اغتيال سليماني: تشريع أبواب المواجهة الأميركية الإيرانية

اغتيال سليماني: تشريع أبواب المواجهة الأميركية الإيرانية

04 يناير 2020
من تظاهرات منددة باغتيال سليماني (فرانس برس)
+ الخط -
تنقل أحداث ليل الخميس الجمعة، باستهداف أميركي لقائد "فيلق القدس" قاسم سليماني ونائب زعيم "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس، المواجهة الأميركية الإيرانية في المنطقة والعراق خصوصاً، من مواجهة بين الوكلاء إلى حرب مباشرة ومفتوحة على كل الاحتمالات، خصوصاً في ظل تهديدات طهران والمليشيات المرتبطة بها برد قاسٍ على هذه العملية التي تُعتبر من أكبر الخسائر على الجمهورية الإسلامية في الفترة الأخيرة.

ومع تشريع هذا الهجوم أبواب المواجهة الإيرانية الأميركية إلى أقصى حدودها، تتجه الأنظار إلى المنطقة لمعرفة سيناريوهات المرحلة المقبلة وأين سيكون الرد الإيراني، مع وجود مناطق عديدة يمكن أن تشكّل ساحات للحرب المقبلة، يبقى أبرزها العراق، حيث تمتلك إيران آلاف المقاتلين من المليشيات الموالية لها والمستعدين للتحرك ضد المرافق الأميركية في البلاد. كما يمكن أن تكون المنطقة الخليجية ساحة للرد الإيراني، خصوصاً مع دعوة الحوثيين إلى "رد سريع ومباشر" ضد القواعد الأميركية المنتشرة في المنطقة، بما يثير قلق دول الخليج من عمليات مماثلة لما حصل من استهداف منشأتي أرامكو، شرقي السعودية، في سبتمبر/ أيلول الماضي، أو عمليات خطف سفن وناقلات نفط في بحر الخليج، وهو ما بدا بمواقف سعودية وإماراتية، أمس، تدعو لضبط النفس. كذلك يمكن أن تكون الساحة اللبنانية، ولا سيما قرب الحدود مع فلسطين المحتلة، أو الجولان المحتل، مناطق متوقعة للرد، وهو ما يبدو أنه كان دافع الاحتلال الإسرائيلي للتأهب، أمس، بعد العملية، خصوصاً مع حديث الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله عن "قصاص من قتلة" سليماني، وحديث واشنطن عن أن سليماني كان يخطط لهجوم وشيك على منشآت أميركية وموظفين أميركيين في العراق ولبنان وسورية ودول أخرى.

وأعلنت قيادة "فيلق القدس" أن سليماني و4 ضباط آخرين من هذه القوات قتلوا خلال الهجوم التي نفذه الطيران الحربي الأميركي، فجر الجمعة، خلال خروجهم من مطار بغداد الدولي، بعدما وصلوا إليه قادمين من دمشق. وذكر الفيلق أن العملية "الإرهابية" خلفت 10 قتلى، منهم 5 عسكريين إيرانيين، بينهم سليماني، والخمسة الآخرون هم عراقيون من أعضاء قوات "الحشد الشعبي"، بينهم المهندس. ونفت المؤسسة أن يكون صهر سليماني قد قتل في الحادث، بعدما انتشرت أنباء حول ذلك. وبحسب بيانها، فإن الإيرانيين الأربعة الذي قتلوا برفقة سليماني هم العميد حسين جعفري نيا والعقيد شهرود مظفري نيا، والرائد هادي طارمي، والنقيب وحيد زمانيان.

عراقياً، أفاد "الحشد الشعبي" عن مقتل نائب زعيمه أبو مهدي المهندس، ومدير تشريفات "الحشد" في المطار محمد رضا الجابري، إضافة إلى القادة في "الحشد" حسن عبد الهادي ومحمد الشيباني وحيدر علي، فيما نفى "حزب الله" اللبناني مقتل أي عضو منه في الهجوم.
وسريعاً، توالت التهديدات الإيرانية ومن مليشيات عراقية وأطراف موالية لطهران بالرد. وتوعد المرشد الأعلى علي خامنئي "بانتقام قاس" لمقتل سليماني. كما أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني أن إيران و"الدول الحرة في المنطقة ستنتقم" لمقتل سليماني.
كما أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بعد اجتماع له، أن "الإدارة الأميركية ستتحمل التبعات الحقوقية والسياسية والأمنية والعسكرية لهذه الجريمة"، مشدداً على أن "الثمن الذي ستدفعه واشنطن سيكون باهظاً أكثر من المكاسب الوهمية لمثل هذه التصرفات"، مضيفاً "على المجرمين أن يترقبوا انتقاماً قاسياً في الوقت والمكان المناسبين وعلى أميركا أن تدرك أنها ارتكبت أكبر خطأ استراتيجي في غرب آسيا".

وفي السياق، كتب القيادي في الجناح السياسي لجماعة "أنصار الله" (الحوثيين) محمد علي الحوثي، على "تويتر": "هذا الاغتيال مدان، والرد السريع والمباشر في القواعد المنتشرة هو الخيار والحل". كما قال الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله في بيان: "القصاص العادل من قتلته المجرمين الذين هم أسوأ أشرار هذا العالم سيكون مسؤولية وأمانة وفعل كل المقاومين والمجاهدين على امتداد العالم".

في المقابل، اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن سليماني كان يجب أن يُقتل "قبل سنوات عدة". وجاء في تغريدة له أن "سليماني قتل أو أصاب آلاف الأميركيين بجروح بالغة خلال فترة طويلة وكان يخطط لقتل عدد أكبر بكثير... لكنه سقط!". وأضاف أن "إيران لم تفز يوماً بحرب، لكنها لم تخسر مفاوضات على الإطلاق". فيما ذكرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أنّ ترامب هو الذي أعطى الأمر باغتيال سليماني وأن سليماني كان وراء هجمات على قواعد التحالف في العراق.


من جهته، أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن الولايات المتحدة "ملتزمة بخفض التصعيد" ولكنها ستدافع عن نفسها، مؤكداً أن سليماني كان يخطط لـ"عمل كبير" يهدد مواطنين أميركيين. وقال بومبيو في مقابلتين تلفزيونيتين إن الغارة الجوية الأميركية كانت تهدف إلى تعطيل "هجوم وشيك" كان من شأنه أن يعرض حياة أميركيين للخطر في الشرق الأوسط. من جهته، قال المبعوث الأميركي الخاص بإيران، برايان هوك، إن سليماني كان يخطط لهجوم وشيك على منشآت أميركية وموظفين أميركيين في العراق ولبنان وسورية ودول أخرى. مقابل هذا التصعيد، قالت وزارة الخارجية السويسرية إن أحد دبلوماسييها سلم رسالة من الولايات المتحدة إلى إيران بشأن مقتل سليماني.

في العراق، يتفق مراقبون وسياسيون على أن العراق سيكون ساحة الحرب الرئيسة في حال وقوع سيناريو المواجهة العسكرية بين واشنطن وطهران، لوجود مقوّمات مسبقة لذلك. ووصف موظف رفيع في الأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي، طلب عدم ذكر اسمه، في تصريح لـ"العربي الجديد"، الموقف العراقي الرسمي بأنه "أضعف من إيقاف قرار إيراني بالرد على واشنطن في العراق"، مبيناً أن "مقتل سليماني أدخل العراق مرحلة جديدة من الصراع الإيراني الأميركي على أرضه في الوقت الحالي، والدولة لا تسيطر إلا على بضع فصائل من الحشد، والأخرى خارج نطاق السيطرة". ولفت إلى أن "أي حديث عن أي من الرئاسات العراقية الثلاث ستتمكن من إيقاف حرب أو مواجهة هو حديث إنشائي"، مؤكداً أن الجيش العراقي دخل حالة إنذار قصوى في عموم مدن البلاد، خصوصاً في المحافظات التي تضم قوات أميركية.

في المقابل، قال مسؤول عسكري عراقي في قيادة العمليات المشتركة، التي نددت في بيان لها بالهجوم الأميركي واعتبرته تجاوزاً خطيراً لسيادة العراق وتخطياً للمهام الأميركية في البلاد، إن "القوات الأميركية في حالة استنفار غير مسبوقة". وأضاف في اتصال مع "العربي الجديد"، أن "المسؤولين في الجيش أوصلوا لمسؤولين في الحشد بأن الأميركيين سيردون على أي هجوم محتمل على قواعدهم، وهو ما يعني اندلاع حرب مباشرة في العراق سيكون العراقيون ضحيتها الأولى". ودعت الولايات المتحدة، أمس، مواطنيها لمغادرة العراق، في مؤشر إلى حجم التوتر.

إلا أن غالبية الفصائل، بما فيها مليشيا "جيش المهدي" التي يقودها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، عادت إلى الاستعداد في سبيل الرد على أميركا بعد تبينها الرسمي للضربة الجوية. وعلى الرغم من اشتراك المليشيات على رأي واحد، وهو الرد، وذلك من خلال 9 بيانات متتالية صدرت عن مليشيات عراقية مختلفة، أبرزها "كتائب حزب الله" و"النجباء" و"الخراساني" و"بدر"، إلا أن المرجع الأبرز في العراق علي السيستاني، تقاسم مع القوى السياسية والفصائل المسلحة رفض الهجوم وإدانته، غير أنه طالب بـ"الالتزام بالحكمة وضبط النفس"، وهو ما يرجح علم السيستاني بردود فعل عسكرية من قبل فصائل مسلحة قد تؤزم الموقف العراقي. في حين رأى برلمانيون أن الحدث الأخير سيُساهم بدفع مجلس النواب إلى الإسراع بإقرار قانون "إخراج القوات الأميركية" من البلاد، مع العلم أن البرلمان سيعقد جلسة طارئة، غداً الأحد، سيكون هذا القانون على جدولها. وقال عضو تحالف "الفتح"، الجناح السياسي لمليشيات "الحشد"، حنين القدو، لـ"العربي الجديد"، إنه "لم يعد العراق بحاجة لتلك القوات ووجودها يجب أن ينتهي، لذا سيتم إنجاز المشروع وتقديمه إلى البرلمان لقراءته والتصويت عليه".

أما أخطر المواقع المرجح استهدافها في الساعات أو حتى الأيام المقبلة، فهي عدة مواقع أميركية حيوية في وسط وغرب العراق وشماله، وتحديداً السفارة الأميركية، التي تحولت في اليومين الماضيين إلى أشبه ما يكون بثكنة عسكرية، فضلاً عن معسكري التاجي والمطار، شمال وغربي بغداد، وعين الأسد، غرب الأنبار، وقصور الموصل الرئاسية، شمالي العراق، وقاعدة بلد الجوية، إلى الشمال.

ولم تتمكن الحكومة العراقية ورئاسة الجمهورية والبرلمان وعبر بيانات متتالية بدت أنها متشابهة، غير مواساة المليشيات الغاضبة والدعوة للتعقل وتغليب مصلحة البلاد، وفي الوقت ذاته، إدانة الهجوم. وقال رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي، إن "العملية خرق سافر للسيادة العراقية وتصعيد خطير يشعل فتيل حرب مدمرة في العراق والمنطقة والعالم".
وعقدت عدة مليشيات عراقية مسلحة، مساء أمس الجمعة، اجتماعاً موسعاً شارك فيه معظم قادة "الحشد" المقربين من إيران فيه، وأكد عضو في "كتائب حزب الله" العراقية لـ"العربي الجديد"، أن "هناك اتفاقاً على الرد، لكن الحديث حول طريقة الرد وأين ومتى"، مستدركاً بالقول "من المتوقع أن يكون القرار إيرانياً والتنفيذ من عدة فصائل، وما جرى من اجتماع هو بمثابة إعلان استعداد عن تنفيذ أي هجوم رد في حال قرر المرشد الإيراني ذلك". وكشف أن "قادة الفصائل اتخذوا سلسلة إجراءات أمنية مشددة، منها تغيير حركة سير سياراتهم، واستبدال محال إقامتهم، تحسباً لأي متابعة أميركية أو استهداف مماثل لعملية تصفية المهندس وسليماني".


شارك بالتغطية من بغداد: سلام الجاف

المساهمون