انقسام اليسار الأميركي يعزّز فرص جو بايدن

انقسام اليسار الأميركي يعزّز فرص جو بايدن

20 يناير 2020
حاول ساندرز ووارن تخفيف اللهجة بينهما (روبين بيك/فرانس برس)
+ الخط -
منذ بداية الحملة الرئاسية في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، عقد المرشحان بيرني ساندرز وإليزابيث وارن العزم على تفادي أي اشتباك سياسي بينهما مهما حاول الإعلام، أو المنافسين في السباق الرئاسي الأميركي. المسألة لا تقتصر على الزمالة التي تجمعهما في مجلس الشيوخ، بل حرصاً على وحدة معسكر اليسار الذي أضحى القوة الأبرز في الحزب الديمقراطي. لكن خلال الأيام الماضية تلاشى هذا الحلف الضمني، على وقع اشتداد المعركة الرئاسية على مشارف أسابيع قليلة من أول انتخابات تمهيدية في ولاية أيوا.

نجومية وارن، التي صعدت قبل أشهر، بدأت في الأفول، بعدما فتحت مواجهة مع الأثرياء والنافذين في الحزب الديمقراطي حول فرض الضرائب على أرباحهم. كما ذهبت بعيداً في برنامجها لإصلاح الرعاية الصحية. وتبعها حالياً صعود لساندرز في استطلاعات الرأي، في ظل اتجاه الليبراليين المستمر نحو اليسار. هناك قلق ضمني بين القيادات التقليدية في الحزب الديمقراطي من توسع نفوذ التيار اليساري واحتمال وصوله إلى الحكم، ما يؤدي إلى انحسار التيار الوسطي والقاعدة الشعبية للديمقراطيين، لا سيما في الوسط الغربي للولايات المتحدة. هذا الانحسار قد يكون مشابهاً لما فعله الرئيس الأميركي دونالد ترامب حين أقصى المعتدلين عن الحزب الجمهوري.

خريطة السباق عند الديمقراطيين حالياً تعكس وجود أربعة مرشحين جديين: عن التيار الوسطي نائب الرئيس السابق جو بايدن وعمدة "ساوث بيند" بيت بوتيجيج، وعن التيار اليساري وارن وساندرز. وفي ظل عدم القدرة على الحسم من قبل أي طرف، يزداد التوتر بين وارن وساندرز، بحيث سربت حملة وارن إلى الإعلام أن ساندرز أبلغها خلال اجتماع، في العام 2018، أنه لا يمكن لامرأة أن تصل إلى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. وخلال المناظرة الرئاسية يوم الثلاثاء الماضي، نفى ساندرز هذا الأمر، ما أدى إلى حوار جانبي متوتر بين المرشحَين فور انتهاء المناظرة، سُمعت فيه وارن تقول لساندرز إنه عملياً اتهمها بالكذب من خلال هذا النفي. هناك من يعتبر أن وارن تلعب ورقة الحركة النسوية لإعادة إنعاش حملتها، ومن يرى في المقابل أنها تعكس التحديات التي تواجهها المرأة في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي يطغى عليها الطابع الذكوري، على الرغم من إثباتها القدرة على الفوز في انتخابات الكونغرس وحاكمية الولايات.

انقسام التيار اليساري قد يكون فرصة مؤاتية لبايدن كي يكسب الانتخابات التمهيدية بالنقاط، في ظل عدم قدرته على الحسم بالضربة القاضية، لكن هذا لا يعني أن التيار اليساري كقوة انتخابية سيلتف حكماً حول نائب الرئيس السابق في حال كان المرشح الديمقراطي ضد ترامب. ساندرز بدأ يحاول احتواء تداعيات هذا الخلاف عبر نشر حملته إعلاناً دعائياً يسلط الضوء على دعمه لحقوق المرأة، كما تم التسريب إلى الإعلام بأنه ينظر في قانونية تعيين وارن نائبة رئيس ووزيرة للخزانة في الوقت ذاته. هذا التسريب يعني ضمنياً أن ساندرز يعتبر أنه يتصدر السباق بين مرشحي اليسار، وأن على وارن الانسحاب في مرحلة ما، وسيكون لها في المقابل موقع بارز في فريقه في حال فوزه بالرئاسة. لكن حتى الآن المعركة الرئاسية قائمة، ويتحضر كلا المرشحين للانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا، في 3 فبراير/شباط المقبل، وفي نيوهامبشير في 11 فبراير، لا سيما أن نيوهامبشير جارة كل من الولاية التي يمثلها ساندرز في مجلس الشيوخ (فيرمونت) والولاية التي تمثلها وارن (ماساشوستس).

حاول كل من وارن وساندرز تخفيف اللهجة بينهما والتقليل من أهمية هذا الخلاف العلني. لكن التوتر بينهما انعكس على المناصرين، وبالتالي لا يمكن التوقع بعد الآن أن أصوات وارن قد تذهب تلقائياً إلى ساندرز في حال انسحابها أو بالعكس إذا انسحب ساندرز، وهذا يعني دينامية جديدة في الانتخابات التمهيدية عند الديمقراطيين لا أحد يستفيد منها أكثر من بايدن. كما ينعكس هذا الأمر على وحدة الديمقراطيين بشكل عام، بحيث عاد مناصرو المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون للتذكير كيف ساهم ساندرز بفوز ترامب بعد توتر علاقته مع كلينتون في الانتخابات الرئاسية في 2016.

وفي ظل عدم وجود قيادة واضحة حالياً للحزب الديمقراطي يلتفت الليبراليون إلى الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لا يزال يتمتع بنفوذ كبير في الحزب الديمقراطي كونه يمثل يسار الوسط، وقد خرج عن صمته أخيراً محذراً الليبراليين من الذهاب بعيداً في خطابهم اليساري. في العلن يلتزم أوباما بالحياد في الانتخابات التمهيدية، ويؤكد أنه سيدعم أي مرشح يفوز بترشيح الديمقراطيين. لكن تسريبات فريقه توحي بأنه طالب كبار المانحين في الحزب بإعطاء فرصة لوارن في حال فازت في الانتخابات التمهيدية، وبأنه قد يتدخل في حال بدأ يتضح أن ساندرز هو الفائز، وبأنه يرى أن بايدن غير قادر على التواصل بشكل جيد مع الناخبين. لكن على الرغم من نفوذ أوباما الواسع بين الليبراليين، سيضطر في النهاية إلى التعامل مع المرشحة أو المرشح الذي يختاره الناخب الديمقراطي، ويعتبره أو يعتبرها الأكثر قدرة على منافسة ترامب.