ترامب وحرب الحصار على إيران: سياسة "المحصول الصفري"

ترامب وحرب الحصار على إيران: سياسة "المحصول الصفري"

22 مايو 2018
سياسة ترامب الخارجية تقوم على معادلة "المحصول الصفري" (Getty)
+ الخط -



ما طرحه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أمس على إيران، بدا لكثيرين في واشنطن "غير واقعي" إن لم يكن تعجيزياً. فبصرف النظر عن الموقف من طهران التي ليس لها أصدقاء أو متعاطفون في واشنطن، يرى معظم المراقبين أن دزينة الشروط التي سردها الوزير مُصمَّمة عمداً لترفضها إيران خاصة وأن المتعلق منها بالاتفاق النووي ترفضه كافة الدول المتمسكة به وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي. وفي ذلك مشروع أزمة كبيرة في المنطقة ربما تطاول العلاقات الأميركية الأوروبية.

قال الوزير بومبيو في عرضه لخريطة طريق ما بعد الانسحاب من اتفاق 2015 النووي، إن إدارة ترامب تريد وضع إطار جديد شامل للعلاقة مع طهران وأنها اغتنمت فرصة الانسحاب الأميركي من الاتفاق لاستبداله بآخر "أفضل" منه.

ووصف التوجه بأنه "تحول استراتيجي جوهري" في سياسة الإدارة تجاه إيران. وهو يعني الانتقال من سياسة الاحتواء التي اعتمدها باراك أوباما إلى خيار الردع. واكتفى في هذا الصدد بالإشارة إلى عزم الإدارة على فرض عقوبات على إيران غير مسبوقة بقساوتها، كما على مطاردة "وكلاء" وأذرع إيران "لسحقهم أينما وُجدوا في العالم".

لكن العقوبات لا ترقى مفاعيلها مهما كانت مؤذية، إلى مستوى التحول الاستراتيجي في العلاقات. مثال على ذلك، العقوبات الأميركية المشددة على موسكو. ثم أن هذا الإجراء لا يقوى على إعطاء المردود المنشود من دون تحالف واسع مشارك فيه.

واشنطن قد ترغم أطرافاً دولية كثيرة على الالتزام بالعقوبات على إيران، لأنها تمسك بزمام النظام المالي والتعامل بالدولار في العمليات التجارية الدولية. وبالفعل بدأت شركات كبيرة تفرمل مشاريعها أو توقفها في إيران بعد التحذيرات الأميركية بمعاقبتها. منها مثلاً شركة توتال النفطية الفرنسية التي كانت قد باشرت العمل في حقل فارس للغاز الإيراني؛ لأن 90% من تمويلها مصدره بنوك أميركية.

لكن ليس هذا حال كافة الشركات. ثم هناك عمليات الالتفاف على العقوبات خاصة إذا كانت حيثياتها مفروضة وليست ملزمة بذاتها. فضلاً عن ذلك، قد تؤدي الحرب على الشركات إلى أزمة أوروبية – أميركية غير مستبعدة، في ضوء التوتر الراهن في العلاقات والذي فاقمه الانسحاب الأميركي من النووي الإيراني. ثم هناك خطر آخر على المدى الأبعد. فالإدمان الأميركي على العقوبات ضد الآخرين "من شأنه أن يشجع المحاولات التي بدأت تتبلور لترتيب صيغة لعمليات تجارية دولية بغير الدولار"، كما يحذر وليام راين الباحث في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن.

نفس المعادلة تنطبق على التصدي لدور إيران في المنطقة. فهو يحتاج إلى تحالف واسع يطالب طهران بالتراجع عنه، كما اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وباقي الأوروبيين وهو ما رفضه الرئيس ترامب وأصر على مغادرة الاتفاق النووي.

ولم يكن من غير مغزى أن يشير الوزير بومبيو فقط إلى التحالف الإقليمي، إسرائيل وبعض دول الخليج كشريك في التصدي لهذا الدور من دون أن يحدد بالضبط الدور الأميركي في هذا المجال. وكأن المقصود تسعير الاشتباك الإقليمي. خاصة وأن خريطة بومبيو جاءت لتنسف المسعى التسووي الأوروبي مع طهران. كذلك جاءت لتصب المياه في طاحونة الفريق المتشدد في طهران وبما يكفل المزيد من تأجيج الصراعات في المنطقة.

لم يكن صدفة أن يلقي الوزير بومبيو خطابه الأول في السياسة الخارجية من على منبر مؤسسة "هاريتاج فاوندايشن" للدراسات والتي تعتبر منبت الفكر المحافظ المتشدد، كما لم يكن توقيت حديثه واختيار الموضوع الإيراني من غير مدلول. به ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: وضع الملف الإيراني فوق نار حامية. وجاء عشية القمة الأميركية – الكورية الجنوبية قبل القمة الموعودة بين ترامب وكيم ولكن غير المضمون انعقادها في 12 يونيو/حزيران، ليحذر بأن الحلول النووية الجزئية والتدريجية لا مكان لها في قاموس إدارة ترامب التي تتبنى "النموذج الليبي".

وأخيراً جاء ليؤكد على أن السياسة الخارجية من الآن وصاعداً تقوم على معادلة "المحصول الصفري"، إذ لا مجال فيها لدبلوماسية التنازلات المتبادلة: إما كل المطلوب دفعة واحدة وإما فلا شيء. مقاربة يحذر كثيرون من عواقب تبسيطها للقضايا المعقدة التي تتطلب السير على طريق من خطين.