الأذرع الإعلامية للنظام المصري يتجاذبها الحليفان الخليجيَّان

الأذرع الإعلامية للنظام المصري يتجاذبها الحليفان الخليجيَّان

25 يوليو 2015
نظام السيسي يحاول إرضاء السعودية والإمارات في آن (الأناضول)
+ الخط -
يقف النظام المصري محايداً في الظاهر أمام الأزمة السياسية المتفاقمة جرّاء محاولته المحافظة على توازن مواقفه بين أكبر دولتين داعمتين له عربياً، وهما السعودية والإمارات، في محاولة لإرضاء الطرفين بشتى السبل كي لا يخسر دعم أي منهما، من دون أن يسجل انحيازه في النقاط التي تبدو خلافية بين البلدين، وأبرزها الموقف من الاتفاق النووي الإيراني، الذي تراوح بين ترحيب إماراتي وحذر سعودي.

وظهر موقف النظام المصري المحايد من خلال انقسام الأذرع الإعلامية المصرية الخاصة المحسوبة عليه. وكتب رئيس تحرير صحيفة "البوابة" المدعومة من الحكومة الإماراتية، عبدالرحيم علي، أخيراً، تقريراً بعنوان "أخطر تقرير صحفي عن الخلاف بين مصر والسعودية"، ذكر فيه ما مفاده أن مصر واﻹمارات سيشكلان تحالفاً لمواجهة تقارب النظام السعودي مع جماعة "الإخوان المسلمين" وحركة "حماس" الفلسطينية. 

اقرأ أيضاً: "حماس" بين السعودية وإيران: لا ترف في المفاضلة

وأضاف أن "مصر من جانبها أبلغت كل الوسطاء أنها لا يمكن أن تكون طرفاً في أي مشروع يكون (الإخوان المسلمون) طرفاً فيه بما في ذلك التقارب مع (حماس)".
وسبق أن شن كتاب مصريون آخرون مقربون من نظام الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، حملة إعلامية ضدّ السعودية، مثل إبراهيم عيسى الذي وصفها بـ"راعية الوهابية ومنبع اﻹرهاب، التي تسعى إلى تدمير اليمن على غرار ما فعلت في سورية والعراق وليبيا، للإطاحة ببعض الخصوم كصدام حسين وبشار الأسد ومعمر القذافي، وجرّت المنطقة إلى حروب بالوكالة لصالح أميركا وإسرائيل، وتحاول أن تشيطن إيران والشيعة في المنطقة".

وتحت غطاء كثيف من العلاقات الدبلوماسية التي تبدو ودية، يدور الخلاف الأساسي في رسم الخارطة السياسية، حول دور جماعة "الإخوان المسلمين"، ومدى قدرة الأنظمة القائمة على استيعابها أو الاستفادة من قدراتها السياسية وعلاقاتها الممتدة عبر حدود معظم الدول العربية وتركيا وإيران، وهو الأمر الذي ترى الإدارة السعودية الجديدة منذ تولي الملك سلمان بن عبدالعزيز السلطة، وصعود الأميرين محمد بن نايف ومحمد بن سلمان، أنه ممكن ومفيد للمساهمة في حل مشاكل قائمة في اليمن وليبيا وحتى مصر، بينما ترى الإمارات من منظورها أن "الإخوان" خطر على الدول الخليجية الأصغر من السعودية، ولا ينبغي فتح الباب أمام عودتهم إلى سدّة أي نظام حاكم.

ووجد هذا الخلاف صدى واسعاً في إعلام القاهرة، الذي انقسم بين صحافيين باتوا محسوبين على السعودية، وبين صحف أخرى جديدة مدعومة من الإمارات.

في القاهرة، تنشط مثلاً صحيفة "البوابة" المدعومة من الحكومة الإماراتية، وفقاً لمتابعي ومراقبي الوسط الإعلامي، ويرأس تحريرها عبدالرحيم علي، أقرب الإعلاميين المصريين إلى المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق، والذي تحول من مجرد صحافي متخصص في شؤون الجماعات الإسلامية خلال العقدين الماضيين إلى مدير، ومالك في الواجهة، لمؤسسة تطلق موقعاً إلكترونياً وصحيفة يومية وتشمل مراكز بحثية استقطبت عدداً من المتخصصين الموالين للسياسة الإماراتية، وذلك كله رغم العثرات التي تواجه صناعة الإعلام في مصر منذ العامين الماضيين من سوء توزيع الصحف وضعف الموارد الإعلانية.

كما ينشط أيضاً الموقع الإلكتروني "دوت مصر"، الذي كان يرأس تحريره الصحافي المؤيد لنظام حسني مبارك، عبدالله كمال، والذي أسسه قبل وفاته، ثم خبا نجمه بصورة كبيرة بعد الوفاة، فلم تخرج بعد كل الطاقات المالية المخصصة لهذا الموقع من شخصيات بارزة أيضاً محسوبة على الإمارات، ويمثلهم في مصر أحد قيادات حملة أحمد شفيق الرئاسية، والذي يلعب دور رئيس مجلس الإدارة ووكيل المالكين.

وتتداول الأوساط الصحافية المصرية شائعات عن قرب إغلاق إحدى المؤسستين، إذ سيكتفي الداعمون بدعم واحدة فقط توفيراً للنفقات، إلا أن معلومات "العربي الجديد" تشير إلى استمرار الإنفاق على المؤسستين لأمد غير قصير، إذ تحاول الاستفادة من المنابر الإعلامية المصرية لتدعيم مواقفها السياسية في مواجهة الآراء الأخرى التي تبدو في لحظات أقرب لنظام السيسي.

وفي الآونة الأخيرة، قاد عبدالرحيم علي حملة تكاد تكون الأولى في الصحافة المصرية ضدّ الإدارة السعودية الجديدة، وهو ما صمت عليه نظام السيسي رغم اعتراض الرياض عليه. وسبب الخلاف الرئيسي هو "الإخوان"، الذين يروج الإعلام المحسوب على الإمارات في مصر لإغلاق أي طريق يمكّنهم من العودة ولعب دور سياسي مستقبلي، حتى ولو كان ذلك بعد إقصاء جميع الشخصيات التي برزت قبل  30 يونيو/ حزيران 2013، والانقلاب العسكري في 3 يوليو، ويدفع بقوة لإجهاض أي أفكار ولو محتملة للمصالحة بين الجيل الجديد من "الإخوان" والنظام الحاكم.

من جهته، لا يعوّل السيسي كثيراً على المصالحة، فهو لا يرى إلا طريق التصعيد ضد "الإخوان"، خصوصاً في ظل تعمد الخلط الواضح المستمر من الدولة المصرية بين "الإخوان" والتيارات الإسلامية والتكفيرية الأخرى التي تشن حرباً على الجيش المصري. غير أن مصادر حكومية في مجلس الوزراء المصري رأت أن "القضاء على الإخوان مستحيل، حتى إذا دُفعت أموال ومساعدات غير محسوبة لتحقيق هذا الهدف، لكن في الوقت نفسه لا يمكن للسيسي فتح الباب أمامهم ما دام هو يتلقّى هذه المساعدات المالية".

وتؤكد المصادر المطلعة على الملفات الخارجية لـ"العربي الجديد" أن "السيسي يكافح لإبقاء العلاقات مزدهرة مع السعودية والإمارات، لكن الخلاف حول الأزمات في إيران وسورية وليبيا وحتى العلاقة بتركيا و(الإخوان)، تمثل عامل قلق له، لذلك فهو حريص على تقديم تسهيلات أخرى في ما يتعلق بالعلاقات العسكرية والاستثمارية بتذليل العقبات أمام المستثمرين السعوديين الذين يمثلون نسبة لا يستهان بها من الأموال السعودية المتدفقة على مصر".

وردّاً على سؤال حول مدى إمكانية التضحية بطرف من السعودية والإمارات لحساب مواقف الآخر السياسية، تجيب المصادر أن "هذا سيناريو لا نحبذه، ونحن ناجحون حتى الآن في تلافيه، والسيسي يريد تقوية نظامه اقتصادياً من الداخل حتى يستطيع استيعاب هذه الخلافات العربية بمرونة والاستفادة من الدعم أيضاً، كما كان يفعل مبارك في آخر عقدين من حكمه".

اقرأ أيضاً: زيارة "حماس" للسعودية: خط اتصال مفتوح ووعود بإعادة الإعمار 

المساهمون