"النصرة" تستهدف الجيش الحر في إدلب: تكرار لسيناريو الرقة؟

"النصرة" تستهدف الجيش الحر في إدلب: تكرار لسيناريو الرقة؟

14 مارس 2016
تزايد الغضب الشعبي على "النصرة" (فادي الحلبي/فرانس برس)
+ الخط -
عادت "جبهة النصرة" لتستهدف الفرقة 13 التابعة للجيش السوري الحر، مرة جديدة، وتفرض سيطرتها على مقرات تابعة للفرقة في محافظة إدلب شمال غرب سورية، المحررة من سيطرة النظام السوري، وهو أمر خلق خشية لدى متابعين للمشهد السوري، من أن تكون الجبهة تسعى للسيطرة على المحافظة بشكل كامل، في تكرار لسيناريو محافظة الرقة التي فرض تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) سيطرته عليها منذ أكثر من عامين.

وسيطرت "النصرة" أمس الأحد على مقرات وأسلحة تابعة للفرقة 13، وذلك في عدة مواقع داخل محافظة إدلب، في وقت يستعد فيه السوريون لإحياء ذكرى مرور خمس سنوات على انطلاقة ثورتهم، التي دخلت منعطفات معقّدة في ظل حراك سياسي محموم، وبدء ظهور تصدعات في العلاقة بين "النصرة" وفصائل المعارضة المسلحة.

وذكر ناشطون أن خلافاً بين عائلتين في مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي تطور إلى معركة بين "جبهة النصرة" وفصائل من الجيش السوري الحر انتهت بسيطرة الجبهة على مقرات الفرقة وأسلحتها، وعلى المدينة بالكامل. وذكر أحد ناشطي المدينة، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مقاتلي الفرقة انسحبوا من المدينة إلى منطقة مجهولة "حقناً للدماء"، مشيراً إلى مقتل ستة من مقاتلي الفرقة في الاشتباكات قبيل الانسحاب، كما قُتل عدد من عناصر "النصرة"، والتي أسرت عدداً غير معروف من مقاتلي الفرقة التي تعد أبرز فرق الجيش السوري الحر في شمال سورية.

واحتدمت المواجهات بين الطرفين مساء السبت، على الرغم من نداءات صدرت من عدد من وجهاء المدينة للتهدئة. كما حاول أهالي المدينة الحيلولة دون تفاقم الخلاف بخروجهم في تظاهرات ليلية نادت بإيقاف الاقتتال، وتحكيم الشرع بدلاً من تحكيم السلاح، وسحب المقاتلين إلى الجبهات، ولكن عناصر "النصرة" دخلوا المدينة بعد عودة الأهالي إلى بيوتهم، وفق مصادر محلية. ولم يتوقف الخلاف الدموي عند حدود معرة النعمان ومحيطها، بل وصل إلى مدينة خان شيخون القريبة منها، حيث أخلت الفرقة مقراتها فيها، فانتشر فيها عدد من عناصر الجبهة.

ويؤكد أحد القادة الميدانيين في الفرقة 13 في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "النصرة" استخدمت الأسلحة الثقيلة في اقتحام مدينة معرة النعمان، لافتاً إلى أنه "لم يجد تفسيراً لهذا الأمر"، مشيراً إلى أن هناك محاولات لتطويق الاقتتال كي لا يتسع نطاقه أكثر.

اقرأ أيضاً: سورية: تظاهرات "جمعة تجديد العهد" و"النصرة" تعتدي على المشاركين

من جهته، يرى المقدم أبو أحمد، وهو من قادة الجيش السوري الحر في وسط سورية، أن "النصرة" ترى أن محافظة إدلب "ولاية تابعة لها، ولا تريد أن يخرج أحد عن طاعتها"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد": "جبهة النصرة بدأت تفقد شعبيتها بين السوريين بسبب سلوكها المتشدد، وفرض رؤيتها بالقوة على بقية الفصائل، ورفضها المتكرر لفض ارتباطها مع تنظيم القاعدة". ويتوقع أبو أحمد أن ينقلب عليها عناصرها، وأغلبهم من أهالي المحافظة "لأن هناك غضباً شعبياً يتزايد على تصرفات قادة في الجبهة، خصوصاً في الآونة الأخيرة"، مستبعداً قدرتها على فرض سيطرة كاملة على إدلب وريفها، "لأنها محاصرة مادياً وشعبياً، وليس لها موارد كتنظيم داعش في مناطق شرق سورية".

من جهته، يرى المحلل العسكري العقيد الطيار مصطفى بكور، أن ما يجري في ريف إدلب "فتنة يسعى النظام وعملاؤه لنشرها بين الفصائل الثورية، والفصائل الجهادية"، مضيفاً في حديث مع "العربي الجديد": "يبدو أنها بدأت تنتشر بقوة، خصوصاً أن النظام يركز جهداً كبيراً لإثارة الفتنة في محافظة إدلب بسبب صعوبة التعامل معها عسكرياً، أي أنه يسعى لإسقاط إدلب ريفاً ومدينة من دون قتال عن طريق إثارة الفتنة والاقتتال بين أبنائها".

ويشير بكور إلى أن "كثيرين حذروا من وصول الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم منذ بداية الثورة، لكن قادة الفصائل على اختلاف انتماءاتها لم يصغوا لهذه التحذيرات بسبب جهلهم لقواعد اللعبة، وضعف خبرتهم في إدارة الأمور، خصوصاً بعد إبعاد وابتعاد الضباط المنشقين عن الواجهة العسكرية والسياسية". ويرى أنه في حال كان هدف جبهة النصرة السيطرة على محافظة إدلب وإبعاد الفصائل الأخرى عنها، "فذلك الأمر سيكون فيه مقتلها، خصوصاً أن محافظة إدلب لا تمتلك الكثير من الموارد فيما لو حاول النظام والقوى الأخرى محاصرتها"، معتبراً أنه من الصعوبة بمكان استنساخ ما حدث في محافظة الرقة في إدلب، "لأن الجغرافيا مختلفة، والطبيعة السكانية مختلفة".

وكانت مدينة معرة النعمان ومدن أخرى في ريف إدلب، شهدت تظاهرات حاشدة في يومي الجمعة من الأسبوعين الأخيرين إثر سريان اتفاق وقف إطلاق النار، في خطوة اعتبرها مراقبون بمثابة عودة الروح للثورة السورية التي تحيي بعد يومين ذكرى مرور خمس سنوات على انطلاقتها.

وأقدمت "النصرة" في وقت سابق على اعتقال عدد من الناشطين في مدينة إدلب أثناء تظاهرهم، لتخلي سبيل معظمهم بعد يوم من اعتقالهم، في تصرف عدّه كثيرون محاولة للوقوف أمام عودة الزخم الثوري الذي ينادي بإسقاط النظام، وإقامة دولة مدنية ديمقراطية تعددية، الأمر الذي يتناقض مع مبادئ ومنطلقات "النصرة" وفصائل راديكالية أخرى. ظهرت "جبهة النصرة" في سورية خلال الشهور الأولى من الثورة السورية، ووجدت ترحيباً من الشارع السوري الثائر بسبب وقوفها بوجه قوات النظام، إذ قادت معارك كبرى أفضت الى تحرير مناطق واسعة من الجغرافيا السورية خصوصاً في شمال سورية، ولكن إصرار زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني على عدم فض ارتباطها بـ"القاعدة"، ومحاولاتها التفرد في المشهد، فضلاً عن محاولاتها فرض رؤى متشددة على المدنيين في مناطق نفوذها، ولّد حالة تململ واستياء، ما قد يخلق أرضية تَقاتُل مع فصائل المعارضة المسلحة إلا إذا جرى تطويق الأمر، وهو ما يتوقعه مراقبون.

اقرأ أيضاً: سورية: "النصرة" تخلي مقراتها شرق إدلب