اتفاقيات ترسيخ نفوذ إيران في سورية: مكافأة نهاية الخدمة؟

اتفاقيات ترسيخ نفوذ إيران في سورية: مكافأة نهاية الخدمة؟

30 يناير 2019
جهانغيري أرفع مسؤول إيراني يزور سورية(لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
زادت إيران ترسيخ نفوذها في سورية مع زيارة نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، لدمشق، وإبرامه اتفاقيات ومذكرات تفاهم جديدة مع النظام السوري، الساعي للحفاظ على حلفه بين الروس والإيرانيين، المتحكمين بمفاصل القرار السوري على مختلف الصعد. ولكن الاتفاقيات الجديدة التي تهدف إيران من ورائها إلى الحصول على القسم الأكبر من كعكة إعادة الإعمار، من شأنها إثارة حفيظة روسيا، الداعم الأكبر والأهم لنظام بشار الأسد، الذي يحاول الحدّ من نفوذ إيران في سورية، في ظلّ منح مذكرات التفاهم الجديدة إيران غطاءً واضحاً لتنفيذ أجندة اقتصادية وثقافية، يعتبرها الإيرانيون مكافأة نهاية الأزمة ومقابل الدماء والأموال التي بذلوها على مدى أكثر من سبع سنوات للإبقاء على بشار الأسد في السلطة.

في هذا السياق، وقّعت حكومة النظام وإيران 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم وبرنامجاً تنفيذياً، في مجالات اقتصادية وثقافية وتعليمية في ختام اجتماعات الدورة الـ 14 من أعمال اللجنة العليا السورية الإيرانية المشتركة في دمشق، منها، مذكرة تفاهم بين المؤسسة العامة للخطوط الحديدية السورية والخطوط الحديدية الإيرانية، ومذكرة تفاهم في مجال الأشغال العامة والإسكان، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال الترويج للاستثمار بين هيئة الاستثمار السورية ومنظمة الاستثمار والمساعدات الفنية والاقتصادية الإيرانية. كما وقّع الجانبان مذكرة تفاهم في مجال الجيوماتيك (هندسة المساحة الرقمية أو الهندسة الطبوغرافية الإلكترونية)، ومذكرة تفاهم للتعاون السينمائي، ومذكرة تفاهم بين هيئة مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب في حكومة النظام ووحدة التحويلات المالية الإيرانية، بشأن التعاون في تبادل المعلومات المرتبطة بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. كما وقع الجانبان البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي، إضافة إلى توقيع البرنامج التنفيذي في المجال التربوي (التعليم ما قبل الجامعي) للأعوام 2019 و2020 و2021.

وتأتي إيران في مقدمة الدول والأطراف الداعمة لنظام بشار الأسد، لمساندته عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بلا حدود منذ عام 2011، عام انطلاق الثورة السورية، فأرسلت وصنعت العشرات من المليشيات التي تقتل تحت شعارات طائفية. ومن الواضح أن إيران تريد حصد ما زرعته في سورية، عبر اتفاقيات اقتصادية غايتها وضع اليد على سورية وخلق حقائق لا يمكن تجاوزها في التسويات المقبلة، خصوصاً أن هناك توجّهاً دولياً تقوده الولايات المتحدة، لتقليم أظافر إيران في سورية، بل دفعها حتى خارج البلاد.

كما أنه من الواضح أن إيران تريد القسم الأكبر من كعكة إعادة الإعمار، وترسيخ وجودها على المستويات كافة في سورية، مع إدراكها أن مرحلة تقاسم الغنيمة السورية بدأت من الأطراف كافة. وكان وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة النظام السوري محمد سامر الخليل، قال أواخر العام الماضي، إن "الشركات الإيرانية ستتمتع بالأولوية في إعادة إعمار سورية خلال المرحلة ما بعد انتهاء الأزمة في البلاد".

ومن خلال نظرة على الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي تؤكد سعي طهران لوضع يد إيران على مفاصل هامة وحيوية في سورية، تمنحها نفوذاً طويل الأمد، وتمدّ الاقتصاد الإيراني المترنح نتيجة حصار دولي بموارد جديدة تعينه. وتسعى إيران من خلال الاتفاقات الجديدة إلى تحويل مطمعها بفتح ممر بري طويل، يبدأ منها وينتهي بساحل البحر المتوسط، مروراً بالعراق وسورية، إلى حقيقة واقعة ترسخ نفوذها في البلدين، ويتحول إلى شريان اقتصادي هام لإيران في ظل العقوبات المفروضة عليها.

كما تسعى إيران للحصول على امتياز إنشاء سكة حديدية لنقل الفوسفات من البادية السورية إلى الموانئ على البحر الأبيض المتوسط، ما يقطع الطريق أمام مسعى روسي للهيمنة شبه المطلقة على البادية ومواردها. كما تريد إيران الحصول على القسم الأكبر من عملية إعادة إعمار المدن والبلدات، التي دمّرتها مع قوات النظام والطيران الروسي، تحديداً في ريف دمشق وحمص وحلب. كما تؤكد مذكرات التفاهم السعي الإيراني إلى التغلغل أكثر في الثقافة بكل تجلياتها، والتعليم لفرض مشروعها المذهبي والثقافي.

ونجحت إيران في فتح قسم باللغة الفارسية في الجامعات السورية، كما بات لها نفوذ واسع في الجامعات، والمراكز التعليمية، وفي وزارة الأوقاف السورية، وبقية وزارات النظام، وفي الأجهزة الأمنية. كما تحوّلت مناطق داخل سورية إلى محميات إيرانية بامتياز، خصوصاً في دمشق وريفها، مثل بلدة السيدة زينب، جنوب دمشق، مثلاً. 

وفي هذا الصدد، رأى المتحدث الرسمي باسم هيئة التفاوض، التابعة للمعارضة السورية، يحيى العريضي، أن "الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعها النظام وإيران في دمشق لن تجدي ولن تحمي النظام". وأشار إلى أن "كلا الطرفين (إيران والنظام) في حالة موت سريري كل بطريقته"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "ربما تتحمّل إيران أكثر لأنها تعوّدت على الحصار، ولكن النظام أجوف وضعيف. تحاول إيران إبقاء النظام على قيد الحياة لأنها مرتبطة به وموته سينعكس سلباً عليها". وأضاف أن "هذه الاجتماعات البروتوكولية التي جرت بالعاصمة دمشق بين حكومة النظام والحكومة الإيرانية غير مجدية ولا نفع لها ولا قيمة، خصوصاً مع تمرير (قانون قيصر) أخيراً في الكونغرس الأميركي. وهو قانون واسع الطيف، يعني أي طرف يتعامل مع النظام السوري معرّض لعقوبات صعبة. فالاتفاقيات التي وُقّعت لن تجدي شيئاً. طهران تحاول شد حبال النظام المهترئة، لا أكثر".

من جانبه، قال عضو الائتلاف الوطني السوري، ياسر الفرحان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الاتفاقيات تكريس لسياسة إيرانية قديمة"، مضيفاً أنه "لإيران مشروع توسعي طائفي وعنصري، وتريد المحافظة على وجودها في سورية بطرق غير عسكرية". ورأى أن "التوسع الإيراني يشكل تهديداً للمنطقة برمّتها ليس سورياً وحسب، فإيران خطّطت للسيطرة على سورية من خلال تهجير السوريين، وتقوم بشراء العقارات في سورية من خلال تسهيلات واضحة من النظام".

ومن المتوقع أن تثير الاتفاقيات مذكرات التفاهم بين النظام السوري وإيران، الجانب الروسي الذي بدأ محاولات جدّية للحدّ من تأثير الإيرانيين بالمشهد الإيراني للتفرّد بالقرار السوري، في سياق حربه الباردة مع المعسكر الغربي. وسبق للنظام أن وقّع منذ سنوات اتفاقاً مع موسكو يتيح بقاءها العسكري في الساحل السوري لنصف قرن تقريباً، من خلال قواعد دائمة في مدينتي اللاذقية وطرطوس، إضافة إلى ترسيخ نفوذ واسع في الجيش.

بدوره، رأى الباحث في مركز "جسور للدراسات"، عبد الوهاب العاصي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "إيران تحاول التغلغل أكثر داخل قطاع الاقتصاد والمؤسسات الحكومية التابعة له، بشكل يؤسس لها بقاء ووجوداً طويل الأمد في سورية". وتابع قائلاً إن "مثل هذه الإجراءات تضع عقبة أمام محاولات الغرب وإسرائيل تبنّي استراتيجية تقوم على تقويض نفوذ إيران في سورية أو إخراجها منها، فمن المعلوم أن مبادئ اللاورقة اشترطت على النظام السوري في حال أراد الخروج من العزلة، قطع العلاقات مع إيران، لكن مثل هذا الإجراء يعكس وجود اتجاه مخالف تماماً من النظام حيث يتم تعزيز العلاقات مع طهران". وأعرب العاصي عن اعتقاده بأن "روسيا لن تعارض التحرك الإيراني في قطاع الاقتصاد، لأن تركيزها منصبّ على القطاع العسكري والأمني والحكومي في سورية. وبالطبع إيران تزاحمها في تلك المؤسسات لكن وفق سياسة ناعمة".

المساهمون