3 أسباب تُفشل التحركات الروسية شمال شرقي سورية

3 أسباب تُفشل التحركات الروسية شمال شرقي سورية

19 يونيو 2020
تصطدم التحركات الروسية في الحسكة بالوجود الأميركي(دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

لم تنقطع محاولات روسيا تثبيت أقدامها في محافظة الحسكة في أقصى الشمال الشرقي من سورية، لفرض وجود لا يمكن تجاوزه في المثلث الحدودي ما بين سورية والعراق وتركيا، في مواجهة الوجود الأميركي الذي يحاول تقييد حركة الروس في المنطقة الغنية بالثروات، والتي لا تزال تشهد تحركات عسكرية، منذ أواخر العام الماضي، من كافة الأطراف لتثبيت خارطة سيطرة نهائية، لا يبدو أنها وشيكة.

لكن هذه المحاولات الروسية في توسيع نطاق النفوذ تصطدم برفض شعبي كبير، إلى جانب عجزها عن مجاراة الوجود الأميركي والتركي. وفشلت القوات الروسية خلال يونيو/حزيران الحالي أكثر من مرة في تثبيت نقاط تمركز لها في قرى حدودية. وفي هذا الصدد، انسحبت دورية روسية، الأربعاء الماضي، من قرية دير الغصن في ريف القامشلي، والتي كانت دخلتها الثلاثاء، في محاولة لتحويل هذه القرية، التي تخرج منها دوريات تركية – روسية مشتركة، على الشريط الحدودي السوري التركي، إلى قاعدة لها.

وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن دورية روسية، مؤلفة من 8 مدرعات، وصلت الأربعاء الماضي إلى قرية قصر ديب في ريف منطقة المالكية، من أجل إنشاء نقطة تمركز فيها، مشيرة إلى أن السكان يحاولون منع الروس من التمركز في قريتهم. وبيّنت المصادر أن الأهالي كانوا منعوا، الأسبوع الماضي، الروس من تحويل قريتهم إلى نقطة تمركز. لكن يبدو أن موقع القرية القريبة من الحدود السورية التركية دفع الجانب الروسي لتكرار المحاولة. لكن الروس أخلوا مجدداً عناصرهم في قصر ديب. وذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد" أن دورية للشرطة العسكرية الروسية أخلت صباح أمس الخميس، موقعها في القرية إثر احتجاجات من الأهالي.

من جهته، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن القوات الروسية انسحبت الأربعاء من قرية ديرنا آغي، عند الحدود السورية ــ التركية بريف الحسكة، والتي كانت تمركزت بها الثلاثاء، عقب رفض شعبي كبير لوجودها هناك. وأوضح أن أهالي القرية رفضوا مساعدات إنسانية قُدمت لهم من القوات الروسية. وكان الجانب الروسي أرسل، قبل أيام، عربات عسكرية إلى غرب منطقة الأسدية الواقعة في ريف رأس العين الشرقي، بهدف "استطلاع المنطقة وإزالة الألغام، تمهيداً لإنشاء نقطة عسكرية متقدمة، على مقربة من خطوط التماس بين مناطق نفوذ القوات التركية والفصائل الموالية لها من طرف، وقوات سورية الديمقراطية (قسد) من طرف آخر". وأوضح المرصد أن "دخول القوات الروسية إلى تلك المنطقة يعد الأول من نوعه".


وفي مقابل تحرك روسي هدفه تثبيت أقدامه في منطقة شرق نهر الفرات، هناك تحرك تركي في ريفي الحسكة الشمالي الغربي والرقة الشمالي. وأكدت مصادر محلية أن الجيش التركي، وفصائل المعارضة السورية المرتبطة به، استقدما تعزيزات، ليس بعيداً عن ريف بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي في مواجهة حشود روسية في نفس المنطقة، مشيرة إلى أن هناك تعزيزات مماثلة وصلت إلى منطقة تل تمر وزركان في ريف مدينة رأس العين في ريف الحسكة. لكن المتحدث باسم "الجيش الوطني" التابع للمعارضة السورية، الرائد يوسف حمود وصف، في حديث مع "العربي الجديد"، تحرك فصائل المعارضة السورية في شرق الفرات بـ"العادي"، مشيراً إلى أن محاولات التحرك الروسية في الحسكة "كانت ولا تزال تصطدم بالوجود الأميركي في الشمال الشرقي من سورية".

ويسيطر الجيش التركي على الشريط الحدودي الممتد ما بين مدينتي تل أبيض في ريف الرقة الشمالي، ورأس العين في ريف الحسكة الشمالي الغربي، بطول 100 كيلومتر وبعمق نحو 33 كيلومتراً. في المقابل، يسيطر الأميركيون على منطقة الرميلان الغنية بالنفط في ريف الحسكة الشرقي، بالإضافة إلى منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي الغنية بالغاز، بينما يتمركز الروس في مطار مدينة القامشلي، وفي منطقة عين عيسى في ريف الرقة، بالإضافة إلى نقاط تمركز صغيرة أخرى. وبيّنت مصادر مطلعة في محافظة الحسكة، لـ"العربي الجديد"، أبعاد محاولات التمدد الروسي في المحافظة الغنية بالنفط والغاز، بالإضافة إلى وجود ثروة أخرى لا تقل أهمية، هي الثروة الزراعية. وأشارت إلى أن التحركات الروسية المتلاحقة تهدف للوصول إلى النقاط الاستراتيجية، كالمعابر مع دول الجوار، مثل معبر "سيمالكا" الواقع في المثلث الحدودي أقصى شمال شرق سورية، الذي تديره "قسد". وأوضحت أن "هذا المعبر يقع في منطقة جبلية، ويشكل مدخلاً إلى تركيا والعراق، عكس بقية المعابر مع العراق التي تقع في مناطق سهلية".

وقالت المصادر إن "الروس يحاولون الوصول الى مدينة رميلان النفطية، والتي كانت قبل الثورة السورية في العام 2011، منطقة نفوذ لهم، حيث كان المهندسون والخبراء الروس يديرون حقول وآبار النفط والغاز في كل المحافظة، في حين هي اليوم منطقة نفوذ أميركي بلا منازع". كما يهدف الروس، وفق المصادر، إلى "فتح الطرق الدولية والداخلية في الشمال الشرقي من سورية لتحريك عجلة التبادل التجاري بين منطقة شرقي نهر الفرات الخاضعة إلى قسد وبين مناطق النظام، في مسعى لإنعاش اقتصاد الأخير، الذي من المتوقع أن تزداد متاعبه مع تفعيل قانون قيصر الأميركي".

وأعربت المصادر عن اعتقادها بأن الروس "يحاولون وصل ما انقطع ما بين النظام السوري وقسد، التي يهيمن عليها الأكراد السوريون، من بوابة تقديم ضمانات للأكراد بمنع مزيد من التقدم التركي. ومن هنا تأتي محاولات الروس إنشاء نقاط تمركز لهم ولقوات النظام على طول الجبهات مع الجيش التركي وفصائل المعارضة السورية في منطقة شرقي نهر الفرات". وأشارت إلى أن "الجانب الأميركي يراقب عن كثب التحرك الروسي شرق نهر الفرات، خصوصاً في محافظة الحسكة"، مضيفة أن "الأميركيين يقيّدون الروس في نقاط معينة، ويُفشلون أي محاولة لإنشاء نقاط تمركز جديدة لهم".

وجاء انتشار القوات الروسية في منطقة شرقي نهر الفرات عقب تفاهم عسكري مع "قوات سورية الديمقراطية"، أواخر العام الماضي. وخوّل الاتفاق الجانب الروسي إرسال قوات تابعة له وأخرى تابعة للنظام السوري إلى المنطقة، لكبح العملية التركية، التي بدأت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وكادت أن تهدد وجود هذه القوات شرق نهر الفرات. ومنذ ذلك التاريخ يحاول الروس توسيع نطاق نفوذهم في المنطقة، حيث حوّلوا مطار القامشلي إلى قاعدة عسكرية مرتبطة بقاعدة حميميم على الساحل، لكن الأميركيين قيّدوا حركة الروس في محافظة الحسكة، مستفيدين من رفض شعبي كبير لأي وجود روسي أو لقوات النظام في المنطقة.