التصعيد الإسرائيلي ضد غزة: دق طبول عدوان جديد

التصعيد الإسرائيلي ضد غزة: دق طبول عدوان جديد

23 مارس 2017
دمار ناتج عن غارة في 16 مارس (علي جادالله/الأناضول)
+ الخط -

على نحو مفاجئ، غيّرت إسرائيل وقيادتها السياسية والعسكرية من تصريحاتها تجاه قطاع غزة. فبعد أيام من التأكيد على أنّ لا حرب في الأفق مع حركة "حماس" وغزة، عاد قادة الاحتلال للتلويح مجدداً بالحرب ودق طبولها، مع الدعوة إلى التجهّز الداخلي استعداداً لها. رئيس أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوت، تصدّر التصريحات الجديدة، بقوله إنّ الوضع في قطاع غزة قابل للاشتعال لجهة اندلاع مواجهة عسكرية، معتبراً أن المعيار الرئيسي هو امتحان القوة، في إشارة إلى الأحداث الأخيرة والتهديدات المتبادلة. وبرر أيزنكوت تصريحاته المختلفة عن سابقاتها، بأنّ "حماس" تواصل حفر الأنفاق، بما في ذلك الهجومية باتجاه إسرائيل، وتواصل عملية استعادة وبناء قوتها العسكرية في مجال الصواريخ الموجهة الدقيقة، والتزود بوسائل قتالية متطورة.

لكنّ ذلك يبقى دقاً لطبول الحرب، فحركة "حماس"، ومنذ انتهاء عدوان صيف 2014 على غزة، تعلن صراحة تجهّزها لأي مواجهة مقبلة مع إسرائيل، ما يعني أنّ التصريح بذلك في هذا الوقت ربما يكون هروباً من فتح جبهات أخرى، لا تريد إسرائيل خوضها. وشهد قطاع غزة، في الأيام الماضية، ارتفاعاً ملحوظاً في تحليق الطائرات الحربية وطائرات الاستطلاع على غير العادة في فترات الهدوء. ونفّذ الاحتلال سلسلة من عمليات القصف المدفعي وعمليات التوغل المحدودة على الحدود، بحثاً عن عبوات تزرعها المقاومة على الشريط. وتزامناً مع ذلك، نفّذ الاحتلال، بشكل مفاجئ، مناورات عسكرية ليوم واحد على الحدود مع القطاع وما يسمى بـ"غلاف غزة"، لرفع القدرات للتصدي لأي هجمات قد تحدث من غزة على إسرائيل، مع استمرار الحديث الإسرائيلي، إعلامياً وسياسياً وعسكرياً، عن خطر الأنفاق التي تحفرها المقاومة في غزة. واستُشهد الشاب يوسف شعبان أبو عاذرة، وأصيب آخران بجروح، في قصف مدفعي إسرائيلي استهدفهم، فجر أمس الأربعاء، في المنطقة الحدودية الواقعة شرق رفح في جنوب قطاع غزة. وبحسب شهود عيان، فإن المدفعية الإسرائيلية أطلقت عدة قذائف استهدفت مجموعة من الشبان كانوا قرب الحدود بين القطاع وإسرائيل.

ويقول الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، حاتم أبو زايدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ هناك شعورا لدى القيادتين السياسية والعسكرية في إسرائيل، بأنّ درجة المخاطرة ارتفعت بشكل كبير، وأنّ هناك إمكانية لاندلاع حرب، سواء في قطاع غزة، أو على الحدود مع سورية. ويشير إلى أنّه بالنسبة إلى قطاع غزة، فهناك شعور إسرائيلي بأن انفجار الأوضاع قد يحدث لأسباب تتعلق بالوضع الإنساني المتردي وتفاقم الأوضاع المعيشية، وربما حدوث مفاجأة، من قبيل قيام بعض الخلايا السلفية بإطلاق صواريخ تتسبب في سقوط قتلى إسرائيليين. ويوضح أنّ هناك شعورا بات أكثر حضوراً بأنّ المعركة المقبلة قد تحدث من دون مفاجآت أو مقدمات، وهناك وضع متغير من ساعة إلى أخرى في القطاع، وكلها تغيرات قد تؤدي إلى انفجار واسع، رغم أنّ إسرائيل والمقاومة في غزة لا تريدان الذهاب إلى حرب واسعة. ويلفت إلى أنّ القاعدة الأساسية تقول إنه سيكون هناك صدام مسلح، سواء في القريب العاجل، أو خلال سنوات، فقط لقناعة إسرائيل بأن المقاومة لا تزال تعظّم من قوتها وتعيد صيانة بنيتها التحتية.

وفي إسرائيل، يعتقدون أنّ مواجهة أكيدة ستحدث، ولكن لا يُعرف وقتها، وقد تكون هذا الصيف، أو العام المقبل. ويستعد الإسرائيليون لأسوأ الاحتمالات، والمناورات التي جرت لمدة 24 ساعة قبل يومين، وأكثر من 10 مناورات خلال عام، هي تدريبات استعداداً للمواجهة، فهناك استعدادات موسعة وتدريبات شبه شهرية استعداداً للأسوأ في قطاع غزة، وفق أبو زايدة. ويبيّن أنّ التقارير الدولية تؤشر إلى تأزم الأوضاع بشكل غير مسبوق في قطاع غزة، وقد تحدث اضطرابات اجتماعية. وفي تصوره، فإن القوى الموجودة في غزة لن تواجه شعبها، وسيكون الانفجار تجاه إسرائيل، فالوضع الإنساني المتدهور قد يدفع السكان إلى فعل أشياء والقيام بأعمال من الصعب تفهمها، مشدداً على أنه "إذا ما حدث شيء في غزة، فسيتحول بالضرورة باتجاه إسرائيل ولن يبقى في قطاع غزة".

وفي السياق، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة في غزة، حسام الدجني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ المناورات القائمة للاحتلال الإسرائيلي أخيراً، تأتي في إطار الاستعداد لأن يكون اليوم التالي بمثابة إعلان حرب، إلى حين صدور قرار سياسي بالأمر. لكن ذلك لا يعني أنّ الطرف الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية يرغبان في الدخول في معركة جديدة. ويشير إلى أنّ "ربط الاستعدادات التي يقوم بها جيش الاحتلال بقرب بدء الحرب على قطاع غزة، أمر غير موضوعي"، مُرجعاً ذلك إلى البعد السياسي الذي يحكم طرفي المعركة، إضافة إلى الأوضاع الإقليمية في المنطقة، والانتظار لمعرفة سياسة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجاههم.
ويلفت الدجني إلى أنّ الاحتلال الإسرائيلي يعمل بنظرية الجهوزية للحرب في أي وقت، وتوقع كافة السيناريوهات، لكنه بات يعلم جيداً أنه بعد العدوان على قطاع غزة صيف العام 2014، يجب أن يكون على علم بطرق محاربة المقاومة الفلسطينية وأنفاقها التي تسببت في خسائر له في المعركة الأخيرة. وبعكس التحليلات الإسرائيلية، يقول الدجني إن قدوم يحيى السنوار، كقائد جديد لحركة "حماس" في غزة، يُبعد شبح الحرب عن القطاع، إذ إن القادة العسكريين غالباً ما يضعون خيارات الشروع بالمعركة في آخر الاحتمالات، واصفاً القائد الجديد بـ"رجل الصفقات ورجل الحلول".

وعن مستقبل التهدئة بين الجانبين، في ظل الخروقات الحاصلة أخيراً، ينوه الدجني إلى أنه في ظل تنكّر الاحتلال للتهدئة، وعدم اتخاذ موقف تجاهها من قبل المجتمع الدولي، فمن المؤكد أنها ستنتهي ولن تستمر طويلاً، غير أن ذلك "لا يمثل بداية انتقال المقاومة إلى مرحلة الحرب مع الاحتلال". ويقول إن على المقاومة الفلسطينية أن تدرك أن النظريات السياسية الجديدة، لا تجعل الخيارات متعلقة فقط بالرد عبر الشروع في الحرب، مشدداً على أن المقاومة قادرة على القيام بأشكال متعددة في محاربة "خروقات التهدئة" والرد على ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي أخيراً.

المساهمون