التطبيع كمكسب انتخابي لليمين الإسرائيلي

التطبيع كمكسب انتخابي لليمين الإسرائيلي

11 ديسمبر 2018
خلال تظاهرة ضد محمد بن سلمان في تونس (Getty)
+ الخط -

لم تعُد إسرائيل تكتفي بتوظيف علاقاتها ببعض أنظمة الحكم العربية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية والأمنية، ولا سيما في ما يتعلّق بمواجهة إيران، والتصدي للمخاطر التي تتهددها على الجبهات كلها؛ بل إنّ دوائر الحكم في تل أبيب اكتشفت أنّ استعداد هذه الأنظمة لتطوير التطبيع مع دولة الاحتلال، يمكن استغلاله في تعزيز مكانة اليمين الإسرائيلي وضمان بقائه في الحكم، من خلال توظيفه في محاصرة المعارضة التي تنتمي إلى "اليسار والوسط"، وتفنيد خطابها، والتدليل على تهاوي مصداقيته. وتتباهى نخب اليمين الحاكم في تل أبيب بأنه على الرغم من المواقف المتشددة التي تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو إزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ورفضها تقديم أي "تنازلات" يمكن أن تسمح فقط باستئناف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وإصرارها على مواصلة الاستيطان والتهويد، فإنّ المزيد من أنظمة الحكم العربية تبدي اهتماماً بتطبيع علاقتها مع إسرائيل.

ويتخذ وزراء ونواب اليمين في تل أبيب من استعداد أنظمة الحكم العربية للتطبيع مع إسرائيل، مسوغاً للسخرية من الحجج التي تسوقها بعض قوى اليسار والوسط الإسرائيلي التي تنتقد نتنياهو بسبب رفضه إبداء أي مرونة تسمح باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بهدف حلّ الصراع. وفي سعيه لدحض بعض الدعوات التي تطلق في تل أبيب لحل الصراع مع الفلسطينيين بوصف هذه الخطوة مقدمة لتحسين مكانة إسرائيل الإقليمية، يردّ نتنياهو بأنّ حرص الدول العربية على التعاون السري في مجالات أمنية واستخبارية واستعدادها للتطبيع العلني، يدلّ على أن القضية الفلسطينية لم تعد، في نظر قادة هذه الدول، سبباً لعدم الاستقرار في المنطقة.

واللافت أنّ اليمين الحاكم في إسرائيل انتقل، في توظيفه لمظاهر التطبيع، من مجرّد استغلالها في السجال الداخلي ومواجهة معارضيه، إلى تحويلها إلى "ذخر" انتخابي يمكن أن يسهم في منحه المزيد من المكاسب لصالحه. ولعل ما كشفت عنه قناة التلفزة الإسرائيلية الثانية أخيراً من أنّ نتنياهو يعمل على إقناع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بنقل العلاقة مع الرياض من طور السرية إلى العلن قبل موعد إجراء الانتخابات التشريعية المقبلة، التي من المفترض أن تجرى في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، يدل على هذا التحوّل في توظيف التطبيع.




فمن أجل تقليص تأثير قضايا الفساد التي تلاحقه وعائلته، ولدرء انعكاسات ما يوصف في تل أبيب بأنه "إخفاق" في مواجهة المقاومة في قطاع غزة ولبنان، على نتائج الانتخابات المقبلة، يراهن نتنياهو على تأثير قرار دولة بحجم السعودية التطبيع العلني مع إسرائيل، على أنماط تصويت الناخبين. وهذا ما جعل نتنياهو يستغلّ أزمة تفجّر قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وحاجة بن سلمان الماسة إلى إسناد الرئيس الأميركي دونالد ترامب للإفلات منها، ليعمد إلى الطلب من الإدارة الأميركية مساعدته في إقناع السعوديين بالتطبيع العلني قبل حلول موعد الاستحقاق الانتخابي. ويستعين نتنياهو بخدمات الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، لا سيما "الموساد" ورئيسه يوسي كوهين، الذي ينتمي إلى التيار الديني القومي، للضغط على المستويات الأمنية والاستخبارية السعودية التي تدل كل المؤشرات على أنها تحافظ على علاقة وثيقة بالاستخبارات الإسرائيلية، لإقناع بن سلمان بالإقدام على هذه الخطوة.

وقد استمدّ نتنياهو وفريقه التشجيع من مظاهر سلوك بن سلمان وجملة المواقف التي عبّر عنها في لقائه الأخير مع قادة الجماعات الإنجيلية الأميركية برئاسة الأميركي الإسرائيلي المتطرف جويل روزنبيرغ، الذي قدّم تصوراً عن اللقاء في مقابلات مع وسائل إعلام إسرائيلية وأميركية، يستشف منه أن ولي العهد السعودي حريص على تحسين العلاقة مع إسرائيل.

وقد سبق لنتنياهو عام 2015 أن وظّف علاقته الخاصة بنظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في محاولة توفير ظروف تسمح بضم "حزب العمل" المعارض لحكومته. فقد كشفت وسائل إعلام إسرائيلية في حينه، أنّ الخطاب الذي ألقاه السيسي في أسيوط بتاريخ 17 مايو/أيار 2015 وأعلن فيه عن "المبادرة المصرية" لحل الصراع، تمّ بطلب من نتنياهو، وذلك لتمكين زعيم "حزب العمل"، إسحاق هيرتزوغ، من تفنيد دعاوى قادة الحزب الذين يرون أنّ الانضمام إلى حكومة نتنياهو يتعارض مع خط الحزب المنادي بتسوية الصراع.

ومن المفارقة أنّ لعب دور في التطبيع بات يوظّف من قبل الساسة الإسرائيليين كمسوغ للمطالبة بالتقدّم في سلك الدولة. فعلى سبيل المثال، يرى وزير الاستخبارات والمواصلات، يسرائيل كاتس، أنه الأجدر بتولي وزارة الخارجية في حال تخلى عنها نتنياهو، بسبب دوره في تعزيز مكانة إسرائيل الإقليمية، حيث يشير إلى الزيارة "الناجحة" التي قام بها إلى سلطنة عمان، الشهر الماضي. وقد بات في حكم المؤكد أنّ استعداد الأنظمة العربية للتطبيع قد أثّر بشكل واضح على اتجاهات الجدل العام في إسرائيل، حيث يلحظ تراجع كبير في زخم الدعوات لبذل جهود لحلّ الصراع مع الفلسطينيين، إلى جانب انخفاض مستوى الانتقادات للمواقف المتطرفة ذات الطابع الفج، الذي يعبر عنها بعض الساسة من اليمين.

فعندما تُستقبل وزيرة الثقافة والرياضة الليكودية المتطرفة، ميري ريغف، بحفاوة كبيرة في أبوظبي لدى مشاركتها في بطولة "الجودو"، وهي التي وصفت صوت الأذان المنبعث من المسجد الأقصى بأنه "نباح كلاب محمد"، فإنه من الصعوبة بمكان أن يتم توجيه انتقادات لها داخل إسرائيل بسبب تطرّفها.