تقاطعات الصهيونية ومعاداة السامية في إدارة دونالد ترامب

تقاطعات الصهيونية ومعاداة السامية في إدارة دونالد ترامب

20 يناير 2017
بانون أعلن رفضه لمعاداة السامية وللمبادئ العنصرية(دومينيك رويتر/فرانس برس)
+ الخط -
تثير مواقف المستشار الاستراتيجي للرئيس الأميركي الذي يتسلم منصبه اليوم الجمعة، دونالد ترامب، رئيس حملته الانتخابية سابقاً، ستيف بانون، ضد اليهود بموازاة مناصرته لإسرائيل، الكثير من الجدل في الولايات المتحدة أخيراً، ولا سيما في أوساط الأميركيين اليهود. بعضهم وصفه بمعاداة السامية، وبعضهم الآخر نفى عنه هذه التهمة لأنه، في نظرهم، "محب لإسرائيل". وتظهر هذه الحالة إمكانية الجمع بين الموقفين، أي أن يكون الفرد معادياً للسامية وداعماً للصهيونية في الوقت نفسه، كما في حالة بانون.
وتُتهم حملة ترامب الانتخابية بأنها كانت رافعة لـ"اليمين البديل" في الولايات المتحدة، بتبنيها خطاباً شعبوياً وعنصرياً ضد السود والمكسيكيين والمسلمين والنساء، يتقاطع مع مجموعتي "الوطنيون البيض" و"اليمين البديل"، المؤمنتين بتفوق البيض العرقي، واللتين تتبنيان خطاباً معادياً للسامية. وترجم صعود "اليمين البديل" على هيئة جرائم كراهية ضد اليهود في الولايات المتحدة بعد انتخاب ترامب، كما في حالة بلدة وايتفيش بولاية مونتانا.

استند متهمو بانون بمعاداة السامية على شهادة زوجته ضده، والتي اتهمته بإطلاق تعليقات معادية لليهود، إضافة إلى تولي بانون إدارة تحرير موقع "بريتبارت" العنصري. كما أشار منتقدوه إلى الفيديو الذي أطلقته حملة ترامب الانتخابية تحت إدارة بانون.

وبعد تعيينه رئيساً لحملة ترامب الانتخابية في أغسطس/آب الماضي، عاد الإعلام الأميركي إلى تصريحات طليقته أمام محكمة أميركية في 2007، عندما كانت على خلاف مع بانون على حضانة أطفالهما. وهي تقول، بحسب وثائق القضاء الأميركي: "قال لي إنه لا يحب اليهود، ولا يحب طريقة تربيتهم لأطفالهم ليصبحوا صعاليك متذمرين. لذا لا يريد لبناته أن يذهبن إلى المدرسة مع يهود". وكان الحديث في سياق خلاف بين الزوجين على المدرسة التي يجب أن يذهب إليها الأطفال في لوس أنجليس، إذ رفض بانون إحدى المدارس لأن أعداد اليهود فيها كبيرة، ناهيك عن تعليقاته عن وجود الكثير من الكتب عن "الحانوكا" (العيد اليهودي).

يمكن اعتبار مثل هذا التعبير في إطار خلاف بين زوجين بلا أي معنى. لكن نظراً لأن ستيف بانون هو محرر موقع "بريتبارت"، المشهور بمواضيع تتسم بنزعة معاداة السامية، والمعروف بوصفه منبراً لـ"اليمين البديل" الأميركي، أي التيار الذي يضم مجموعات عنصرية، فإن تناول تصريحات بانون يصبح مختلفاً.

ويعرف موقع "بريتبارت" بتبنيه خطاباً شعبوياً، تحول مع تقاربه من "اليمين البديل"، إلى  خطاب عنصري ضد السود. ويروج لـ"الإسلاموفوبيا"، والخطاب الذكوري، إضافة إلى معاداة السامية. أما "اليمين البديل"، والذي يعتبر بانون مقرباً منه، لا يخفي منظروه البارزون أمثال، ريتشارد سبنسر، ووايت جوهانسون، خطابهم العنصري الذي يؤكد تفوق العرق الأبيض. وهم يتبنون خطاباً ضد السود والمسلمين واليهود، حتى إن سبنسر ورفاقه رفعوا شعارات نازية للاحتفال بفوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 8 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.


قبيل الانتخابات، وفي ظل إدارة بانون لحملة ترامب، نشرت الحملة فيديو دعائياً، يتحدث عن "المسيطرين على القرار في واشنطن"، وهو ما اعتبر أيضاً "معادياً للسامية". إضافة إلى تهجم الفيديو على الديمقراطيين، خصوصاً مرشحتهم إلى الرئاسة، هيلاري كلينتون، والرئيس المنتهية ولايته، باراك أوباما، ركز الفيديو على ثلاثة أميركيين يهود لهم وزنهم في القطاعات المالية. يتعلق الأمر برئيسة مجلس الاحتياطي الأميركي، جانيت يلين، ورجل الأعمال جورج سوروس، إضافة إلى الرئيس التنفيذي لمؤسسة "غولدمان ساكس" (للخدمات المالية)، لويد بلانكفين. واعتبر الفيديو بمثابة العودة القديمة، التقليدية، إلى معاداة السامية في نموذجها الأوروبي، ونموذج "اليهودي المرابي" في مسرحية شكسبير الشهيرة "تاجر البندقية". لا يبدو الفيديو مختلفاً عن الملصقات النازية في حقبة هتلر، والتي توجه غضب الناس إلى اليهود، باعتبارهم سبب إفقار بقية الشعب وبؤسهم.

"اليمين البديل" ومعاداة السامية
هناك مجموعات داخل "اليمين البديل" تفاخر بمعادتها للسامية، إضافة إلى اعتبارها أن معاداة اليهود هي جزء من معاداة الـ"إستبلشمنت" في واشنطن. هذا الموقف المعادي للسامية لا يتبناه أحد منظري "اليمين البديل"، غاريد تايلور، في حين يتهم به ريتشارد سبنسر بصورة دائمة. وسبنسر عزز هذه الصورة من خلال احتفاله مع رفاقه بفوز ترامب بإطلاق شعارات نازية. لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد. وبدأ بالتفاعل أخيراً، ليؤكد المخاوف من أن يكون فوز ترامب رافعة لأفكار "اليمين البديل" العنصرية، خصوصاً مع تزايد جرائم الكراهية ضد المسلمين واليهود في الآونة الأخيرة، بالولايات المتحدة. وتزايدت الهواجس في هذا الشأن، مع اختيار ترامب لبانون.

آخر تلك الحوادث التي تتعلق بـ"اليمين البديل" ومعاداة السامية، ارتبطت بوالدة ريتشارد سبنسر، المقيمة في ولاية مونتانا، وذلك بعد دعوات باستهداف اليهود. وقد قام عنصريون بيض، الأسبوع الماضي، بشن حملة ضد اليهود في مدينة وايتفيش، بولاية مونتانا شمالي الولايات المتحدة، حيث تسكن والدة ريتشارد، شيري سبنسر. ودعا أحد النازيين الجدد الأميركيين، أندرو أنغلن، عبر صحيفته، "ديلي ستورمر"، المتهمة بالترويج للعنصرية ومعاداة السامية، إلى "اصطياد" اليهود في البلدة الأميركية، متهماً إياهم بـ"استهداف والدة سبينسر بسبب أفكار ابنها". وأضاف أن اليهود في البلدة يحاولون "ابتزاز والدة سبنسر مالياً" وتسببوا بـ"انهيار أعمالها في قطاع العقارات" ويحاولون الضغط عليها من أجل "بيع أحد المباني التي تملكها". ووصف أنغلن اليهود في المقال بـ"العرق الشرير المليء بالكراهية والعقد النفسية".

ودعم زعيم جماعة "كلو كلوكس كلان" العنصرية، ديفيد ديوك، الحملة ضد اليهود في تلك المدينة الأميركية. وهو دعم انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة. ولم يكتف موقع "ديلي ستورمر" بالتحريض ضد اليهود في مدينة وايتفيش، بل قام بنشر تفاصيل تتضمن أسماء وعناوين يهود يسكنون فيها ويدعو لاستهدافهم. ونشر موقع "missoulian" تصريحا لرئيس مجموعة "Love Lives Here"، ويل راندل، يوكد فيه أن "هناك الكثير من الأشخاص الرائعين حولنا نراهم يتعرضون لاعتداءات لأنهم يهود، أو لأن لهم أسماء تبدو يهودية"، معتبراً أن هذا الأمر مثير للاشمئزاز، وذلك في حديثه عما يحصل في مدينة وايتفيش.

مواقف المؤسسات اليهودية والصهيونية
هذا الواقع دفع المؤسسات اليهودية والصهيونية إلى اتخاذ موقف من بانون، بعد تعيينه في منصب مستشار استراتيجي في البيت الأبيض. المؤسسات التي يهمها موقف الشارع الأميركي من اليهود، كانت الأكثر امتعاضاً من تعيينه في هذا المنصب. لكن المؤسسات الصهيونية المدافعة عن إسرائيل تبنت مواقف مدافعة عن بانون، مثل المنظمة الصهيونية الأميركية، أو اكتفت بالصمت، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك).

ولم تخف المنظمة الصهيونية الأميركية دعمها لبانون، وتجاهلت الاتهامات الموجهة إليه بمعاداة السامية. وأكد رئيس المنظمة، مورت كلاين، دعمه لبانون، قائلاً "أتمنى لبانون النجاح في وظيفته الجديدة"، تعليقاً على تعيينه في إدارة ترامب. أما "أيباك" فقد اختارت الصمت حيال ذلك. وعندما تواصل موقع "بولتيكو" مع المنظمة، وأكدت أن لديها "سياسة راسخة بعدم اتخاذ مواقف من التعيينات الرئاسية". وأضاف المتحدث باسم المنظمة أنه "على الرئيس اختيار فريقه، ومن غير المتوقع أن نقوم بالتعليق على كل مستشار يتم تعيينه".



بانون .. المحب لإسرائيل
في المقابل، رد بانون على منتقديه في حوار مع صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، نُشر في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي. وأكد خلاله أنه "غير متسامح مع معاداة السامية، والمبادئ العنصرية لدى اليمين البديل"، في محاولة لإبعاد نفسه عن المجموعة الداعمة له ولترامب، والتي روج لها بانون ولخطابها في موقعه "بريتبارت". وحضرت، ككل مرة، مسألة الدفاع عن إسرائيل كدليل على براءة بانون من معاداة السامية. وأكد أحد الموظفين اليهود في موقع "بريتبارت"، الإعلامي آرون كلاين، أن بانون "لا يمكن أن يكون معادياً للسامية، بل هو محارب لمعاداة السامية". وأضاف أن بانون "مؤيد لإسرائيل ومحارب لخطاب الكراهية ضد اليهود في أميركا".

وعن دعم بانون لإسرائيل، كتب المعلق السياسي في صحيفة "هآرتس"، بيتر بينارت، إنه "بالنسبة للترامبيين، إسرائيل مختلفة تماماً. في صراع بانون ضد إيديولوجية العالمية (internationalism)، هو يفتش عن حلفاء وطنيين في العالم. لذلك، يحب حزب الاستقلال البريطاني، والجبهة الوطنية الفرنسية، وإسرائيل (بقيادة) بنيامين نتنياهو. لماذا؟ لأن نتنياهو ينتهك القانون الدولي، لأنه يرفض اللاجئين، لأن سياساته الخارجية شديدة الواقعية. معظم الترامبيين يحبون إسرائيل"، بحسب بينارت.

ومع تعيين بانون في البيت الأبيض، نشرت مجلة "نيوزويك" مقالاً للكاتب مارك شولمان، رسم فيه صورة قاتمة لـ"أوضاع العالم بعيون إسرائيلية" على وقع تعيين بانون في الإدارة الأميركية. ورأى أن اليهود كانوا لعقود يرون معاداة السامية باعتبارها "قادمة من اليسار"، إلا أن الأوضاع باتت مختلفة اليوم، مع صعود اليمين في أوروبا، وظهور "اليمين البديل" في أميركا، إذ "بات من الممكن أن يصبح اليمين أيضاً معادياً للسامية"، وفق تعبيره. وأشار إلى التغيرات في أوروبا، خاصة المجر وبولندا وفرنسا، والتي بات حضور اليمين العنصري والنازيين الجدد بارزاً فيها.

وبحسب شولمان "يشعر أغلبية الأميركيين اليهود خلال العشرين سنة الماضية، بأنهم جزء من النسيج الاجتماعي الأميركي، وأن أي تصريح معادٍ للسامية يعتبر من مخلفات الماضي. وبالنسبة لأغلب الإسرائيليين، تشكل معاداة السامية انتقاد إسرائيل فقط". وتابع أن اليهود في أوروبا وأميركا كانوا أقرب لليمين، ولم يلتفتوا إلى "معاداة اليمين للإسلام، لأن المسلمين معادون للسامية بدورهم" على حد تعبير الكاتب. لكن المفاجأة تتمثل في أن معاداة السامية بدأت بالظهور في معسكرهم، اليميني هذه المرة، لا في اليسار كما كانوا يتخيلون. وخلص شولمان إلى القول: "إذا كنت في اليمين، فأنت مناصر لإسرائيل لذا من غير الممكن أن تكون معادياً للسامية. إذا كنت في اليسار، فأنت ليبرالي تدعم حقوق الإنسان، وبالتالي لا يمكن أن تكون معادياً للسامية". لكن الكاتب اعتبر أن هذا التقدير خاطئ، على حد وصفه.

وفي ما يتعلق بأوضاع اليهود والعرب في أميركا، وتأثيرات سياسات ترامب وتعيين بانون، رأى أستاذ العلوم السياسية، المحاضر في جامعة هيوستن، لؤي اللاركيا، في حديث إلى "العربي الجديد"، أن بانون قام بـ"توتير العلاقة بين المكونات اليهودية في أميركا" وأن "الإجماع اليهودي على إسرائيل بدأ في التفكك". وأشار إلى أن الأكاديمي الأميركي اليهودي، المعروف بانتقاداته لإسرائيل، نورمان فنكلستين، تحدث عن هذه المسألة سابقاً في كتابه "Farewell to Israel". ورأى أن أولى علامات تفكك الإجماع اليهودي حول إسرائيل كان في "ظهور جماعات يسارية مثل "أصوات يهودية للسلام" (Jewish Voices for Peace) وجماعات ليبرالية مثل "جي ستريت" التي كانت أكثر قرباً من حل الدولتين مقارنةً بموقف الأولى التي كانت أكثر قرباً من الموقف العربي والفلسطيني ومن حركة (المقاطعة الدولية لإسرائيل) "بي دي إس".وأضاف اللاركيا أنه "بشكل عام كان الاختلاف بين "جي ستريت" والجماعات التقليدية مثل "أيباك" خلافاً خفياً وطفيفاً. وكان الاختلاف الأساسي مع جماعات أكثر قرباً من موقف حركة مقاطعة إسرائيل مثل حركة "أصوات يهودية للسلام". لكن مع إدارة ترامب، توسع التشرذم ليصبح خلافاً حتى بين الجماعات التي يعتبر موقفها مسانداً لإسرائيل، سواء كان موقفاً متطرفاً أو مغلفاً بحل الدولتين. وبات هناك تناقض بين جماعات، كلها محافظة، لكن الخلاف أصبح حول شخصية بانون وتوجهاته العنصرية"، بحسب تعبيره. ورأى أن الاختلاف حول مسائل داخلية أميركية، والتوافق حول إسرائيل "سيستمران حتى وإن كان بشكل أضعف من المألوف في السنوات السابقة".

وعن انعكاس هذه الأجواء على العرب والمسلمين في أميركا، اعتبر اللاركيا أنه "سيجد العرب والمسلمون أنفسهم في موقف غريب جداً، إذ يفرض عليهم التحالف مع قوى صهيونية معادية لهم في السياسة الخارجية، لكنها تتقاطع معهم في سياسة الحريات الشخصية وحقوق الأقليات في أميركا". وقال "من الممكن أن يتم استغلال هذا التوافق لفرض التطبيع وكسر المقاطعة ضد إسرائيل من قبل العرب والمسلمين في أميركا، كنوع من الابتزاز".

في المحصلة، تظهر حالة بانون أن معاداة السامية، باعتبارها كراهية لليهود والأخذ بصور نمطية عنهم وشيطنتهم، لا تتناقض مع دعم إسرائيل والحركة الصهيونية باعتبارها حركة قومية علمانية. بل ربما يصبح دعمها امتداداً لمعاداة السامية، على قاعدة أنه إذا كان هدف معادي السامية طرد اليهود من أوروبا أو أميركا، فسيكون بالتالي إنشاء وطن قومي لليهود تكملةً لهذا المشروع.