زبائنية العلاقة الأميركية عربياً

زبائنية العلاقة الأميركية عربياً

18 أكتوبر 2018
وقفة قرب السفارة السعودية بواشنطن للمطالبة بكشف مصير خاشقجي(الأناضول)
+ الخط -
أعادت جهود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في قضية جمال خاشقجي، إلى الواجهة مجدداً، ما ظلّ يكرره مثقفون وساسة عرب وغربيون، عن ازدواجية ونفاق شعارات الغرب، وخصوصاً واشنطن، حول الديمقراطية والحريات ودولة القانون، في صلاتها بأنظمة الاستبداد عربياً. ولعلّ التصريحات المتكرّرة، حول أهمية العلاقات الزبائنية والأمنية، والحاجات الجيوسياسية، لتبرئة القتلة، تدفع للسطح ما كان يُساق كـ"تكهنات"، عن تفضيل بعض الغرب المؤثّر للنخب الحاكمة، بتبعية حمائية، مع كثير الاستخفاف بالرأي العام العربي. وجاء الموقف الإسرائيلي الأخير من القضية، والمحتفى به سعودياً، ليضيف مصداقية عن تعمّق العلاقة مع أطراف خليجية. وتحت شعار "الديمقراطية الوحيدة" في المنطقة، سعى الاحتلال دوماً لتعزيز العلاقة مع هذه الدول وتعزيز وجود هذه الأنظمة التي يقارن نفسه بها، وهو على الأقل ما كشفه تفضيله نظامي بشار الأسد والانقلاب في مصر، وغيرهما. وعليه تتضح أكثر أسباب تلاقي قوى غربية وعربية وإسرائيلية لإفشال أي اتجاه تحرّري يؤسس لرأي عام عربي وازن ومهم في العلاقات الدولية، والمحاسبة ومواجهة الفساد والتأسيس للديمقراطية.

أيضاً، ليس سراً أنّ شركات الإنتاج العملاقة غربياً، وبدعم حكومي، وعبر الفساد والرشى، كما في صفقة اليمامة، لم تهتمّ يوماً، مع الكومبرادور (طبقة وكيل رأس المال الحاكمة) العربي، سوى بعقود تبقي على تخلّف الاقتصاد العربي وترسّخ لريعيته واستهلاكيته... ما يفسّر ربما هذا التكالب على طمس معالم الجريمة الفردية والجماعية، من سورية إلى اليمن وصولاً لتركيا.

خلال مرحلة الربيع العربي، وما تلاه، سوّقت أذرع بروباغندا الاستبداد فكرة أنّ "الثورات العربية مشروع صهيوني-غربي"، مع الحرص على دعم أنظمة الثورات المضادة، وإغراق الحالات العربية في الاحتراب الداخلي، لكنّ هؤلاء يُسقطون عن قصد علاقة الرضا والدعم الغربيين للأنظمة التسلطية الشمولية، وبصفقات مشبوهة، من السلاح إلى تقنيات مراقبة وتلصص طاولت الناشطين. وليس بعيداً تنكشف حالة التضامن البيني بين المستبدين، بصمت رسمي عربي على جريمة قتل خاشقجي، عكس الانشغال الدولي. فرغم كذبة التضاد، جاء موقف وزير خارجية الأسد، وليد المعلم، بالتهكّم على الجريمة والضحية، ليعبّر عن العقل الباطني للاستبداد العربي، وسط تصفيق "زملاء المهنة"، ممن يسمّون صحافيين.

في المجمل، يوضح التلاقي الأميركي-العربي-الإسرائيلي، بالاستخفاف بعقول العرب ومحاولات إيجاد مخارج، كما يفعلون مع نظام الأسد، إصراراً على فكرة سائدة عن أنّ ما تستحقّه بلادهم ليس سوى أنظمة استبدادية كيميائية و"منشارية". وتلك فكرة خطيرة جداً حال انفجر الشارع العربي، وإن راهنوا على أنّ الشعوب تنسى، بستر الوقائع بالمال والشعارات.