بيتا الفلسطينية... قصة قرية كسبت معركتها ضد الاستيطان

بيتا الفلسطينية... قصة قرية كسبت معركتها ضد الاستيطان

21 فبراير 2018
تشهد بيتا مواجهات مستمرة مع الاحتلال (جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
جاء في أغاني الانتفاضة الأولى (1987-1993): "قرية بيتا غالية علينا وأعطت الصهيوني دروس... قالتلوا لا تحلم بأرضي ولا تفكر عليها تدوس". قيلت هذه الكلمات عقب حادثة شهدتها البلدة، بعد أن اقتحمت مجموعة من المستوطنين المنطقة الشرقية من البلدة، ودافع جميع الناس عن أرضهم، وقُتلت مستوطنة في ذاك الحدث، بينما استشهد ثلاثة فلسطينيين، وهدم الاحتلال 18 منزلاً، واعتقل 300 فلسطيني من البلدة وأبعد ستة منهم إلى خارج فلسطين.

وتكرر استخدام نفس الكلمات أمس الثلاثاء بعدما نجحت حالة الضغط الشعبي التي شكلها أهالي البلدة الواقعة جنوبي مدينة نابلس في شمالي الضفة الغربية المحتلة، على مدى نحو أسبوعين، في إجبار سلطات الاحتلال الإسرائيلي على تفكيك وإزالة بؤرة استيطانية أقامها مستوطنون متطرفون في منطقة "جبل صبيح" جنوبي البلدة من أجل تنفيذ مخطط استيطاني يستهدف البلدة التي لم تسمح طيلة سنوات الاحتلال بأن تجثم مستعمرة على أرضها.

وشرع جنود الاحتلال وعمال تابعون له، فجر أمس بإزالة البيوت المتنقلة التي نصبها المستوطنون هناك قبل أسبوعين، ما يعد انتصاراً كبيراً لصغار البلدة قبل كبارها الذين وقفوا وقفة رجل واحد، أمام المستوطنين الذين حاولوا سرقة الأرض، بحماية من جيش مدجج العتاد والسلاح.

يقول رئيس بلدية بيتا، فؤاد معالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أمس الثلاثاء، إن الأهالي تمكنوا من استعادة أراضيهم، عبر الضغط الشعبي الذي شكلوه، فمنذ نصب تلك البيوت الحديدية المتنقلة، وعمليات التجريف على قمة الجبل، باتت الأراضي الحديث الأول لأهالي البلدة، فعقدت العديد من الاجتماعات، وتم التواصل مع كافة الجهات المختصة، بينما أقرت مجموعة من الفعاليات التي لم تنقطع لمواجهة عملية السطو على تلك الأراضي.

وما عزز موقف الأهالي أن الأراضي التي أقيمت فيها البؤرة هي زراعية، ويملك أصحابها أوراقا ثبوتية تفند ادعاءات المستوطنين ملكيتها لهم، ما جعل جيش الاحتلال يعترف بأن البؤرة غير شرعية رغم تأمينه الحماية للمستوطنين الذين حاولوا قدر الإمكان التوسع فيها بشكل كبير لتصبح امتداداً لمستوطنات كثر في شمالي الضفة الغربية المحتلة.

وعلى مدار أيام عدة انتفضت البلدة، وأقيمت فعاليات شعبية وتظاهرات في منطقة "جبل صبيح المصادر". هناك تمكن الأهالي من الوصول إلى بيوت المستوطنين، واشتبكوا مع الجيش واندلعت المواجهات العنيفة.

وقدمت البلدة مصاباً بالرصاص الحي خلال مواجهات رفض الاستيطان، وعددا آخر بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط، والعشرات بحالات الاختناق، إضافة إلى اثنين من المعتقلين، ومداهمة عدد من المنازل وتفتيشها في محاولة فاضلة لردع تلك الاحتجاجات.

ويصرّ أهالي البلدة بعد الانتصار في وجه الاحتلال ومستوطنيه على أن تعمم تجربتهم في كافة مناطق الضفة الغربية المحتلة، حتى تكون تلك الاحتجاجات دعامة لصمود الفلسطينيين وعقبة في وجه شبح الاستيطان.


 أحد أساليب التوسع الاستيطاني وإقامة البؤر الاستيطانية، الذي يتّبعه المستوطنون تحت رعاية حكومة الاحتلال الإسرائيلي، هو نصب عدد من "الكرفانات" (البيوت المتنقلة) على أرضٍ فلسطينية جديدة، تحت اسم المستوطن الذي قُتل، كما حصل على أراضي جبل صبيح قرب المنطقة الصناعية في بيتا. 

لكن الأمر لم يكن بالسهولة التي تصورها المستوطنون كونهم قرروا أن يؤسسوا بؤرة صغيرة، لتصبح بعد سنين مستعمرة كبيرة، تساهم في فصل شمال الضفة عن وسطها، ضمن مخطط ربط المستوطنات، والأمر مختلف في هذه البؤرة كونها تقع على أراضي بلدة بيتا، وهي المعروفة والمميزة فلسطينياً، أنها نظيفة استيطانياً، وتخلو من أي مستعمرة أو نقطة استيطانية، على مساحة شاسعة من أراضيها.
علماً بأن المنطقة مصنفة ضمن أراضي "ج" وفق اتفاقيات أوسلو، وكانت خلال الانتفاضة الأولى نقطة عسكرية لجيش الاحتلال، وانسحب منها بعد فترة من الزمن. وبعد ذلك ظل الاحتلال متواجداً في المنطقة عبر جيب عسكري لا يفارق المنطقة، ويمنع أصحاب الأراضي من الوصول إليها، عدا عن أن المستوطنين حاولوا إقامة مستوطنة في الأرض ذاتها عام 2012، وأفشل الأهالي مخططهم وتمت إزالتها بعد يومين من إقامتها.

وتبلغ المساحة التي أقام المستوطنون عليها "الكرفانات" نحو أربعة دونمات ونصف الدونم في جبل صبيح، 30 في المائة من مساحتها لصالح بلدة بيتا، وما تبقّى لقريتي قبلان ويتما جنوبي المدينة.
البؤرة الاستيطانية الجديدة، وفق ما كان علمه رئيس بلدية بيتا، فؤاد معالي، كانت باسم الحاخام الذي قُتل أخيراً في عملية طعن نفذها شاب فلسطيني، بالقرب من مدخل مستوطنة "أريئيل" المقامة على أراضي الفلسطينيين شمال مدينة سلفيت، شمال الضفة المحتلة، وأطلق عليها اسم "إيفتار" وهو ما أشار بوضوح إلى نية الاحتلال إقامة هذه المستعمرة.



وعادة ما يتحجج الاحتلال الإسرائيلي، عند إقامة مستوطنة على أراضٍ فلسطينية، بأن أصحابها باعوا الأرض وقبضوا ثمنها، ولكن هذه أصبحت شائعة تقال في أحيان كثيرة، لبث الفتنة بين الناس وتخوين البعض. لكنّ أهل بيتا كانوا واثقين من أن أحداً لم يبع شبراً من أرضه، وأن الاحتلال صادر الأرض من دون مبرر، كون حكومة الاحتلال داعمة أساسية للاستيطان والتوسع على حساب الأرض، وفق المسؤول السابق في حركة "فتح"، منور مفلح، الذي أكد في حديث سابق مع "العربي الجديد"، أن إقامة بؤرة استيطانية على أراضي البلدة في جبل صبيح، سببت مشكلة كبيرة في البلدة، إذ يعتبر الأهالي الاستيطان كالسرطان الذي يجب استئصاله على الفور.

ووفقاً لمفلح "يعي أهل البلدة جيداً أن من يبيع أرضه للمحتل، سيلحقه العار حتى أحفاد أحفاده، وسيصبح في عيون الناس خائناً مفرطاً بالوطن"، بينما رأى آخرون من البلدة، أن من يثبت عليه أنه باع أرضه، سيلقى عقاباً كبيراً، مع تأكيدهم استحالة بيع أرض من قبل مزارعين وأصحاب الأراضي في بيتا.

ولذلك فإنه عقب إقامة "الكرفانات"، عقدت البلدية اجتماعاً مع الأهالي وأصحاب الأراضي في المنطقة المهددة بالاستيطان، وتم خلال الاجتماع حصر الأراضي في منطقة جبل صبيح، وذلك لمعرفة إن كان سمسار ما قد زوّر وكالة بيع وشراء أرض لأحد المغتربين أو المتوفين، وباع أرضاً للمحتل، كما حدث سابقاً في تسريب آلاف الدونمات للاحتلال بهذه الطريقة.

وعملت البلدية، جاهدة بالتعاون مع أصحاب الأراضي والأهالي على إصدار إخراج قيد وجمع الأوراق التي تثبت ملكيتهم للأرض، وتقديمها للمحاكم والمؤسسات القانونية التي تساعد في مثل هذه القضايا، بحسب ما أكد رئيس البلدية في حديث مع "العربي الجديد".
وأشار إلى أن اجتماعاً عُقد في البلدية مع أصحاب الأراضي، وتمت مناقشة خطورة الأمر، وأثره على بلدة بيتا التي منعت طوال سنوات الاحتلال من إقامة أي بؤرة استيطانية على أراضيها، على الرغم من محاولات الاحتلال الكثيرة.
كما قامت البلدية بجهود شعبية وقانونية، ونفذت خطوات عدة تضمنت زرع أشجار زيتون، وشق طرق وتوسيعها في المناطق القريبة من الأرض المصادرة في جبل صبيح، قبل أن يجبر صمود الأهالي الاحتلال على إزالة البؤرة أمس الثلاثاء.