التصويت السري... ملاذ النواب العراقيين للتمرّد على كتلهم

التصويت السري... ملاذ النواب العراقيين للتمرّد على كتلهم

14 مايو 2019
يعتمد البرلمان العراقي التصويت الإلكتروني والسري(فرانس برس)
+ الخط -
كشفت مصادر في مجلس النواب العراقي عن وجود مطالب متصاعدة من قبل قادة كتل برلمانية للعودة إلى طريقة التصويت اليدوي، أو ما يعرف بـ"العلني" داخل اجتماعات البرلمان، بدلاً من التصويت الإلكتروني أو السري على القرارات والتشريعات، وذلك بسبب اكتشاف حالات "تمرد" لدى عدد غير قليل من أعضاء البرلمان على توجيهات رؤساء الأحزاب والكتل التابعين لها. ولا تقتصر الظاهرة التي يشهدها البرلمان الحالي، في نسخته الرابعة منذ الغزو الأميركي ــ البريطاني للعراق عام 2003، على تيار دون آخر، إلا أن نواب البصرة ونينوى بدوا أكثر تمرداً على آراء رؤساء كتلهم أو إجماع قادة أحزابهم، في ملفات كالموازنة العامة للبلاد ومشاريع التنمية والطعون بخطوات وزراء ومسؤولين تجاه محافظاتهم.

في السياق، أفاد مسؤول بالدائرة القانونية في البرلمان، في حديث مع "العربي الجديد"، بأن "بعض قادة الكتل يُخوّنون أعضاء ينتمون إلى جبهاتهم ويرون أنهم لا يصوّتون على مشاريع القوانين كما يتم الاتفاق عليها مسبقاً"، كاشفا أن "ثلاثة رؤساء كتل عبروا عن رغبتهم في العودة إلى التصويت اليدوي الذي كان معمولاً به في السابق بمبنى البرلمان القديم، بحيث يرفع كل نائب يده خلال الجلسة للتصويت بنعم ثم يرفع من يريد التصويت بلا يده في الخطوة الثانية من التصويت".

وأكد المسؤول أن "العودة للتصويت بهذه الطريقة غير مطروح واعتماد الأسلوب الحديث في التصويت واحتساب الأصوات وتوثيقها أمر مهم ويؤصل لعمل مؤسساتي رصين للبرلمان". وربط بين طلبات بعض رؤساء الكتل وبين شعورهم بأن نواباً من تيارهم لا يصوّتون كما يتم الاتفاق عليه مسبقاً قبل دخول الجلسة البرلمانية.
وكشف أحد النواب أن "التمرّد بدأ في جلسة انتخاب رئيس البرلمان، يومها اختير محمد الحلبوسي على نحو مفاجئ، علماً أن الاتفاق المسبق قبل دخول جلسة التصويت كان على منافسه خالد العبيدي، عن التحالف المدعوم من رجل الدين مقتدى الصدر". وتكرر موضوع عدم التزام النواب بتوجيهات رؤساء الكتل أكثر من مرة. وشهد العديد من الجلسات مفاجآت خصوصاً جلسات الاقتراع على وزراء حكومة عادل عبد المهدي ورفض مرشح الداخلية فالح الفياض ومرشح وزارة الدفاع فيصل الجربا. بالإضافة إلى جلسات التصويت على موازنة العام الحالي 2019 المالية ثم التصويت على إقالة محافظ نينوى، نوفل العاكوب في مارس/آذار الماضي (على خلفية غرق عبّارة الموصل). كما أدت التباينات إلى تعطيل تمرير مشاريع قوانين.

ولطالما ظلّ عمل البرلمان لسنوات مختزلاً بشخصيات سياسية عدة تتحكم بإدارة المشهد، كنوري المالكي وعمار الحكيم ومقتدى الصدر وإياد علاوي وإياد السامرائي وأسامة النجيفي ومسعود البارزاني وهادي العامري وآخرين على نحو أقل. لكن يبدو أن هذا الوضع تغير.


وفي السياق، أوضح النائب نفسه أن "نحو سبعة أشهر من عمل البرلمان أثبتت أن قادة الكتل فقدوا الكثير من قدرتهم السابقة على التأثير بإرادات وأصوات النواب". وأشار في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "التصويت السري سهّل المهمة على النواب المتمردين". وأضاف أنه "حتى في الكتلة التي تدّعي تماسكها كالإصلاح والبناء والأحزاب الكردية، فإن القرار ليس بيد قادة الكتل"، مشيراً إلى أن "خروج النواب من عباءة قادة التكتلات زاد من نسبة حدوث المفاجآت والقرارات غير المتوقعة".

من جانبه، أفاد النائب عن تيار الحكمة علي البديري، بأن "استقلال النواب بقراراتهم لا يمثل تمرّداً، وإن كان كذلك فهو حالة إيجابية"، مؤكداً في حديثٍ لـ "العربي الجديد"، أن "كل عضو في البرلمان ممثل لمائة ألف شخص. وعليه أن يؤدي الأمانة الملقاة على عاتقه بإخلاص، ويجب أن ينتهي الأمر المعمول به في البرلمانات السابقة". واعتبر أن "عضو البرلمان غير ملزم بموضوع زعماء الكتل السياسية، ولاحظنا في هذه الدورة كثيرا من أعضاء مجلس النواب لا يمتثلون لأوامر زعماء كتلهم السياسية"، لافتاً إلى أن "هؤلاء يقررون وفقاً لقناعتهم الشخصية من دون الرجوع للكتلة وهذا أمر عظيم". وتابع "هذه مسألة جيدة جداً وتُعدّ إشراقة جيدة لعهد الديمقراطية".

مقابل ذلك، توقع عضو البرلمان عن ائتلاف دولة القانون منصور البعيجي، أن "تشهد الأيام المقبلة زيادة في حركة التمرد داخل مجلس النواب، بعد فشل التوافقات في حل مشاكل الشعب"، مرجّحاً "تشكيل كتلة معارضة داخل قبة البرلمان من أجل تقويم عمل السلطة التشريعية". ولفت إلى أن "اللجان مثلاً تشكلت في الدورة البرلمانية السابقة في شهر واحد، في حين استغرقت مدة طويلة في الدورة الحالية". ورأى أن "بعض الكتل تتمرّد هي الأخرى داخل البرلمان، فالقانون الذي يعجبها تصوّت عليه، وتنسحب من الجلسات لدى طرح القانون الذي لا يعجبها".

من جهته، رأى المحلل السياسي، محمد الطائي، أن "التمرد موجود داخل البرلمان، بدليل عدم انجرار جميع النواب وراء رغبات رؤساء كتلهم". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد"، أن "في ذلك مصلحة مشتركة للنائب الذي سيحظى بثقة ناخبيه مجدداً، والمواطن الذي سيجد نوابا يمثلونه بشكل سليم". ولفت إلى أن "انفراد النائب برأيه بعيداً عن الضغوط يمثل جوهر العملية الديمقراطية". وأكد أن "استمرار هذا النهج بين النواب يمكن أن يؤدي بمرور الوقت إلى تفكك الكتل التقليدية التي سيطرت على المشهد السياسي في العراق منذ احتلاله من قبل الأميركيين عام 2003".