الحكومة اللبنانية مؤجلة: المعوّقات من العقوبات وصولاً لحزب الله

الحكومة اللبنانية مؤجلة: المعوّقات من العقوبات وصولاً لحزب الله

15 نوفمبر 2018
ترك الحريري الباب مفتوحاً أمام "حزب الله" (حسين بيضون)
+ الخط -
لم يخرج خطاب رئيس الحكومة اللبنانية المكلّف سعد الحريري عن الثوابت التي أرساها سابقاً خلال تجربته السياسية، وإن انتقد هذه التجربة ضمناً عندما أشار إلى أنه لم يعد قادراً على إقناع نفسه بتقديم تنازلات جديدة من أجل المصلحة الوطنية، وذلك في إطار ردّه على الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله، والذي تضمّن تهديدات واضحة وإصراراً على أنّ الحكومة لا يمكن أن تبصر النور من دون تحقيق مطلبه المتمثّل بتوزير أحد النواب السنة الستة المحسوبين على حزب الله في الحكومة العتيدة.

في الشكل، لقي خطاب الحريري قبولاً في الأوساط السياسية اللبنانية، خصوصاً لجهة تحديد سقف الردّ بالحديث عن صلاحيات رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية، وحصره بالأزمة الحالية، وهو سقف فرضته الاتصالات الأخيرة التي جرت قبل ربع الساعة الأخيرة من المؤتمر الصحافي الذي عقده الحريري يوم الثلاثاء، والذي كان فاصلاً ومانعاً من تصعيد الأخير وتوسيع ردّه.

في الشكل أيضاً، بدا الخطاب مركّزاً على الأزمة الحالية المتعلّقة بتوزير أحد النواب السنة المحسوبين على "حزب الله" أو المعارضين لـ"تيار المستقبل" الذي يقوده الحريري ويحظى بأكبر تمثيل داخل الطائفة السنية. غير أنّ الحريري استهلّ خطابه بالإشارة إلى أنّ "القصة" أكبر من توزير شخصية سنية من خارج حصة "تيار المستقبل"، من دون أن يشرح حقيقة طرح الحزب وأين تكمن الأزمة الحقيقية.

ما بات مسلماً به في الأوساط السياسية اللبنانية، حتى تلك المقربة من "حزب الله"، أنّ سبب تأخير ولادة الحكومة هو التطور الواضح في حرب العقوبات الأميركية ضدّ إيران و"حزب الله". وفي هذا الإطار، أشارت مصادر مطلعة تحدّثت إلى "العربي الجديد" إلى أنّ ملف الحكومة اللبنانية بات رهينة هذا الصراع، ولن يكون هناك انفراج حكومي قبل معرفة وجه المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة تبدو مصممة على تطويق إيران كلياً. وقد برز ذلك بوضوح من خلال حديث مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، وتعهده بممارسة "أقصى درجات الضغط" على إيران لتصبح صادراتها النفطية "صفراً". كما برز في إعلان ‏وزارة الخارجية الأميركية الثلاثاء، تصنيف نجل نصر الله، جواد نصر الله، "إرهابياً عالمياً"، وذلك بالتزامن مع فرض وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أربعة أشخاص، قالت إنهم "مهمون لحزب الله في ‏العراق ويساعدونه في نقل الأموال والحصول على الأسلحة والتواصل مع إيران".

وعلى الرغم من وضوح المشهد لبنانياً لجهة خطورة الوضع المرتبط أصلاً بواقع "حزب الله" في المعادلتين الإقليمية والدولية، إلا أنّ الحريري سلّف "حزب الله" مجدداً هذه الورقة عبر عدم إشارته تحديداً إلى صلب الأزمة الحقيقية، في ظلّ مرحلة يحتاج فيها الحزب إلى رئيس حكومة "سني" قوي ضمن بيئته، وإلى احتضان لبناني، وغطاء سياسي، على الرغم من قلق كثر على الدولة اللبنانية، وسط تساؤلات عن مدى قدرة لبنان على عدم الالتزام بالعقوبات، أو التماهي مع "حزب الله"، وتأمين ملاذ آمن له، سياسياً ومالياً واقتصادياً.

الأكيد في الأروقة السياسية اللبنانية، وفق مصادر "العربي الجديد"، أنّ "حزب الله" طلب سابقاً ضمانات معينة في أي تشكيلة حكومية ستطرح، والأكيد أيضاً أنّ المرحلة الحالية تتطلّب وقتاً للنضوج، وتالياً لتحديد الحزب ما الذي يريده من هذه الحكومة في المرحلة المقبلة. وريثما تتضح الصورة، لا مانع من البقاء أشهراً من دون حكومة، عسى أن يساهم لاحقاً الإفراج عنها في تحقيق مكاسب سياسية للحزب عبر المساومة على الوضع اللبناني، خصوصاً أنّ أكثر من قوة دولية أبدت في المرحلة الأخيرة اهتمامها بضرورة تأليف الحكومة اللبنانية سريعاً.

وحتى الساعة، لا يزال الحريري بالنسبة لـ"حزب الله" ضرورة، خصوصاً أنّه يشكّل حماية للبنان بمجرد وجوده في رئاسة الحكومة، إذ يُسقط هذا الوجود أي ادعاء بإطباق "حزب الله" سيطرته على الدولة اللبنانية، ووضع لبنان في دائرة الاستهداف دولياً، وتحديداً أميركياً.

وبات الجميع ينتظر اتضاح الصورة، خصوصاً أن حركة رئيس "التيار الوطني الحر" وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، على خطّ حلحلة "العقدة السنية"، لن تحقق مبتغاها، وفق ما قالت مصادر "العربي الجديد"، بما أن "العقدة الحقيقية أكبر"، وفق توصيف الحريري. وريثما تتضح الصورة، سيكون على الجميع التعامل مع واقع جديد، وسيكون على الحريري أن يحدّد مدى قدرته على الالتزام بما تفرضه المرحلة، وما يريده "حزب الله"، وتالياً بقاءه رئيساً للحكومة أو اعتذاره.

وقد ترك الحريري الباب مفتوحاً أمام "حزب الله"، على الرغم من تمسّكه بشروطه، ورفضه إملاءات الحزب، وكذلك تمسّكه بالدستور واتفاق الطائف (الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية عام 1990) وصلاحيات رئاسة الحكومة. لكنه في المقابل كان واضحاً أيضاً بالتمسّك بحريته في البقاء أو التنحي، خصوصاً عندما أكّد أنه لا يقبل بتعطيل البلد، و"كل شي بوقته حلو"، في إشارة منه إلى أنه قد يتنحى في حال كان وجوده معطلاً.

وهذه ليست الإشارة الوحيدة إلى أنّ استبدال الحريري في مرحلة ما مقبلة سيكون خياراً مطروحاً. ففي شقّ أساسي من مؤتمره الصحافي، أكّد الحريري للحزب أنّه الممثل الأول للطائفة السنية، وأنّ أي غطاء يبحث عنه "حزب الله" لا يمكن أن يمرّ سوى من بيت الوسط (مقرّ الحريري)، وليس عبر النواب السنة المستقلين، والأهم ليس عبر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال نهاد المشنوق، الذي كانت انتشرت قبل أيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي عبارات تمجّد به تحت هاشتاغ: "#المشنوق_ضمير_السنة"، ليأتي ردّ سعد الحريري: "أنا بيّ السنة"، وذلك بالتزامن مع تردّد معلومات تفيد بأنّ المشنوق يحاول تسويق نفسه بديلاً للحريري.

عملياً، نجح الحريري قبل الخطاب وبعده في إقفال كلّ الأبواب السنية في وجه "حزب الله"، من دار الفتوى التي وقفت إلى جانبه، إلى رؤساء الحكومات السابقين، وصولاً حتى إلى الشارع السني، الذي شهد التفافاً حول الحريري، على الرغم من أنّ السنوات الأخيرة شهدت تراجعاً واضحاً في شعبيته في هذا الشارع.

وقبل ساعات من خطاب الحريري كانت كل المعلومات والتسريبات تشير إلى أنّ الحصة السنية ضمن الحكومة المؤلفة من 30 مقعداً حكومياً، ستكون موزعة بواقع 5 وزراء لـ"تيار المستقبل"، وواحد من حصة رئاسة الجمهورية. إلا أنّ الحريري فاجأ الجميع بالحديث عن منح كتلة "العزم" التابعة لرئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي مقعداً سنياً، في سياق حديثه عن عدم احتكار التمثيل السني.

وعلمت "العربي الجديد" أن قرار توزير شخصية من تيار "العزم"، لم يطرح خلال الساعات الماضية كحل للعقدة السنية، أي توزير شخصية سنية وسطية من خارج النواب السنة الستة الذين يريد حزب الله أحدهم وزيراً، بل طرح سابقاً خلال مرحلة التقارب الأخيرة بين الحريري وميقاتي والتنسيق بينهما. لكنّ الحريري اختار أخيراً الكشف عن ذلك لحشر "حزب الله"، خصوصاً أنّ طرح نيل "المستقبل" أقل من 4 مقاعد سنية ليس واقعياً، ولا يمكن تحقيقه، لتصبح الكرة في ملعب رئيس الجمهورية، ميشال عون، إذ بات المخرج الوحيد لتمثيل هؤلاء هو عبر المقعد السني المخصّص لرئاسة الجمهورية.