قانون القومية اليهودي: التداعيات المتوقعة

قانون القومية اليهودي: التداعيات المتوقعة

21 يوليو 2018
يتطلّع الاحتلال لتوسعة مستوطناته (جاك غويز/ فرانس برس)
+ الخط -
ليس أسهل من الوقوع في شرك تكرار مقولات باتت بديهية في التعامل مع دولة الاحتلال، والآن مع قانون القومية الجديد الذي أقرّه الكنيست في الثالثة من فجر يوم الخميس، بإعلان مفاده ضمنياً بأن "القانون حوّل إسرائيل إلى دولة أبرتهايد"، أو أن "القانون يكرّس العنصرية الإسرائيلية". وهي مقولات صحيحة عموماً، بل حظيت بدراسات وكتب ومئات، إن لم يكن آلاف، المقالات. وقد يكون ذلك أكثر ما يفيد دولة إسرائيل في حال التركيز على البُعد "القانوني" و"حقوق الإنسان"، لأنه يغيّب الإعلان الأهم للقانون، الذي تقصده حكومة الاحتلال الحالية، وهو العودة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى بداياته الأولى منذ وعد بلفور والتعامل مع الفلسطينيين كأفراد ينتمون إلى أقليات دينية من دون أي حقوق قومية أو وطنية. وهو ما أكد عليه البند الأول للقانون الجديد، الذي جاء ليكمل (من وجهة نظر اليمين الإسرائيلي العلماني واليمين الديني الصهيوني) ما ظلّ ناقصاً في وثيقة إعلان الدولة الإسرائيلية التي صاغها بشكل أساسي ديفيد بن غوريون، ومن ثم تصحيح المسار بموجب التعديل الجديد، على الرغم من أن القانون يعرض كقانون توجيهي أساسي لا يحمل بنوداً تنفيذية وأنه قانون تصريحي أو إعلان نوايا، هي في حالة الحكم القائم في إسرائيل مقدمة لخطة عمل بدأت بنودها منذ زمن.

وعليه، فإن التداعيات المتوقّعة بل والمباشرة للقانون الجديد تبدأ في البعد القومي الوطني أولاً، بنفي وجود شعب آخر على أرض فلسطين له حق تقرير المصير وما يترتب على هذه المقولة من نتائج وتداعيات على باقي الفروع، سواء الفلسطينيين في "المناطق سي" من الضفة الغربية أو الفلسطينيين في القدس المحتلة والقرى المحيطة بها التي تم ضمها إلى القدس، وصولاً إلى تداعيات لا تقلّ خطورة حتى على الوجود الفلسطيني في داخل حدود 1948، ومجال حياتهم ونشاطهم وتنظيمهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

يمكن القول إن القانون بمجرد إعلانه أنه لا حقّ لأحد غير اليهود في تقرير المصير، يلغي عملياً كل اتفاقيات أوسلو، وكل المسار التفاوضي الحالي والمستقبلي، لأنه لن يكون بمقدور حكومة عتيدة الخوض في مفاوضات جادة مع الطرف الفلسطيني، انطلاقاً من الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، لأن ذلك سيكون مناقضاً للقانون الأساسي، إلا في حال تم تغييره. وهو ما يتطلّب، بحسب القانون، أغلبية مطلقة، أي 61 عضواً في الكنيست من أصل 120، لكن الأمر يبدو غير واقعي على الإطلاق. وهو ما ينطبق بطبيعة الحال حتى على مقترحات تسوية في القدس المحتلة، لا بروح مسار كلينتون، ولا حتى بروح صفقة أبو ديس كقدس بديلة للقدس المحتلة وعاصمة للفلسطينيين.

يمهّد القانون في نفس السياق "التفاوضي" الطريق نحو رفض أي مقترح بشأن حق العودة مقابل فتح الباب أمام استمرار الهجرة اليهودية. كذلك يفتح الطريق أمام تطبيق قانون شرعنة الاستيطان، المعلّق حالياً بانتظار حسم من المحكمة الإسرائيلية العليا. وهو القانون الذي يهدف إلى "تبييض" آلاف الوحدات السكنية التي أقامها الاحتلال، سواء في مستوطنات "رسمية" بحسب قانونه أو في البؤر الاستيطانية التي تعتبر وفق القانون القائم، قبل سنّ قانون القومية، غير قانونية، لأن إزالتها أو المقاضاة بشأنها، كما كانت لغاية الآن، ستكون مناقضة للبند السابع في القانون الأساسي الجديد الذي ينص على: "ترى الدولة في تطوير استيطان يهودي قيمة قومية وتعمل على تشجيع وتطويره".

ولأن القانون الجديد يتحدّث عن تقرير المصير المطلق لليهود فقط في "أرض إسرائيل"، ولا يقول "دولة إسرائيل"، فإن ذلك سيسهّل على الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية مدّ أذرعه بتأييد حكومي في كل مناطق الضفة الغربية المحتلة، خصوصاً المساحات الواسعة من المنطقة "سي"، التي سبق للاحتلال، منذ عام 1967، أن قام بإجراء مسح لها وللقمم والتلال التي كانت مصنفة أراضي ميري وأراضي دولة، أو أراضي موات، وأرضاً مشاعاً، وأدرجها تحت مصنف "أراضي دولة"، من دون أن يكون الآن محكوماً بضوابط القانون الدولي، التي لا يلتفت إليها أصلاً، أو بمراعاة ما يفترض أخذه بعين الحسبان للعملية التفاوضية، بل على العكس من ذلك، سيساعد القانون الاحتلال في تسريع وتكثيف عمليات فرض الوقائع على الأرض المحتلة.

كما أن البند المذكور، مع ما سبق أخيراً من سن قانون جديد حظّر على الفلسطينيين في الضفة الغربية التقاضي أمام المحكمة العليا بشأن نزاعات على الأراضي أو ضد قرارات "الإدارة المدنية للاحتلال" بشأن مصادرات أراضٍ فلسطينية جديدة، سيُشكّل مرجعية للمحكمة اللوائية الإدارية التي أسستها وزيرة العدل الإسرائيلية أيليت شاكيد ووضعت على رأسها قاضية كانت مسؤولة عن عملية شرعنة البؤر الاستيطانية، بما يعني مزيداً من عمليات المصادرة والبناء الاستيطاني الذي يتوافق مع إعلان تشجيع الاستيطان اليهودي (من دون تحديد موقعه الجغرافي) قيمة قومية.

وينسحب هذا البند أيضاً على منح تسهيلات هائلة، اقتصادية وتخطيطية، للاستيطان تحت نفس مبدأ روح القانون الذي يعتبر الاستيطان اليهودي وتشجيعه قيمة قومية، من دون أن يحدّد القانون أي محاذير في هذا السياق، أو خطوط حمراء لا يجوز تخطيها، بل سيمكن المحكمة الإدارية الجديدة من إخضاع كل هذه الممارسات المستقبلية لخدمة قيمة تشجيع الاستيطان اليهودي. وهو ما قد تكون له ترجمة فعلية أولية ومباشرة مثلاً في ترحيل عرب الجهالين من الخان الأخضر، لصالح توسيع مستوطنة كفار أدوميم، وترحيل وطرد أهالي سوسيا القريبة من الخليل لصالح مستوطنة سوسيا، فضلاً عن الاستيلاء المرتقب على عشرات آلاف الدونمات في غور الأردن لصالح المستوطنات القائمة.

لعل أبرز ما يختصّ في الأراضي التابعة لعرب 1948، من الجليل إلى النقب، الذين فُرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية، فإن القانون الجديد يشكل غطاء جديداً وباباً يمنح المحكمة العليا نفسها، أو يفرض عليها أن تعتمد بنود القانون في سياق القضايا اليومية والحياتية، منها مثلاً تغييب وحذف بند المساواة من القانون الجديد، ومنها أيضاً تغييب مبدأ الديمقراطية. ويعني هذا أن "الدولة" لن تكون من الآن فصاعداً ملزمة بانتهاج، ولو رسمياً وعلى الورق، مبدأ المساواة في رصد الميزانيات، أو الخطط والبرامج لتطوير المجتمع الفلسطيني بالداخل.

في المقابل سيكون بمقدور "الدولة"، كما سيكون الحال في الضفة الغربية المحتلة، دفع ورصد الميزانيات الهائلة لتهويد الجليل والنقب من دون أن تكون مضطرة لاعتماد سياسة المساواة، ولا حتى في مجال العطاءات والمناقصات الرسمية، المختلفة، لأنه يكفي أن تعلن أن المخطط المقترح، أو الميزانية المرصودة هي وفقاً لمبدأ التزام "الدولة" بتشجيع الاستيطان اليهودي وتعزيزه، وفق القانون الجديد. سيطلق هذا أيادي "الدولة" فتكون حرة في رصد الميزانيات لهيئات يهودية صهيونية تعتمد التمييز العنصري مثل الصندوق القومي لإسرائيل، في بناء المستوطنات وعدم السماح بقبول العرب فيها. كذلك سيتيح القانون لمديرية أراضي إسرائيل مواصلة سياسة التمييز العنصري، على الرغم من كونها مؤسسة حكومية رسمية، طالما كان هذا ضمن مجال الاستيطان اليهودي وتشجيعه.

وسيكون بمقدور "الدولة" وضع كل مواردها تحت بند "تشجيع الاستيطان اليهودي"، بدءاً من التمييز في ميزانيات التعليم وانتهاء حتى بميزانيات جودة البيئة والزراعة، وكل مجالات الحياة، خصوصاً أن للقانون الجديد مكانة دستورية ملزمة، خلافاً مثلاً لإعلان وثيقة الاستقلال التي نصّت على أن "الدولة تهتم بتطوير البلاد لرفاهية كافة سكانها من دون تمييز على أساس العرق والدين والجنس...".

لكن أخطر ما يأتي به القانون هو في مجال النشاط السياسي والتنظيم السياسي للفلسطينيين في الداخل، إذ سابقاً اضطرت المحكمة الإسرائيلية العليا إلى إلغاء قرارات لجنة الانتخابات المركزية بمنع الأحزاب العربية، تحديداً "التجمع الوطني الديمقراطي"، من خوض الانتخابات لعدم اعتراف هذه الأحزاب بإسرائيل كـ"دولة يهودية"، أو "طابع الدولة اليهودي"، لكن تعريف "الدولة" باعتبارها "دولة الشعب اليهودي" يفتح المجال أمام تعديل إضافي لقانون الانتخابات في سياق إضافة بند يلزم كل حزب أو تنظيم سياسي، ولو على مستوى الانتخابات للمجالس والبلديات، التصريح رسمياً بقبول "تعريف الدولة" باعتبارها "الدولة القومية للشعب اليهودي"، وما عدا ذلك، فإنه سيكون بمقدور المحكمة، أيضاً، منع هذا الحزب من المشاركة في الانتخابات، من دون أن يكون بمقدور المحكمة العليا نقض قرار الشطب والإقصاء، ما دام يتوافق والقانون الأساسي "الدولة القومية".

إلى ذلك، فإن بنود القانون المتعلقة بخفض مكانة اللغة العربية، والرموز اليهودية للدولة بدءاً من النشيد القومي "هتكفا"، مروراً بالشمعدان اليهودي والعلم بنجمة داوود، ستحول مستقبلاً دون أي نشاط أو دعوات لتغيير النشيد والعلم، لأن ذلك سيعتبر مناقضاً للقانون ومنافياً له. وهو بالتالي لا يرسخ هوية يهودية قومية ولكن دينية أيضاً، انطلاقاً من مقولة المادة الثانية من البند الأول: "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، فيها يمارس حقه الطبيعي، والثقافي والديني والتاريخي في تقرير مصيره".

المساهمون