هل ينجح الضغط الأميركي لتسريع الاتفاق الليبي؟

هل ينجح الضغط الأميركي لتسريع الاتفاق الليبي؟

21 مارس 2019
يأمل الليبيون بوضع حد للفوضى السياسية والأمنية(محمود تركية/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكد معلومات حصل عليها "العربي الجديد" من مصادر مقربة من المجلس الرئاسي الليبي الذي يقوده رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، وجود ضغوط أميركية للإسراع في التوصل إلى اتفاق ليبي، ضمن تحرك أوسع تَحضُر فيه فرنسا، التي زار وزير خارجيتها جان إيف لودريان طرابلس يوم الإثنين الماضي، والأمم المتحدة التي حددت أمس الأربعاء موعد انعقاد الملتقى الوطني الجامع في الفترة من الرابع عشر إلى السادس عشر من شهر إبريل/ نيسان المقبل في مدينة غدامس الليبية، مؤكدة على لسان مبعوثها غسان سلامة أنها ستدعو كافة الفئات الليبية لحضور أعمال الملتقى من دون إقصاء.

وقال مسؤول مقرب من المجلس الرئاسي، لـ"العربي الجديد"، إن "واشنطن قالت صراحة لليبيين إن الاتفاق النهائي يجب أن يُوقّع قبل نهاية الشهر الحالي لتوحيد مؤسسة الجيش وإخضاعها لسلطة مدنية تتشارك في تشكيلها كل الأطياف الممثلة في المشهد السياسي الحالي"، ما يعني حضوراً أميركياً في طرابلس للإشراف على اتفاق لم تُعلن تفاصيله بعد. وكشف المسؤول نفسه أن الاتفاق "يقضي بتولّي السراج السلطة السياسية في أعلى مستوياتها عبر مجلس رئاسي يشاركه في عضويته ممثلان، أحدهما من التيار الإسلامي وآخر من التيار المدني، بينما يتولّى شخص مقرب من سيف الإسلام القذافي (نجل العقيد الراحل معمر القذافي) رئاسة الحكومة الخاضعة لسلطة المجلس الرئاسي، ويتولى اللواء خليفة حفتر الجانب العسكري لفترة انتقالية جديدة".

وجاءت التسريبات بعد الزيارة التي قام بها السفير الأميركي، بيتر بودي، إلى طرابلس أول من أمس الثلاثاء، برفقة قائد القوات الأميركية في أفريقيا (افريكوم) الجنرال توم والدهاوسر، وأكد خلالها أن بلاده "لن تتسامح مع مفسدي العملية السياسية". من جهته، أكّد وزير داخلية حكومة الوفاق، فتحي باشاغا، للوفد الأميركي، أن "ليبيا مقبلة على اتفاق سياسي يشمل كافة الأطراف السياسية، الأمر الذي سيجنّب البلاد العديد من المشاكل"، مشيراً إلى أن حكومة الوفاق "ترحّب بتشكيل حكومة وحدة وطنية وفق توافق سياسي يحقق الأمان والسلم المجتمعي ومدنية الدولة، ويصون الأمن الوطني".
بالتوازي مع ذلك، أكّد وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، أن السراج وحفتر اتفقا على "تشكيل هيئة تنفيذية انتقالية تتولى تقديم الخدمات العامة والتحضير لإجراء انتخابات قبل نهاية العام الحالي".

وعلى الرغم من عدم وجود مواقف رسمية من قبل السراج وحفتر بشأن ما تسرّب عن الاتفاق، لكن قد يشير ترحيب باشاغا بـ"تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق توافق سياسي"، إلى موقف السراج، لا سيما أن الإعلام الليبي يقدّم باشاغا بوصفه "الرجل الأكثر ثقة في واشنطن"، إثر تلبيته دعوة أميركية منتصف فبراير/ شباط الماضي، واستقباله بترحيب كبير في واشنطن، التي التقى فيها عدداً من الوزراء والمسؤولين، والتي يمكن أن تكون على صلة بترتيب الاتفاق أو على الأقل انتزاع موافقة السراج عليه.

أما عن موقف حفتر، فرأى عضو مجلس النواب، سالم محيي الدين، أن قائد "عملية الكرامة" يراوغ، على الرغم من الضغط الفرنسي المباشر عليه. وأشار في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "حفتر وافق في أبوظبي على تقاسم السلطة مع السراج، لكنه يطمح إلى حصد أكبر قدر ممكن من المناصب التي تحفظ له تفرده بالقرار العسكري". وأضاف محيي الدين "تفاصيل زيارة لودريان يوم الإثنين لم تتضح، لكن الاعتقاد السائد لدى أوساط مقربة من حفتر أن موافقته قريبة على توليه رئاسة مجلس عسكري يضم ضباطاً قريبين منه، وتحديداً الجنرال سالم جحا الشخصية العسكرية الأبرز في مصراتة".

وعن الجانب السياسي، قال "إن المرجح حتى الآن أن تمثيل حفتر سيكون ضعيفاً، فالمساحة المتاحة له في المجلس الرئاسي عضو واحد، بينما تم تجميد حقيبة وزارة الدفاع في الحكومة المقبلة". ووفقاً لمحيي الدين، فإن "الاتفاق الجديد يقضي بألا يُسمح لأي طرف بالتمثل بأكثر من عضو في المجلس الرئاسي بعد إعادة تشكيله، لأن المجلس سيكون القائد الأعلى للجيش وتتبعه المؤسسة العسكرية، بينما سيتاح التمثيل بأي مستوى في الحكومة لأن وظيفتها خدمية لا سياسية، أما الجانب العسكري فرئاسته ستكون من قبل حفتر، وهو ما يلبّي طموحاته، لكنه لن يتفرّد بالقرار كونه خاضعاً للسلطة المدنية التي يتوزع قرارها بين أعضاء المجلس الرئاسي الجديد".


وإزاء هذا الوضع، يبدو أن الضغوط الدولية، سواء من واشنطن أو باريس، لم تكترث لتوفير ضمانات لتطبيق الاتفاق وقبول الأطراف الليبية الأخرى فيه، على الرغم من أن توزيع المناصب في الاتفاق، بحسب تسريبات المسؤول الليبي، يبدو متوازناً، لكن عقبات أخرى قد تواجهه. ففيما يبدو أن الاتفاق يحظى بقدر من القبول لدى حلفاء حفتر المحليين، إلا أن أصوات داعميه الإقليميين اختفت تماماً في الآونة الأخيرة، مقابل حضور فاعل لعواصم الثقل الدولي. وعلى سبيل المثال القاهرة، التي تُعتبر أقرب داعمي حفتر وأكثرهم اهتماماً بالوضع، والتي فضّلت العمل مع دول الجوار الليبي وتحديداً تونس والجزائر، على صياغة رؤية للحل وفق مصالح هذه الدول.

من جهة أخرى، لا يبدو أن السراج، الطرف الرئيس الآخر في الاتفاق، قادر على لجم غلوّ المجموعات المسلحة، على الأقل في طرابلس، إذ لم تتوقف هذه المجموعات عن إعلان رفضها لوجود حفتر في العاصمة، وبالتالي يمكن التساؤل عن وضع هذه المجموعات المسيطرة على طرابلس فعلياً في الجسم العسكري الجديد.
وتعليقاً على هذه الأوضاع، رأى المحلل السياسي الليبي، عقيل الأطرش، أن الاتفاق الجديد يعني "تجميد الأوضاع السياسية والعسكرية، فلا أحد يملك القرار بشكل كامل". وأوضح في حديث مع "العربي الجديد" أن "الاتفاق يعني مرحلة انتقالية جامدة تماماً إلى حين التوصل إلى توافق حول الدستور المفضي إلى مرحلة دائمة، وهي مرحلة تحتاج إلى تمهيد حقيقي من خلال توحيد المؤسسات السياسية والسيادية، وهو ما سيوفره الاتفاق المرتقب".

وعن وجود شخصية مقربة من سيف الإسلام القذافي على رأس الحكومة الجديدة، بحسب ما تسرّب، قال الأطرش إن "المتداول أنه مرشح من أعوان النظام السابق، وتحديداً عبد الرحمن العبار، أحد رموز النظام السابق والذي شغل أخيراً منصب عميد بلدية بنغازي". وقال إن الخطوة "لا تُعتبر أكثر من ترضية لطيف سياسي لا يزال يوالي النظام السابق"، مضيفاً "لا أعرف معنى ذلك، هل هي صفعة لروسيا التي أكّدت أكثر من مرة ضرورة وجود دور لسيف الإسلام القذافي، بوضع شخصية مقربة منه على رأس وظيفة غير مؤثرة في المشهد، أم أنها ترضية لها بعد أن تمكّنت واشنطن من إبعاد الخلاف الفرنسي الإيطالي عن الملف الليبي"، مشيراً إلى أن فرنسا هي الأخرى تهتم بالتواصل مع أنصار النظام السابق الموجودين بكثافة في الجنوب الليبي المهم بالنسبة لها.
وعن مشاركة التيارات الليبية الأخرى كتيار الإسلام السياسي، اعتبر الأطرش أن "تمثيل التيار في المجلس الرئاسي الجديد يشير إلى أن التوافق الدولي الذي تقوده واشنطن حالياً لا يرغب في تغييب رجالات هذا التيار، كعامل لكسر سيطرة أي طرف على القرار، فضلاً عن أن مشاركته تعزز مبدأ تجميد الأوضاع في فترة ما قبل الانتخابات".

لكن يبقى السؤال حول العودة المفاجئة للدور الأميركي في ليبيا. فبعد أكثر من سنتين على نهاية مهمة جوناثان واينر، المبعوث الأميركي الخاص للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى ليبيا، لم يقم الرئيس الحالي دونالد ترامب بإيفاد مبعوث خاص له إلى ليبيا، ما اعتبره مراقبون تراجعاً في أهمية الملف الليبي في سلم الأولويات الأميركية، خصوصاً عندما خفّضت الولايات المتحدة تمثيلها السياسي في مؤتمر باليرمو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بينما كانت عواصم الثقل الدولي تدفع بشخصيات وصفت برجال الصف الأول، مثل رئيس الوزراء الروسي دميتري ميدفيديف ووزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان.

لكن الصحافية الليبية نجاح الترهوني رأت أن واشنطن كانت قريبة من أجواء التنافس الدولي في الملف الليبي لارتباطه بملفات أخرى في الشرق الأوسط، وكانت "تفضّل قراءته بتأنٍ" مستفيدة من أخطائها في سورية. وأوضحت الترهوني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن واشنطن لم تترك الساحة الليبية، ولكنها كانت تتدخّل في الوقت المناسب، عبر قرار الدفع بالدبلوماسية الأميركية، ستيفاني ويليامز، في مهمة نائبة رئيس البعثة الأممية لدى ليبيا، في يونيو/ حزيران الماضي، وهو تاريخ وافق إعلان حفتر عن رغبته في نقل تبعية مواقع النفط إلى مؤسسة نفط موازية في بنغازي ليتراجع عن قراره بشكل مفاجئ من دون إعلان أسباب واضحة، لافتة إلى أن قرار حفتر جاء وسط تأكيدات متتالية تفيد بأن أوامر وصلت من واشنطن أجبرته على التراجع.

وعن انخراط واشنطن المفاجئ أخيراً، تساءلت الترهوني "هل يمكننا القول إن تطوراً جديداً ومزعجاً لواشنطن دفعها إلى العودة مجدداً وبهذه القوة"، مضيفة "أعتقد أن تعيين وليامز نائبة لغسان سلامة المقرب من الساسة الفرنسيين لم يكن كافياً، ما دفع واشنطن إلى العودة للحد من النفوذ الفرنسي القوي في الملف الليبي"، مشيرة إلى أن واشنطن "عادت لمعادلة الكفّة قبل أن تمضي فرنسا في تمرير صفقتها التي نسجت خيوطها في أبوظبي عبر الملتقى الوطني الجامع".
وعن أسباب استعجال واشنطن في إنجاز اتفاق بين السراج وحفتر قبل نهاية الشهر الحالي، قالت الترهوني "لا يوجد تفسير سوى أن واشنطن جاءت لترتيب أوراق الاتفاق بما يحفظ مصالحها، وإدخال أطراف جديدة لموازنة كفة المتحكّمين في المشهد الجديد على عكس رغبة فرنسا، قبل أن يعقد الملتقى المناط به منح شرعية محلية للاتفاق".

المساهمون