أسوأ هواجس أوروبا يتبدد بفوز ماكرون: التفاؤل الحذر

أسوأ هواجس أوروبا يتبدد بفوز ماكرون: التفاؤل الحذر

08 مايو 2017
التقى ماكرون بميركل سابقاً حين كان وزيراً(ألان جوكار/فرانس برس)
+ الخط -
أعطى انتخاب إمانويل ماكرون، رئيساً للجمهورية الفرنسية، أملاً جديداً للاتحاد الأوروبي الذي يتعرض لموجة شعبوية رافضة لفكرة الاتحاد، كادت تقود إلى السلطة في فرنسا مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، التي طرحت برنامجاً مناقضاً للمشروع الأوروبي ولليورو.

وسادت أجواء الارتياح لدى القادة الأوروبيين، خصوصاً الألمان، والذين ينظرون بقلق إلى مصير مؤسسة تواجه نكسة خروج بريطانيا منها، وما يمكن أن يحمله "بريكست" من تداعيات على وجود البناء الأوروبي. في موازاة ذلك، لم يتأخر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في دعوة ماكرون إلى تجاوز "حالة عدم الثقة المتبادلة" و"توحيد الجهود لضمان الاستقرار والأمن الدوليين".
بعضهم في أوروبا تحدث عن عدم تحقيق سيناريوهات كارثية. وبعضهم الآخر رأى أن أوروبا حصلت على فرصة ثانية للبحث الجدي في كيفية إخراجها من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وكيفية إعادة بناء ثقة المواطنين بالمشروع الأوروبي. لكن أوساط أوروبية تجمع على ضرورة عدم المبالغة بالتفاؤل، لأن أي فشل محتمل للرئيس الفرنسي المنتخب والقادة الأوروبيين بتجاوز الأزمات والمشاكل، قد ينسف لاحقاً، هذا النجاح الفرنسي الذي تحقق الآن بتوجيه ضربة للموجة الشعبوية وإثبات وجود مناعة أوروبية بوجه أفكار اليمين المتطرف الذي حصل على نسبة تأييد شعبي يجب عدم الاستخفاف بها، بحسب بعضهم.

أولى مظاهر الارتياح، عبرت عنها ألمانيا، بإعلان المتحدث باسم المستشارة الألمانية، شتيفن سايفرت، عقب لحظات من ظهور النتائج، مساء الأحد، أن انتخاب ماكرون "هو انتصار لأوروبا قوية وموحدة" وللصداقة الألمانية الفرنسية، فيما لخصت المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أهمية فوز ماكرون بقولها، الإثنين، إن الرئيس المنتخب يمثل "آمال ملايين الفرنسيين والكثير من الأشخاص في ألمانيا وأوروبا". كما اعتبرت أنه "خاض حملة شجاعة مؤيدة لأوروبا ويدافع عن الانفتاح على العالم وهو مؤيد بقوة لاقتصاد السوق الاجتماعي"، فيما كانت مصادر قد ذكرت أن  ماكرون تحدث عبر الهاتف بعد فوزه إلى ميركل، ووعدها بزيارة برلين قريباً.

بدوره، رأى وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، أن فوز ماكرون يدل على أن "فرنسا كانت وستبقى في وسط وقلب أوروبا". 

وعكست تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي مدى اطمئنانهم لانتخاب ماكرون. واعتبر رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أن الفرنسيين اختاروا "مستقبلاً أوروبياً". وهنأ يونكر الرئيس المنتخب قائلاً، إنه سعيد بدفاع ماكرون عن أوروبا قوية وتقدمية. وقال يونكر في رسالة التهنئة لماكرون إن "المفوضية الأوروبية تعمل منذ عامين ونصف العام على بناء أوروبا أفضل... أوروبا تحمي مواطنينا وتعطيهم سبل التفاعل". وتابع "تعرف عزمي على اتباع هذه الأجندة حتى نهاية فترتي. لدي الثقة الكاملة في أن تعاوننا سيكون مثمراً وسيسمح لنا بتعزيز أهدافنا المشتركة سوياً"، على حد قول يونكر. بدوره، رحب رئيس المجلس الأوروبي، دونالد توسك، بقرار الفرنسيين المؤيد لمبادئ "الحرية والمساواة والأخوة". وكتب رئيس البرلمان الأوروبي، أنطونيو تاجاني، في تغريدة على تويتر، "نعتمد على فرنسا في قلب أوروبا لكي نغير معاً الاتحاد ونقرب بين مواطنيه"، وفق تعبيره.


وفي مقابل هذا الارتياح والاطمئنان، هناك من يميل إلى التفاؤل الحذر. فقد قال مسؤول ألماني كبير طلب عدم نشر اسمه، إن "ماكرون أمامه من 12 إلى 15 شهراً لاتخاذ القرارات الضرورية حتى تتضح الفوائد". وعلى المستوى الأوروبي يتعين عليه إقناع ميركل بتطوير رؤية موحدة لدفع أوروبا للأمام، بحسب المصدر نفسه.

وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي في مؤسسة "بروغيل" للأبحاث في بروكسل، نيكولاس فيرون، إنه "مهما قلنا فلن نستطيع تأكيد مدى التغيير الذي سيحدثه (انتخاب ماكرون) للتطورات في الاتحاد الأوروبي".
ويعكس هذا التحليل موقفاً يدعو إلى عدم الإفراط بالتفاؤل لأنه من المستبعد أن تختفي موجة معاداة المؤسسة الأوروبية في القريب العاجل. واعتبر المحلل في مجلس "مجموعة أوروبا-آسيا"، شارل ليشفيد، أن "المهمة لن تكون سهلة" بالنسبة لماكرون. وقال، إن الفوز على لوبان "يترك ماكرون في موقف هش. لقد انتفض ضد هجمات لوبان على العولمة والاتحاد الأوروبي والانفتاح، والآن أصبح يتحمل مسؤولية إثبات أن هذا الأمر يستحق العناء".
ومن أجل التصدي لمخاطر "عودة النزعة القومية" بحسب قول الباحث روبن هوغينو-نويل من مركز "السياسة الأوروبية"، سيكون على ماكرون أن يثبت أن الانضمام للاتحاد الأوروبي "يمكن أن يكون أيضاً أداة فعالة لإدارة القوى السلبية للعولمة"، وفق تعبيره.

هذا التعامل الحذر مع انتصار ماكرون في فرنسا يرتبط بجزء كبير منه، بالزلزال الذي ضرب أوروبا، بعد تصويت البريطانيين في يونيو/حزيران الماضي على خروج بلادهم من الاتحاد. وتعتقد دوائر صنع القرار في فرنسا وألمانيا أن "بريكسيت" أتى ليعزز الشكوك بمستقبل المشروع الأوروبي ولتضعه أمام اختبار القدرة على الاستمرار والنجاح وإثبات فعالتيه. وفي هذا الصدد، تروج أوساط الرئيس الفرنسي المنتخب، بأنه سيؤدي دوراً هاماً في مفاوضات بريطانيا للخروج من الاتحاد. وقال مستشاره الاقتصادي، جان بيزاني فيري، الإثنين، إن ماكرون سيكون صارماً في مفاوضات "بريكسيت" إلا أنه لن يسعى لمعاقبة لندن، وفق تعبيره. وأضاف أنه ما من أحد يريد انفصالاً صعباً لبريطانيا يقطع أواصر العلاقات تماماً بينها وبين باقي أعضاء الاتحاد الأوروبي بمجرد انسحابها منه. وأضاف أن هناك مصلحة متبادلة في الحفاظ على الروابط الاقتصادية والأمنية، وذلك في معرض حديثه لهيئة الإذاعة والتلفزيون البريطانية (بي.بي.سي). وكانت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، هنأت ماكرون بفوزه، وقالت إنها تتطلع للعمل معه بشأن مجموعة من القضايا المشتركة، مؤكدةً له أن "بريطانيا تريد شراكة قوية مع الاتحاد الأوروبي".

وفي إطار ردود الفعل الأوروبية على انتخاب ماكرون، كتب رئيس الحكومة الإيطالية، باولو جنتيلوني، على "تويتر": "فليعش ماكرون رئيساً. أمل جديد في أوروبا". وكتب رئيس الحكومة الإسبانية، ماريانو راخوي، قائلاً "فلنتعاون في فرنسا وإسبانيا من أجل أوروبا مستقرة ومزدهرة ومندمجة أكثر". وصرح رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشال، أن انتخاب ماكرون يشكل "رفضاً واضحاً لمشروع الانكفاء الخطير لأوروبا التي انتصرت اليوم". ووجه رئيس الوزراء الدنماركي، لارس لوكي راسموسن، تهانيه إلى ماكرون قائلاً "يمكننا تحقيق نتائج معاً أكثر مما حين نكون وحدنا". وقال رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، إن فوز ماكرون "مصدر وحي لفرنسا وأوروبا". وماكرون يؤيد إعادة هيكلة الدين اليوناني.

( العربي الجديد، رويترز، فرانس برس)

المساهمون