مخاض الحكومة المغربية: طريق العثماني أسهل من رحلة بنكيران؟

مخاض الحكومة المغربية: طريق العثماني أسهل من رحلة بنكيران؟

18 مارس 2017
العثماني: تعييني كان مفاجئاً ويمثل مسؤولية ثقيلة(فاضل سنة/فرانس برس)
+ الخط -
بعد تكليف القيادي في حزب "العدالة والتنمية" المغربي، سعدالدين العثماني، بتشكيل الحكومة الجديدة بدلاً من الأمين العام للحزب، عبد الإله بنكيران، الذي تم إعفاؤه بقرار ملكي بحجة فشله في المهمة التي أوكلت إليه منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، اتسم المشهد السياسي المغربي بأجواء انفتاح، مع إبداء العديد من زعماء الأحزاب، بما فيها حزب "الأصالة والمعاصرة"، استعدادهم للتعاون مع خليفة بنكيران. وأبدى زعيم حزب "الأحرار"، عزيز أخنوش، وزعيم "الاتحاد الاشتراكي"، إدريس لشكر، وقادة كل من "الحركة الشعبية"، امحند العنصر، وحركة "التقدم والاشتراكية"، نبيل بنعبدالله، و"الاتحاد الدستوري"، محمد ساجد، فضلاً عن زعيم "الأصالة والمعاصرة"، إلياس العماري، ترحيبهم بتعيين العثماني لرئاسة الحكومة، وأبدوا رغبتهم في التعاون معه في تشكيل الحكومة المرتقبة.

وقال العماري، الذي توجد بين حزبه والحزب الحاكم وزعيمه بنكيران خصومة كبيرة، إن قرار هيئته السياسية في المشاركة بالحكومة من عدمه، سيتحدد بناءً على موقف العثماني من المشاورات الحكومية التي سيدشنها. وهذا تصريح مغاير تماماً للمعارضة المطلقة التي كان عبّر عنها حزب "الأصالة" رفضاً لأي شراكة في السلطة التنفيذية في حكومات بنكيران وحزبه. وأكد العماري على أنه يختلف مع حزب "العدالة والتنمية" في القناعات والمواقف السياسية. لكنه أوضح أن "الأصالة" لم يكن يعادي حزب "العدالة" ولا رئيس الحكومة المعفى من التكليف، عبد الإله بنكيران، وفق تعبيره. وأضاف العماري أنه ينتظر موقف العثماني قبل اتخاذ القرار المناسب.

وأشار رئيس الحكومة المكلف، أمس السبت، قبل انعقاد الدورة الاستثنائية للمجلس الوطني لحزب "العدالة والتنمية"، إلى أنه لا يمتلك بعد توجهاً معيناً لرسم مشاورات الحكومة، على قاعدة أن هذا الأمر "يحتاج إلى نقاش جماعي"، وفق تعبيره. وقال إن تعيينه كان مفاجئاً ويمثل "مسؤولية ثقيلة في ظرفية سياسية دقيقة". وذكر وزير الاتصال في الحكومة السابقة، القيادي في الحزب، مصطفى الخلفي، أن "العدالة والتنمية" "سيكون ملتفاً من أجل دعم سعدالدين العثماني".

ويجد العثماني نفسه أمام تحديات سياسية كبيرة، بخصوص مستقبل مشاورات تشكيل الحكومة في أقرب وقت، ويصطدم بشروط مسبقة وضعها رئيس الحكومة المعفى الذي رفض دخول حزب "الاتحاد الاشتراكي" إلى الحكومة مقابل إصرار حزب "الأحرار"، بقيادة أخنوش ومن معه من قوى، على إشراك هذا الحزب. ويُطرح السؤال حول ما إذا كان العثماني سيسير على ما رسمه بنكيران من قبله، ولا سيما رفضه التعاطي مع حزبي "الأصالة والمعاصرة" الذي اعتبره خطاً أحمر، وكذلك حزب "الاتحاد الاشتراكي الذي اعتبر إشراكه في الحكومة استخفافاً بإرادة الناخبين، أم أنه سيتجه إلى فتح المفاوضات أمام كافة الأحزاب الموجودة؟



وفي تعقيب على هذه المسألة، رأى أستاذ التعليم العالي بجامعة "القاضي عياض" في مراكش، الدكتور إدريس لكريني، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "مجموعة من المعطيات والمؤشرات تشير إلى أن مهمة رئيس الحكومة الجديد ستكون أقل صعوبة"، وفق وصفه. وأضاف أن "رئيس الحكومة الجديد معروف بانفتاحه وحنكته السياسية التي تعزّزت تحت محك العمل الحزبي والبرلماني والحكومي، وميوله التوافقية، كما أنه يحظى باحترام داخل مختلف الأطياف الحزبية"، على حد تعبيره. وتابع المحلل أن "قرارات الملك الأخيرة التي سعى من خلالها إلى الموازنة بين احترام مقتضيات الدستور وإرادة المواطن من جهة والحرص على استمرار سير المؤسسات وتجاوز حالة الجمود الذي طال أكثر من اللازم من جهة أخرى، تعكس الرغبة في الإسراع بتجاوز هذه الوضعية"، بحسب قوله.

واستدرك لكريني بأن هذا لا يعني أن مهمّة العثماني ستكون سهلة، لأن حجم الانتظارات والإشكالات المطروحة داخلياً في علاقتها بالملفات الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية، وكذلك الخارجية، وفي ارتباطها بتطورات قضية الصحراء، والتوجهات الجديدة للسياسة الخارجية في محيطها الدولي بشكل عام والأفريقي على وجه الخصوص، تقتضي استثمار هذا التأخر في بناء حكومة منسجمة وقوية"، على حد قوله. وشدد على أن هذه السياقات الداخلية والخارجية كلها "تفرض نفسها على رئيس الحكومة والأحزاب السياسية المعنية بهذا الأمر، بما يعنيه ذلك من استحضار المصالح العليا للوطن والمواطن، في مقابل التركيز على الحسابات الحزبية الضيقة"، وفق تعبيره.

واعتبر الباحث السياسي إدريس الكنبوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن أبرز ما ينتظر العثماني بعد تعيينه رئيساً للحكومة هو ملف إعادة مصالحة الحزب مع الفرقاء السياسيين الآخرين. ولفت إلى أن العثماني يشكل "نقيض" بنكيران، لأنه "كتوم مقابل مكاشفات" بنكيران، و"دبلوماسي مقابل صدامية" بنكيران، بحسب وصفه. وذهب الباحث إلى أن "قرار الديوان الملكي تعيين العثماني يتضمن رسالة ضمنية، تتجاوز مسألة الإعفاء، وهي أن القصر لم يعد مرتاحاً للمنهجية السياسية التي يسير عليها بنكيران". وتابع أن "البلاغ يحمل المسؤولية في فشل المفاوضات لتشكيل الحكومة، بطريقة غير مباشرة، إلى بنكيران"، وفق قوله.

وخلص الكنبوري إلى أن "العثماني إذا التقط جيداً هذه الرسالة سيلعب دوراً في تذليل العقبات، وفي حال تخلت الأحزاب الأخرى، وخاصة التجمع الوطني للأحرار، عن شروطها السابقة التي كانت تطرحها مع بنكيران، لتسهيل مهمة العثماني، فإن هذا سيعني أن المشكلة كانت في شخص بنكيران"، على حد تعبيره.

غير أن وجهة نظر المعسكر المعارض لبنكيران هذه، يرفضها كثر، ذلك أنه حتى عندما قبل الأخير بدخول حزب "الاتحاد الدستوري" إلى الحكومة العتيدة، بعد تأسيس تحالف في مجلس النواب بينه وبين هذا الحزب وحزب أخنوش، ظل الأخير مصراً على دخول الاتحاد الاشتراكي، وهو ما اعتبر بنكيران في عدة تصريحات أن الغرض منه "الإهانة الشخصية" له، وليس شيئاً آخر. وهذا الوضع جعل بنكيران في المقابل، يصر على تشكيل حكومته من الأحزاب الأربعة التي كانت تشكل الحكومة المنتهية ولايتها. والأحزاب الأربعة هي "العدالة والتنمية"، الذي فاز بـ125 مقعداً في مجلس النواب بالانتخابات الأخيرة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، من أصل 395 مقعداً في البرلمان، و"التجمع الوطني للأحرار" (37 مقعداً)، و"الحركة الشعبية" (27 مقعداً)، و"التقدم والاشتراكية" (12 مقعداً). وبإمكان هذه الأحزاب الأربعة تغطية العدد المطلوب للتشكيل (198 مقعداً)، إضافة إلى حزب "الاتحاد الدستوري" (19 مقعداً) بعدما شكل هذا الأخير تحالفاً في مجلس النواب مع "التجمع الوطني للأحرار".

لذلك، اعتبر بنكيران أن إصرار أخنوش، وبعده امحند العنصر، على انضمام الاتحاد الاشتراكي للحكومة، تسبب في إفشال مشاوراته. حتى أن بنكيران لطالما لمّح، قبل إعفائه من مهمة تأليف الحكومة، إلى دور ملكي في إفشال مساعيه لتشكيل الحكومة، وهو ما يرى كثيرون أنه صحيح، ذلك أن لحزب "العدالة والتنمية" خصوماً كثر، لكنهم لم يتمكنوا من حرمانه من الغالبية الشعبية في دورتين انتخابيتين.