحمل على الكويت علناً عدم سيرها في مواقف ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في اعتبار أنه "من حق إسرائيل أن تعيش بسلام"، ويلومها على عدم تقليد الإمارات والبحرين مثلاً في إرسالهما فرقاً رياضية ووفوداً إلى إسرائيل تعرب لها عن حقها في الدفاع عن نفسها مثلما كتب شانذر وكوديافور في "نيويورك بوسط".

ويظهر الطابع التحريضي العلني من المقال المذكور، حين يقول صراحة إن الكويت لا تزال محايدة إزاء الحملة ضد إيران، لأنها لا تحتاج إلى شراكة مع إسرائيل من أجل تحدي العدائية الإقليمية لإيران، مع سعيها إلى محاولة إبقاء تلك العدائية بعيدة منها. ولا ينسى الكاتبان في هذا السياق توبيخ الكويت على خلفية كل مواقفها إزاء فلسطين، ويعددان في هذا الإطار تصريحات رئيس البرلمان الكويتي، مرزوق الغانم، قبل فترة ضد نائبين من الكنيست عندما وصفهما بأنهما قاتلا أطفال ومحتلان.

وهنا يأتي دور التهديد المباشر الذي كُتب لهذا المقال إيصاله على ما يبدو، عندما يقول شانذر وكوديافور إن "الكويت ترغب في إبقاء نفسها بعيدة من السعودية والإمارات والبحرين في تطبيعهما مع إسرائيل، لكن إن نشرت خطة ترامب للسلام في الأسابيع أو الأشهر المقبلة، فإن الكويت قد تقع في مرمى النيران" (الأميركية)، بما أنه "لا وجود للحياد في استراتيجية ترامب لاحتواء إيران".

لكن وزارة الخارجية الأميركية، امتنعت عن التعليق على مثل هذا الكلام، ذلك أنه "ليس لدي الآن شيء حول هذا الموضوع .. ربما نتابعه لاحقاً". كما قالت الناطقة هاذر ناورت رداً على سؤال لـ"العربي الجديد". جوابها المبهم الذي خلا من الاستنكار، ربما يضمر التوافق مع هذا الطرح الذي يهدد الكويت ضمناً وعلناً على خلفية مواقفها الأخيرة تجاه القضية الفلسطينية خصوصاً، ورفضها السير بوجهة الحلف الإماراتي ــ السعودي للمنطقة عموماً.

والمعلوم أن مستشار الرئيس الأميركي وصهره، جاريد كوشنر، كان قد التقى أخيراً السفير الكويتي في واشنطن، الشيخ سالم الصباح "في جلسة عاصفة" تخللها عتب قوي على الكويت بزعم أنها "عملت في مجلس الأمن على تقويض الموقف الأميركي". وفي أعقاب ذلك، ساد نوع من الفتور في العلاقات تبدّى في اكتفاء البيت الأبيض بمنح تأييده اللفظي فقط لوساطة أمير الكويت، الشيخ صباح الأحمد الصباح، في قضية حصار قطر، إذ اتخذت واشنطن موقف المتفرج عملياً وإن تحدثت عن دعم مسعاه من دون مساعدته في حمل الرياض وأبو ظبي على وقف حملتهما ضد الدوحة.

والمعروف عن "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات" أنها من أبرز المراكز التي تسوّق للمصالح والسياسات الإسرائيلية ومن أكبر المحرضين ضد الجهات والأصوات والمواقف المناوئة لإسرائيل في أميركا. وقد كتب جوناثان شانذر وآخرون من هذه المؤسسة في عدة صحف تناولت بالنقد وبلغة التأليب، ضد جهات خليجية أخرى مثل عُمان بحجة أنها عملت سراً مع إدارة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما "لتسهيل تعاملات إيران المالية الدولية" بطرق متحايلة على العقوبات، وأنها "تساعد إيران على ما يبدو لشن حروب بالوكالة ضد السعودية في اليمن".



مزاعم جرى استحضارها لتوظيفها في إطار التهويل والتوعد المبطن بدافع فرض التطبيع ليس إلا. وقد يكون هذا السرد مؤشراً إلى توجه إملائي متشدد تنوي إدارة ترامب اعتماده مع المعاندين الخليجيين، لتطويع مواقفهم. والمعروف أن البيت الأبيض لا يتردد في ممارسة سياسة فرض الأمر الواقع، إذا أمكنه ذلك وقضت حساباته بذلك، والسوابق تشهد.

ومعروف أيضاً أن مصادر البيت الأبيض تمهد لمواقفها وسياساتها إلى الجهات التي تلتقي معها في التوجه، وتتأثر بحملات وطروحات هذه الجهات وبالذات تلك التي تحتضن وترعى الأجندة الإسرائيلية في واشنطن.