روسيا: ميدان رسمي في مواجهة ميدان شعبي

روسيا: ميدان رسمي في مواجهة ميدان شعبي

21 يناير 2015
"ميدان مضاد" تستعرض قوتها في موسكو (كيفا كاراسان/الأناضول)
+ الخط -
تمكّنت الأوساط الحاكمة في روسيا، على خلفية ما آلت إليه الأمور في سورية وليبيا واليمن وفي الجارة القريبة أوكرانيا، من ترسيخ فكرة "كارثية الثورات" و"خطورة الميدان"، بوصفه "أداة جيوسياسية خارجية تهدف إلى تفكيك البلدان وإضعافها". واعتمدت الأوساط على آلة إعلامية وعقائدية قومية لا تكلّ ولا تملّ، تُرسّخ في الوعي العام، أن روسيا مستهدفة برمتها وأن مواجهة الميدان المحتمل شأن عام، لا يخصّ الحكومة وحدها ومؤسسات القوة لديها فقط.

في هذا السياق، أفادت وكالة "تاس"، في 15 يناير/كانون الثاني الحالي، بأن "سياسيين ووجوهاً اجتماعية روسية، يشكلون حركة جديدة تحت مسمى: ميدان مضاد، تهدف إلى الحيلولة دون قيام ثورات ملونة في البلاد". ونقلت الوكالة عن النائب الأول لرئيس حركة "أخوة المعركة الاجتماعية لعموم روسيا"، ديمتري سابلين، قوله "إننا نفهم الذي يجري الآن، ونرى ما يحصل في أوكرانيا الشقيقة. هدفنا المركزي الآن، هو عدم السماح بتشكل ميدان في روسيا. سنجتمع في كل مكان تلتقي فيه المعارضة".

وقد دخل في مجموعة مبادرة "الميدان المضاد" مع حركة "أخوة المعركة"، إلى جانب سابلين، رئيس نادي "ذئاب الليل للدراجات النارية لعموم روسيا"، ألكسندر زالدوستانوف، الملقب بـ"الجرّاح"، وكذلك نيكولاي ستاريكوف، أحد أمناء حزب "الوطنية العظيمة"، إضافة إلى فياتشيسلاف شابانوف، أحد المحاربين القدامى في أفغانستان وعضو مجلس "جمعية محاربي أفغانستان"، وكذلك بطلة العالم في القتال الحر، يوليا بيريزيكوفا، وآخرون. كما أفادت "تاس" عن انضمام المقاتلين القوقازيين إلى حركة "الميدان المضاد"، ونقلت عن نائب قائد قوات القوقاز المركزية، أندريه شوستروف، تأكيده أن "11 من القادة القوقاز وقّعوا وثيقة في هذا الصدد".

إلى ذلك، أفاد موقع "بوليت.أونلاين.رو"، بأن "أول تجربة لأبطال الميدان في ميدان مضاد، جرت في فبراير/شباط، ومارس/آذار الماضيين في شبه جزيرة القرم". وخرج في حينه النشطاء المعادون لفكرة "الثورات الملونة"، كما يسميها الروس، نسبة إلى الثورتين البرتقالية والوردية في أوكرانيا وجورجيا على التوالي، والمعادون لحكم سلطة الميدان الأوروبي في كييف، إلى شوارع مدن القرم وحاصروا جماعة "الميدان" في ساحاتها وطردوهم منها، وحققوا انتصاراتهم بالعصي وقبضات الأيدي على خصومهم. كما يفيد الموقع.

غير أن مصدراً مقرباً من إدارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نبّه إلى "عدم جواز استخدام العنف، سواء من قبل المعارضة أم من أنصار النظام". ولفت في حديث لصحيفة "فيدوموستي"، إلى أنه "هناك معارضة تخرج في تظاهرات احتجاج، وهناك ناس يدعمون السلطة. الفريقان يملكان الحق في التعبير عن موقفهم من الأحداث".

وأكد أن "حركة الميدان المضاد الجديدة، تقوم على مبادرة شخصية من أصحابها. وهناك رغبة لدى الناس في حماية البلاد من الانهيار، ومن ميدان جيوسياسي، وهم يملكون الحق في ذلك، إلا أن الوسائل العنفية لتحقيق ذلك غير مقبولة، فالقوانين تشمل الجميع. ولذلك، فإن أي نشاط للمعارضة وللمؤيدين يجب أن يجري في إطار القانون". كما نقلت الصحيفة إياها عن المعارض أليكسي نافالني، قوله إن "الكرملين، خلق لنفسه ميداناً وتلبّس هذه الفكرة. مع أنه لا يمكن لأي ميدان أن يقوم هنا، فالوضع مختلف لدينا".

وبدأ نشطاء حركة "الميدان المضاد" عملهم في موسكو، لدى مواجهتهم الحالة الأولى، التي تجلّت بتنظيم أنصار نافالني تظاهرة احتجاج في ساحة المانيج، على الحكم الصادر بحقه وحق أخيه في قضية اختلاس أموال شركة "إيف روشيه". واجتمع آلاف من حركة "الميدان المضاد" في الساحة نفسها، حاملين شريطة "غيورغي"، التي ترمز عند الروس إلى الوطنية والنصر، فطغى حضورهم على حضور المعارضين.

وفي 15 يناير، خرج أنصار نافالني في تظاهرة غير مرخصة إلى ساحة المانيج، ووفقاً لمعطيات شرطة موسكو، فقد بلغ عدد المحتشدين في الساحة إلى نحو 500 شخص، رفع 50 منهم شعارات مؤيدة لنافالني، بينما كان الباقون من أنصار حركة "الميدان المضاد"، فتلاشى المعارضون بين المؤيدين.

وعمد أنصار المجتمع المدني الروسي، إلى تنظيم "منتدى عموم روسيا"، بعنوان "الدولة والمجتمع المدني: تعاون في خدمة التطور". وركز المنتدى اهتمامه على مسائل المنظمات غير الربحية ذات التوجهات الاجتماعية، بغية قطع الطريق أمام أي تمويل خارجي.

وشارك بوتين في الجلسة الافتتاحية، فقال وفقاً لموقع الكرملين الرسمي "كرملين.رو"، "نحن جميعاً نعرف أن روسيا كثيراً ما تواجه تحديات خطيرة. ومن أجل التصدّي لها بالقدر الكافي، ولتعزيز هويتنا واستقلالنا وسيادتنا، يجب علينا خلق جو من التعاون والثقة في المجتمع، والعمل وفق جدول أعمال واحد معه، وتوسيع مساحة الحرية للمبادرات المدنية".

يشار هنا إلى أنّ مئات المنظمات الروسية الاجتماعية غير الربحية، ونشطاء اجتماعيين من الأقاليم الروسية وأعضاء في مجلس العموم الروسي ومجالس العموم في الأقاليم، وممثلين عن وزارات ومؤسسات الدولة الفيدرالية، شاركوا في أعمال المنتدى، لدعم منظمات المجتمع المدني الروسية وقطع الطريق على التمويل الخارجي.

ولا يبدو غريباً في السياق، أن نسبة الروس الذين يرون أنهم يعيشون في بلد غني ومتطور وحرّ زادت بنسبة ثلاثة أضعاف، في السنوات الثلاث الأخيرة، لتصل إلى حدود 70 في المائة. وفقاً لما جاء في معطيات تقرير مؤسسة "الرأي العام"، تحت عنوان " روسيا والواقع الجديد: صورة البلاد ومكانة السلطة".

وفي التفاصيل، فقد رأى 68 في المائة من المستفتين، أن روسيا تحظى باحترام في العالم، في مقابل 21 في المائة لا يرون ذلك. ورأى 86 في المائة أن العالم يهاب روسيا، في مقابل 8 في المائة لا يرون ذلك. وحول ما إذا جرت الانتخابات الرئاسية، يوم الأحد المقبل، أجاب 71 في المائة بأنهم سيصوّتون لبوتين، في مقابل 5 في المائة لزعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي فلاديمير جيرينوفسكي، و4 في المائة لزعيم الحزب الشيوعي غينادي زيوغانوف، في مقابل 1 في المائة فقط للملياردير ميخائيل بروخوروف، مؤسس حزب "المنصة المدنية" وصفر في المائة لزعيم حزب "روسيا العادلة" سيرغي ميرونوف.

المساهمون