هاجس الأمن الداخلي يحدّد ملامح اتجاهات السياسة الأردنية

هاجس الأمن الداخلي يحدّد ملامح اتجاهات السياسة الأردنية

07 مايو 2019
تظاهرة دعماً للقدس والأقصى في عمان نهاية مارس الماضي(الأناضول)
+ الخط -
من الواضح أنّ الأردن الرسمي يخشى من التقلبات السياسية التي تحملها الفترة المقبلة على المستويين الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الأوّل، يسود الترقّب حيال ما أعلنه الحراك الشعبي عن توجه للتصعيد خلال شهر رمضان، بينما على المستوى الثاني، تسود الخشية مما ينتظر الأردن عند الإعلان عن خطة الإملاءات الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية المعروفة إعلامياً بـ"صفقة القرن"، بعد شهر الصوم.

وتحاول السلطات الأردنية، عبر الأجهزة الأمنية، التحكّم في مكونات الحراك الأردني وإبقاء فعالياته تحت السيطرة، ومنع حدوث أي تطور مفاجئ، خصوصاً أنّ الفقر والبطالة وغياب الإصلاح السياسي أرضية ما زالت قائمة وخصبة للاحتجاجات، والتي قد تغذّيها "صفقة القرن" التي تعتبر قنبلة موقوتة قد تتسبب في تفجير الأوضاع في الشارع.

ويأتي تعيين العاهل الأردني عبد الله الثاني، للواء أحمد حسني مديراً جديداً للاستخبارات، وإحالة المدير القديم عدنان الجندي للتقاعد، بمثابة قرار استباقي استعداداً لما هو مقبل، وفي إطار سلسلة من التغييرات الكبيرة والعميقة التي طاولت دائرة الاستخبارات العامة والديوان الملكي في الفترة الأخيرة، خصوصاً في ظلّ ظروف موضوعية كشفت عن تجاوزات في الدائرة من قبل أشخاص قدموا المصالح الخاصة على المصالح العامة.

وتسعى مؤسسات السلطة إلى السيطرة والحدّ من الأخبار التي تمسّ الأمن الداخلي، والتي يتلقفها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة. وفي هذا الإطار، كلّف ملك الأردن، المدير الجديد للاستخبارات، بشكل واضح وصريح، بالتصدي ومواجهة من يستغلون ما وصفها بـ"الظروف الصعبة التي يمر بها الأردن، لتحقيق شعبية زائفة".

وفي السياق، يقول الرئيس السابق لـ"الجمعية الأردنية للعلوم السياسية"، خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إنه "لا يمكن فهم تعيين مدير الاستخبارات الجديد بدون استيعاب الأبعاد والأسباب التي دفعت إلى اتخاذ هذا القرار، وهي ترتبط بالبيئة الداخلية والإقليمية والدولية. وإذا أردنا الدقة أكثر، فإنها ترتبط بالبيئة الإقليمية والدولية وتأثيراتها المتوقعة على الداخل الأردني".



ويضيف شنيكات أنه "من المتوقّع أن يتم الإعلان عن صفقة القرن خلال الأسابيع القليلة المقبلة. ويبدو أنّ هذه الصفقة في ضوء المعلومات التي صرّح بها (مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره) جاريد كوشنر (مهندس الصفقة)، تتجنّب الحديث عن حلّ الدولتين الذي طالما نادى به الأردن، وكذلك تعتبر القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وتبقي مسألة الرعاية الهاشمية للأماكن المقدسة في مهب الريح، وهو ما يعني تصفية القضية الفلسطينية، وإعادة إحياء فكرة الوطن البديل".

ويتوقّع شنيكات أنّ الإعلان عن هكذا صفقة، بهكذا مواصفات، سيسبب حالة عدم استقرار، واندلاع احتجاجات شعبية في الأردن، مما قد يقوّض الأمن في المنطقة ككل كذلك، وهذا ما تحدّث به السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي، وزميله الجمهوري ميت رومني، عقب زيارتهما للأردن أخيراً، إذ إنّ هكذا صفقة تلغي فكرة الوسيط التي طالما تحدثت عنها الولايات المتحدة، وتمسّ المصالح الأردنية مباشرةً. وبالتالي، فإنّ على الأردن أن يستعدّ للسيناريو الأسوأ، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة لم تعيّن سفيراً لها في الأردن منذ مغادرة سفيرتها السابقة أليس ويلز، وهو ما يحضّ على ترتيب البيت الداخلي، لا سيما على مستوى الأجهزة الأمنية، وكذلك ترتيب الديوان الهاشمي، وهو ما تمّ بالفعل، وربما يتمّ أيضاً اتخاذ إجراءات أخرى.

ويضيف شنيكات أنّ "هناك انتقادات لأداء بعض ضباط جهاز الاستخبارات، لناحية تغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والتدخّل في عمل بعض المؤسسات، وهو ما تحدّث به العاهل الأردني بشكل مباشر. وبالتالي، لا بدّ من إعادة التأكيد على الطابع المهني للجهاز وحرفيته"، متابعاً بالقول "وكما هو معلوم، فإنّ الأجهزة الأمنية لعبت دوراً أساسياً للمرور بسلام خلال موجة الربيع العربي الأولى، وذلك من خلال خطوات متنوعة من الإجراءات السلمية في التعامل مع الاحتجاجات، وبالتالي، تعوّل الدولة على هذه الأجهزة بشكل أساسي لضبط إيقاع الحياة العامة".

ويلفت شنيكات إلى أنّ "المجمع عليه بشأن شخص مدير الاستخبارات الجديد هو أنه يؤمن بالأمن الناعم والاحتواء، ولديه خبرة متنوعة من خلال استلامه مواقع عدة"، مشيراً إلى أنه "تزداد أهمية هذه المواصفات في ظلّ ظروف إقليمية ودولية ضاغطة، بالإضافة إلى فشل وسوء إدارة المؤسسات الحكومية، فضلاً عن فشل في إدارة الملفات الاقتصادية والسياسية، التي تعتبر قاطرة الاستقرار السياسي الحقيقي".

ويوضح شنيكات أنه "من خلال التقارير الدولية، يظهر أنّ الاقتصاد الأردني سيعاني كثيراً، خصوصاً أنه مرتبط بالأمن الإقليمي والدولي. ولذلك، وتحسباً لأي مفاجآت، لا سيما أنّ الاقتصاد كان من الأسباب الأساسية التي أدّت إلى اندلاع الاحتجاجات في العالم العربي، فلا بدّ أن تكون الأجهزة الأمنية على أهبة الاستعداد للتعامل مع الرأي العام وتقلباته، خصوصاً أنّ هناك عجزا واضحا لحكومة عمر الرزاز، التي لم تعد تحظى بتأييد شعبي في ضوء ما تنشره استطلاعات الرأي". ويرى شنيكات أنّ الإعلان عن التعيين الجديد، والتغييرات التي سبقته، "كلها تهدف إلى إيصال رسالة بأنّ الأردن يستعدّ لكل المتغيّرات الداخلية والخارجية في ضوء إمكانياته".

من جهته، يقول المحلل والكاتب الصحافي الأردني محمد الملكاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التغيّر الذي حصل على رأس جهاز الاستخبارات، جزء من تغيّر واسع في مفاصل الدولة، وهو يشكّل رسالة إلى الداخل، لمواجهة السقوف المرتفعة التي أصبحت تطغى على بعض الحراكات. ومن جهة أخرى، هي رسالة إلى الخارج، إقليمياً ودولياً، خصوصاً لناحية مواجهة صفقة القرن".

ويضيف الملكاوي أنه "خلال الفترة الماضية، كانت هناك حراكات شعبية تسعى إلى التصعيد، الذي كان من الممكن أن يؤثر على الأمن الداخلي، خصوصاً توجّه حراك أبناء المحافظات إلى العاصمة عمان. وهذا أحد الأمور التي تخشاها الدولة".

ويتابع "لا يمكن النظر إلى هذا التغيّر بشكل منفصل عن التغيرات التي جرت في الديوان الملكي، وكذلك التغيّرات التي حصلت قبل أكثر من شهر في دائرة الاستخبارات ذاتها، والتي طاولت العديد من الضباط"، مشيراً إلى أنّ إعادة الهيكلة في القوات المسلحة والاستخبارات "تأتي لمواكبة التطورات الحديثة، خصوصاً ما تفرضه المتغيّرات المحلية والإقليمية". ويعتبر الملكاوي أنّ "ما حصل في الجزائر والسودان لا ينطبق على الأردن، فالظروف والأوضاع مختلفة".

ووسط كل هذه المتغيّرات، لا يمكن إغفال تصريحات صدرت عن رئيس هيئة الأركان الأردنية المشتركة، الفريق الركن محمود عبد الحليم فريحات، والتي قال فيها إنّ "الأردن لا يخضع للتهديدات والإملاءات التي لا تتفق ولا تتناسب مع رؤيته ووجوده وكيانه"، مطالباً بـ"تفويت الفرصة على كل تجار الحروب الذين يحاولون تنشيط عمليات التهريب والتسلل، والتجارة غير مشروعة مثل المخدرات والأسلحة إلى داخل الأردن".