حسين العودات.. وجيل الخيبة العربي

حسين العودات.. وجيل الخيبة العربي

08 ابريل 2016
آثر الراحل البقاءبسورية رغم تعرضه للاعتقال عدة مرات(العربي الجديد)
+ الخط -
لعل أكثر جملة كان يرددها الراحل حسين العودات على مسامعنا حين كنا طلاباً في قسم الصحافة بجامعة دمشق في ثمانينيات القرن الماضي هي: "أنا أهبل"، أو عبارات أخرى مشابهة. كانت تأتي في سياق أنه رفض عروضاً من النظام لاستلام مناصب، وأنه ما زال من البقية التي تحمل حلم التغيير الديمقراطي في البلاد. كان يريد أن يضخ في عروق الجيل الجديد بعض أفكاره "الغريبة" آنذاك حول مفاهيم الديمقراطية والحرية وتداول السلطة، في مجتمع لا يعرف سوى الحزب القائد، والرئيس الخالد، ومحاربة عصابة الإخوان المسلمين العملية.

كان يريد أن يفعل ذلك بطريق ساخرة من نفسه أولاً، ومن المجتمع، والسلطة، والأنظمة العربية التي كثيراً ما يسوقها، كناية عن النظام نفسه، نظام حافظ الأسد، والذي يخنق حريته في الإفصاح عن كامل الرسالة التي يريد إيصالها.

حسين العودات الذي ولد عام 1937 في بلدة أم المياذن بمحافظة درعا، عاصر كل مراحل سورية الحديثة. شهد يافعاً موجة انقلابات الخمسينيات، وتمتع شاباً ببعض مظاهر الحياة الديمقراطية، قبل الوحدة مع مصر التي جمدت التطور السياسي للبلاد. وبعد انفراط عقد الوحدة، عمل مفتشاً في وزارة التربية إلى عام 1966، قبل أن ينخرط عملياً في العمل بالشأن العام اعتبارا من عام 1966 حيث كان مديراً عاماً لوكالة الأنباء السورية (سانا) حتى استيلاء حافظ الأسد على السلطة عام 1970 في ما عرف بالحركة التصحيحية.

مذاك الوقت، آثر العودات الحذر في علاقته مع السلطة. ورغم أنه عمل مستشاراً لرئيس الوزراء لشؤون الصحافة والثقافة بين 1971 – 1986، إلا أنه ظل حريصا على ألا يكون من رجالات السلطة، ولم يغره موقعه الذي أتاح له التعرف على عشرات المسؤولين في البلاد، التدرج في مناصبها، إلى أن عمل محاضرا من خارج الملاك لطلاب الصحافة في جامعة دمشق اعتباراً من منتصف ثمانينيات القران الماضي، قبل أن يتجه للعمل الخاص، عبر افتتاح دار الأهالي للنشر التي أرادها نافذة لفكره، ومصدرا للدخل بعيدا عن الوظيفة الحكومية التي كان يدرك أن لها أثمانا لا يقدر على دفعها، وقد بلغ من العمر عتيا.

ومع مطلع الألفية الثالثة، واستلام الرئيس الشاب بشار الأسد السلطة خلفا لوالده، كان الراحل العودات من الناشطين والمؤسسين للحراك الثقافي والاجتماعي والسياسي السوري في ما عرف بـ"ربيع دمشق"، وشارك في حينه بتأسيس لجان إحياء المجتمع المدني.

وإضافة إلى عمله في دار الأهالي، كان للعودات أنشطة أخرى كثيرة مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، والمعهد العربي للدراسات الاستراتيجية، واتحاد إذاعات الدول العربية، ومنظمة اليونسكو، فضلا عن مساهمات قيمة في مجال البحث والتأليف، فصدرت له عشرات الأبحاث والكتب عن فلسطين والصحافة والتاريخ والفلسفة.

مع اندلاع الثورة السورية قبل خمس سنوات، من الطبيعي أنه وجد فيها ضالته، إذ طالما حلم، وهو وجيله ممن عايشوا بوعي وحسرة نكبات البلاد والأمة جراء الأنظمة الديكتاتورية، بالتغيير الديمقراطي، والذي أراد على غرار كثير من العقلاء، أن يظل سلميا، بسبب معرفته العميقة بطبيعة النظام المستعد في سبيل الحفاظ على سلطته أن يحرق البلاد، ويدمرها حجرا فوق حجر.


آثر الراحل البقاء في البلاد، برغم تعرضه للاعتقال والسجن أكثر من مرة، وحاول بداية العمل على التغيير السياسي من داخل المنابر المتاحة في البلاد من خلال هيئة التنسيق الوطنية، لكن سرعان ما غادرها بعد أن اتضح له صعوبة هذه المهمة، بل استحالتها في نظام لا يتعامل مع المعارضين وأحزابهم إلا كخونة مرتبطين بالخارج، أو عملاء "يعارضون" بالتنسيق مع أجهزته الأمنية.

ظل صوت العودات موجوداً في السنوات الأخيرة وإن يكن بوتيرة أقل، بسبب تقدمه في السن وحالته الصحية، وضيق ذات اليد، وقد علت أصوات المدافع على كل صوت سواها، وظلت جريدة السفير التي حرص العودات على مواصلة النشر فيها بالرغم من مواقفها المقربة من النظام، منبرا يعبر فيها حتى الأشهر والأسابيع الأخيرة عن آرائه ومواقفه مما يجري في البلاد، وإن حاول الابتعاد ما أمكنه عن التطورات اليومية المنهكة والمحبطة.

العودات ينتمي إلى جيل الخيبة العربي. عاشوا ورحلوا بأحلام مكسرة.