الحجز على أموال رامي مخلوف: حرب إنهاء نفوذه تتسارع

الحجز على أموال رامي مخلوف: حرب إنهاء نفوذه تتسارع

20 مايو 2020
نشر مخلوف ردوده على صفحته في "فيسبوك" (فرانس برس)
+ الخط -
يُشكّل إصدار حكومة النظام السوري، أمس الثلاثاء، قراراً بالحجز الاحتياطي على أموال ابن خال بشار الأسد، رجل الأعمال رامي مخلوف، وزوجته وأولاده، رسالة جديدة تعكس مدى تفاقم الخلافات بين النظام ومخلوف، في ظل مؤشرات عدة متقاطعة تؤكد أن التحالف الذي كان قائماً طوال السنوات الماضية بين مخلوف ومراكز القوى العسكرية والأمنية داخل النظام قد اقترب من نهايته، من دون أن تكون محسومة بعد كيفية إقفال هذا الملف، وإن كان خيار التسوية، ولو المرحلية، قائماً في ظل معطيات عدة ينبغي أخذها بعين الاعتبار.

ونشرت حسابات ومصادر إعلامية مقرّبة من النظام السوري على مواقع التواصل الاجتماعي، أمس الثلاثاء، خبراً مفاده أن وزير مالية النظام محمود حمدان، أصدر قراراً بالحجز الاحتياطي على أموال مخلوف وزوجته وأولاده. وجاء القرار، بحسب المصادر، على خلفية عدم دفع المبالغ المستحقة على شركة "سيريتل" لمصلحة خزينة الدولة. وشمل القرار، وفق المصادر، الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لمخلوف وزوجته وأولاده، متوّجاً بذلك سلسلة طويلة من الخطوات التي اتخذها النظام لتجريد مخلوف من مؤسساته ومصادر قوته، لا سيما منذ أن وضعت السلطات يدها، صيف العام الماضي، على "جمعية البستان" التي يرأسها، والتي شكّلت "الواجهة الإنسانية" لأعماله خلال سنوات النزاع السوري. كما حلّت مجموعات مسلحة مرتبطة بها.

وكانت الساعات الماضية قد شهدت سجالاً بين مخلوف ووزارة اتصالات حكومة النظام على خلفية الخلاف الحاصل بينهما، واتهمت الوزارة مخلوف بالخداع والمواربة والتهرّب من دفع المبالغ المستحقة. كما اتهمت الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد، في 27 إبريل/ نيسان الماضي، شركتي اتصالات "سيريتل" و"أم تي أن" بعدم دفع الضرائب لحكومة النظام، والبالغة قيمتها 233.8 مليار ليرة سورية (حوالي 456 مليون دولار). ومنحت الشركتين مهلة أسبوعين من أجل سداد المبالغ المستحقة لخزينة الدولة. ونشرت "وزارة الاتصالات والتقانة" على صفحتها في موقع "فيسبوك"، ما سمّته "رداً على ما نشره رئيس مجلس إدارة شركة سيريتل على مواقع التواصل الاجتماعي". وجاء فيه أن "الهيئة الناظمة للاتصالات" التابعة للوزارة "كجهة عامة أولاً، ليست في موقع من يحتاج للتأكيد على مصداقية ثبوتياته وبياناته التي منحها القانون الصفة الرسمية والقوة الثبوتية". وأضافت: "كما تؤكد أن ما ساقه رئيس مجلس إدارة شركة سيريتل يأتي ضمن حملة الخداع والمواربة بهدف التهرب من سداد حقوق الخزينة العامة. وليس أدلّ على ذلك إلا من خلال إحجامه وامتناعه عن منح الفريق التنفيذي لشركة سيريتل التفويض الأصولي لتوقيع الاتفاق المتضمن سداد المبالغ المترتبة للخزينة". ونشرت الهيئة ما سمته "وثيقة صادرة عن الإدارة التنفيذية للشركة"، ذكرت فيها أنها "تُبيّن وتُثبت رفض رئيس مجلس الإدارة منحهم التفويض الأصولي اللازم".

في المقابل، واصل مخلوف مناشدته رئيس النظام بشار الأسد من أجل التوصل لحل يرضي الطرفين، وردّ على "الهيئة الناظمة للاتصالات" بالقول إن "ما تم نشره من قبل الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد بخصوص الكتاب الموقع عليه من المدير التنفيذي وبعض مدراء الشركة، يخص موضوعاً آخر ليست له أي علاقة بموضوع تسديد الشركة للمبالغ المفروضة عليها على الإطلاق، والأمر واضح بصلب الكتاب المذكور. ومن المُعيب إظهار خلاف حقيقة هذه الكتب للرأي العام، فالكتاب المنشور من قبلها يخص طلباً مستقلاً ومنعزلاً عنه تماماً، وقد تم توقيعه نتيجةً لضغوط مورست عليهم ستُجبرهم على نفي توقيعهم تحت تأثيرها. كما مورست ضغوط أخرى عليهم بالتهديد بحجز حرية زملائهم، إضافةً للضغوط التي أدت لاستقالة السيد نائب رئيس مجلس إدارة شركة سيريتل" (محمد مخلوف).

واعتبر رامي مخلوف أنه "ليس من المُستبعد توقيع كتاب كهذا في هذه الظروف، فالضغوط دوماً مستمرة على رئيس مجلس الإدارة وحتى أصغر موظف، وكل ذلك بهدف الموافقة على التخلي عن جزء من الإيرادات التي هي حق مساهمي الشركة". وادّعى مخلوف أنه "تمّ حرمان مساهمي الشركة من حقوقهم التي صاغها وصانها الدستور، وضمنها عقد الترخيص الإفرادي، وحمتها القوانين والأنظمة المرعية، فلا يحق لمن هو مُفوض بالتوقيع عن الشركة أو مدرائها ولو حتى من قبيل المشورة، التنازل عن حقوق مساهمي الشركة كونها أمانة، ونحن مؤتمنون أمام الله على حملها قبل عباده ولن نخونها مهما كانت النتائج فمن خانها فقد خان الله".

ولطالما كان مخلوف جزءاً أساسياً من النظام السوري وآلته القمعية، وسبق أن اعترف في فيديو سابق له بدعم فروع الأمن التابعة للنظام السوري، وهي الفروع التي قُتل بداخلها آلاف السوريين تحت التعذيب، كما دعم العديد من المليشيات المقاتلة إلى جانب النظام. وعلى الرغم من محاولات البعض حصر الخلاف بين مخلوف والنظام بالبعد الاقتصادي، ووضعه في خانة أزمة تحصيل ضرائب لرفد خزينة الدولة في ظل الانهيار المتسارع في سعر صرف الليرة، والذي وصل أمس إلى 1850 ليرة مقابل الدولار، ونتيجة حاجة النظام إلى مليارات الدولارات لتسديدها إلى روسيا بالعملة الصعبة، إلا أن التطورات المتلاحقة في الأسابيع الماضية تأتي لتؤكد أن الموضوع أبعد من ذلك بكثر. وبات واضحاً أن علاقة مخلوف والنظام قد شارفت على نهايتها، لا سيما في ظل مساعي الأسد لإعادة تركيز مصادر القوة، ومن ضمنها الموارد المالية داخل النظام، بين يديه، فضلاً عن رغبته في إنهاء نفوذ مخلوف الذي راكمه على مدى سنوات، بعدما عمد إلى إضعافه تباعاً في الفترة الأخيرة. ولم يكن ذلك ليتحقق لولا استفادة الأسد من الدعم الروسي، الذي لم يقتصر فقط على زيادة رقعة سيطرته الجغرافية على الأراضي السورية التي كان قد خسرها، بل عبر تقليص موسكو، بطرق عدة، نفوذ مخلوف العسكري، خصوصاً عبر تفكيك تحالفه مع المخابرات الجوية والفرقة الرابعة وإضعاف المليشيات التي كانت تحت سلطته.

في المقابل، تطوّر دور زوجة الأسد، أسماء الأخرس، في المواجهة مع مخلوف، بعدما لجأت إلى سحب ورقة جرحى قوات النظام من يده، خصوصاً بعدما لجأ إلى استخدمها في إحدى إطلالاته في فيديو على "فيسبوك"، بإعلانها قبل أيام أن هذا الملف بات تحت الإشراف المباشر لـ"القصر (قصر رئاسة جمهورية النظام في حي المهاجرين في العاصمة دمشق)، حرصاً على إبقاء البوصلة الحقيقية لأي جهود تبذل في هذا الإطار في اتجاهها الصحيح".

وعلى الرغم من خروج الصراع بين مخلوف والنظام إلى العلن منذ أسابيع والتهم المتبادلة بشكل شبه يومي، فإن كيفية نهاية الخلاف لا تزال مجهولة، على الرغم من عدم استبعاد خيار التوصل إلى تسوية مرحلية، لا سيما أن مخلوف لا يزال يملك أوراق قوة يمكن أن يستند إليها لتعزيز موقفه التفاوضي مع أركان النظام، بما في ذلك موقعه داخل الطائفة العلوية، فضلاً عن امتلاكه الكثير من الأسرار الخاصة بالنظام. تضاف إلى ذلك صعوبة التخلص منه، على غرار ما فعل النظام مع شخصيات أخرى كثيرة على مدى عقود.